الأخبار (نواكشوط) ـ أين "الفروة وآخلاخل، وأين آبراريد الديك وأرساغ حبة وسلك؟!"، بهذه الكلمات يخاطبك الصانع التقليدي في موريتانيا والحسرة تتملكه على مهنة سدت احتياجات الموريتانيين لعهود طويلة وقد باتت اليوم تواجه مخاطر الاندثار.
يخاطبك وهو يستذكر بعض الصناعات التي انقرضت أو كادت إثر وفاة أجيال عرفت بإتقان صنعتها ولم ترث الأجيال الجديدة مهاراتها بفعل عوامل شتى تأتي في مقدمتها المنافسة الشرسة من الصناعات العصرية وتراجع أعداد السياح الغربيين إلى موريتانيا، فضلا عن ضعف الدعم وندرة المعارض التي يتاح لهم من خلالها عرض منتوجاتهم للعالم.
ندرة المعارض والسياح
الصانع التقليدي سيدي محمد ولد الطالب يقول إن من بين العوائق التي تواجه الصناعة التقليدية بموريتانيا ندرة المعارض الدولية التي يشارك فيها الصناع التقليديون، وهو ما يسهم في الإسراع نحو اندثار هذه الصناعة.
ويضيف ولد الطالب متحدثا للأخبار، إن هذه المعارض تناقصت مؤخرا لتصل إلى أربعة معارض فقط خلال سنة 2016 بينما كانت قبل أحداث ألاك سنة 2007 تزيد على الثمانية معارض سنويا.
كما يشكو الصناع التقليديون تراجع قطاع السياحة في موريتانيا باعتباره المصدر الأساسي للإنتاج والعرض، فمن خلالها تستطيع الصناعة التقليدية أن تستعيد ألقها الغائب منذ سنة 2007، حيث تشكل عودة السياح عودة الحياة لهذا القطاع الموشك على الاندثار، كما يقول العاملون فيه.
أما الصانع التقليدي محمد سالم ولد سيدي ولد بوب فيرى أن السياحة والصناعة التقليدية ترتبطان، مضيفا في حديث لوكالة الأخبار أن حادثة مقتل السياح بالقرب من آلاك سنة 2007 كانت بداية دخول الصناعة التقليدية مرحلة الاندثار الذي لازالت التي تعيشها حتى الآن.
إجراءات عاجلة للإنقاذ
يحتفظ الصانع التقليدي محمد سالم ولد همدي في محله التجاري بسوق الصناعات التقليدية في العاصمة نواكشوط بآلة نادرة تستعمل للحامة المجوهرات يعود عمرها إلى أزيد من مائة عام، شأنه شأن عشرات الصناع التقليديين الذين بحوزتهم قطع وآلات تقليدية نادرة ترمز إلى تجذر هذه الصناعة في حضارة الإنسان الموريتاني وكيف أصبحت اليوم تعيش الاغتراب بين يدي هذا الإنسان نفسه.
حسب صناع تقليديين يعرضون منتجاتهم بأسواق العاصمة نواكشوط تحدثوا لوكالة الأخبار، فإن الصناعة التقليدية توشك أن تنقرض إذا لم تتخذ السلطات إجراءات عاجلة لإنقاذها والحد من خطر يتهدد اقتصاد البلاد بحكم أن القطاع يشكل مصدر عيش لفئات واسعة من المواطنين كما يدر بالعملة الصعبة في بعض المواسم.
ويرجع الصناع التقليديون المخاطر التي يواجهون إلى ما يصفونه عدم اكتراث الدولة بهذا القطاع الذي قدم لموريتانيا في مرحلة ما قبل وبعد الاستقلال أهم حاجياتها، قبل أن تتراخى في دعمه وتدع مصيره للمجهول.
ويقول الصناع التقليديون إنهم يقدمون لموريتانيا أكثر مما يقدمه سفراؤها الدبلوماسيون فهم يعتبرون أنفسهم سفراء ثقافة وحضارة يعرّفون العالم أين ما حلوا بهذا القطر العربي، فـ "كم كانت منتوجاتنا التي نعرض سبيلا إلى أن يتعرف الآخرون على وطننا لأول مرة!".
الصناعة التقليدية التي تعتبر جزءا من تراث وثقافة وذاكرة موريتانيا بدأت تواجه مخاطر يعتبرها العارفون بالمجال عائقا يتهدد حضارة البلاد واقتصاده على حد سواء، ما جعل دعوات في أوساط الصناع التقليديين تظهر مطالبة السلطات بفتح معاهد لتعليم مبادئ المهنة وبتسهيل إجراءات عودة السياح إلى موريتانيا باعتبارهم من بين أهم مقتني منتجات هذه الصناعة.