بداية لست ممن يرهقون أنفسهم في التنقيب عن أخطاء النظام، رئيسا أو حكومة، فيحملون كل خطوة أو تصرف على أسوء المخارج، وكأنهم يفرحون للأخطاء أو تلامس هوى في قلوبهم، ولست أيضا ممن تتعبهم الدعاية أو التسويق لكل ما يقوم به.. صحيح أنني أنتمي لحزب معارض، بل للحزب الذي يقود المعارضة حاليا، شعبيا ومؤسسيا، وهو انتماء أعتز به ويشرفني، كما أنه يعفيني من الترويج لعمل الحكومة أو تبرير سقطاتها، ولكنه لا يجعلني البتة أتمنى لها الإخفاق أو أنتظره منها، كمن يواجه عدوا أو خصما يتربص به الدوائر، فلا تمنعني معارضتي وانتمائي من التنويه بأي فعل ظهر صوابه، كما لا يمنعني توسطي في تلك المعارضة ولا الظرف الذي يعيشه البلد من التنبيه أو التنديد بما أقتنع بأنه خطأ، وهي قناعة أجد فيها قدرا من الانسجام وراحة الضمير.
ومن هذا المنطلق فسأقدم جملة ملاحظات حول لقاء معالي الوزير الأول، وكنت تقدمت ببعض التساؤلات قبل اللقاء، ولسنا ندري هل تؤثر همهماتنا هذه و تجد صدى، أم هي ذاهبة أدراج الرياح؟ عموما هي تعبير عن بعض ما يختلج في ضمائرنا في زمن الحجر الذاتي هذا، حين يفيض الوقت وتقل المشاغل، خاصة ممن تعود من أمثالي كثرة النشاط في دروب وميادين التدافع المختلفة..
أولا في الصميم وفي الشكل:
ملاحظة الصميم التي أضعفت مصداقية اللقاء ونقصت من قيمته وحيوته إلى درجة كبيرة هي تغييب الإعلام الحر، ولست أدري من أين جاءت هذه الفكرة الغريبة، ومن أشار بها على الوزير ولأي مسوغ، وقد ودعنا منذ زمن عهد الخرجات الموجهة والأسئلة المقروءة المعلبة!
أما ملاحظات الشكل:
- فقد أكثر الوزير من إسناد ما يجري من عمل وجهد وتخطيط لتوجيهات رئيس الجمهورية، حيث ورد ذكر رئيس الجمهورية في مقدمة الوزير القصيرة (15 دقيقة) أكثر من 17 مرة، بمعدل مرة في كل دقيقة، وهذه مبالغة لا تنتمي أيضا لزمان الناس هذا، صحيح أنه لا ينبغي إغفال دور رئيس الجمهورية المحوري في نظام رئاسي كبلدنا، ولست مع الامتناع عن ذكره أو الإحالة له، ولكنه التوسط، دون غمط أو مبالغة.
- كان حديث الوزير هادئا ولغته سليمة وأفكاره في الأغلب واضحة وإن اعتراها بعض الارتباك والغموض وغياب التحديد، وكان تفاؤليا مطمئنا، مبشرا بتحويل الضارة إلى نافعة.
- بدا الوزير غير مرتاح للقاء رغم أن الأسئلة ـ على أهمية بعضها ـ تجنبت الإحراج أو المساءلة الدقيقة والمحاججة القوية وذلك من سلبيات غياب الإعلام الحر المتمرس.
أما المضمون فقد كان أبرز ما فيه:
- اعتراف الوزير ضمنيا ببطء الإجراءات الحالية وذلك من خلال وعده بأن الخطوات ستتسارع في المستقبل، وهذا البطء هو من أكبر نقاط ضعف الحكومة.
- ذكر الوزير أن وضعية قطاع الصحة لم تكن جاهزة أوان انتشار الفيروس، ولعله نسي أن حكومته تدير القطاع منذ قرابة السنة، انشغلت خلالها بمعارك ثانوية وشكلية!
- التحفظ على نسبة نجاح المقاربة الوطنية في مجال محاربة الإرهاب للنظام السابق وعزو ذلك فقط لرؤية ومقاربة الرئيس غزواني، يؤكد على بوادر التنصل من كل ما له علاقة بالرئيس السابق.
- الإعلان عن تصميم الحكومة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والشروع في دراسة مشاريع عملاقة في مجالات الصيد والزراعة والتنمية الحيوانية.. لا نقول إلا: أفلحت الحكومة إن فعلت!
- في حديثه عن التوزيعات المالية التي أعلن عنها الرئيس لم يكن الوزير مقنعا، حتى لا أقول متناقضا، والواضح أن الحكومة تراجعت عن تنفيذ وعد الرئيس ـ أو هكذا فهمت شخصيا ـ بتوزيع 5 مليارات على 30 ألف أسرة أغلبها في نواكشوط والاستعاضة عنه ببرنامج تآزر الأكثر اتساعا ودعاية، والأقل مردودا وجدوى، وعموما فالتراجع ـ إن تم ـ يعتبر بداية سريعة غير مبشرة في استقبالنا للوعود الرئاسية، وأملنا أن يتم الاستدراك السريع، أو الاعتذار الصريح للرأي العام.. أُذكر أنه بين يدي الآن نسخة من خطاب الرئيس جاء فيها "تخصيص 5 مليارات أوقية قديمة لدعم 30 ألف أسرة من الأسر المعالة من طرف النساء والعجزة وذوي الإعاقة أغلبها في نواكشوط بإعانة مالية شهرية طيلة ثلاثة أشهر" فإعانة مالية شهرية طيلة 3 أشهر بغلاف 5 مليارات أوقية، من الصعب أن تتحول إلى مساعدات غذائية أو إلى دعم لـ200 ألف أسرة رغم أهمية هذين الأخيرين. فأين وعد الرئيس؟!
- وتبقى النقطة الأكثر غموضا والتي حاول الوزير التأكيد على أنها دقيقة وشفافة، هي معايير اختيار لوائح المستفيدين من إعانات "تآزر"، وقد ذكر الوزير بأن اللوائح تأتي بالتوافق بين السكان! ثم ذكر أيضا بأنها لوائح قادمة من عند المنتخبين والسلطات المحلية! وأعرف قصصا في نواكشوط من التحايل وكسر المعايير وتقديم من لا يستحق يندى لها الجبين، فإذا كان هذا في دوائر الضوء، فما هو الحال في المدن والمناطق النائية؟! وأكرر هنا مجددا أن الحكومة ما لم تقم بإعداد قوائم للفقراء دقيقة ومحكمة ووفق معايير واضحة فإن هذه الجهود القيمة المبذولة سوف تبقى عرضة للتحايل، فالموريتانيون شعبا وسلطات ووجهاء خبراء ذلك الميدان وفرسانه.
وأخيرا، فقد كان إيجابيا حديث الوزير عن الشفافية في التسيير واعتماد الرقابة المواكبة لتنفيذ المشاريع والتي تكتشف الأخطاء والاختلالات في وقتها، كما كان إيجابيا استعداد الوزير المبدئي للاعتراف بالأخطاء الموجودة والعمل على تصحيحها.. كما قدم أرقاما مهمة عن أبرز بنود الصرف في صندوق "كورونا " وأهم إيراداته، ووعد بتقديم كل التفاصيل من طرف لجنة متابعة التسيير..
وعلى العموم فقد كان اللقاء إيجابيا ومفيدا لو سلم من تغييب ممثلي الإعلام الحر.