احتضنت نواكشوط قمة هي الأولى منذ بداية جائحة كورونا "كوفيد19" وتهدف القمة لتحقيق الأمن والاستقرار في الساحل، وتأتي هذه القمة استمرارا لقمة "بو" المنعقدة بـ"فرنسى" يناير الماضي والتي أسفرت عن قيام تحالف الساحل الهادف إلى محاربة الإرهاب ودعم القدرات الدفاعية للقوات المسلحة وقوات الأمن وتعزيز عودة الدولة لمناطق الأزمات ودعم التنمية .
وتزيد مساحة دول الساحل عن 5 ملايين كلم2 ويقطن المنطقة نحو 80 مليون نسمة وقد تم وضع إستراتيجية عرفت بخارطة طريق الشباب والأمل والتي شكلت فرصة لمتابعة فعالة لتنفيذ أهداف إستراتيجية دول الساحل الخمسة، وقد مثلت قمة نواكشوط فرصة جدد فيها الشركاء الدعوة لتجسيد المانحين لالتزاماتهم التي تعهدوا بها في مؤتمر المانحين الذي انعقد في نواكشوط 2018 لتجسيد برنامج الاستثمارات في المنطقة إذ تعد إشكاليات التمويل إحدى التحديات المطروحة إذ بدونه لن تتمكن القوات المشتركة من أداء دورها في مكافحة الإرهاب وتحقيق الانتعاش الاقتصادي في المنطقة.
ويسعى تحالف الساحل لتحقيق التنمية المدنية إضافة للمكاسب العسكرية وذلك عبر نشر برامج مجتمعية للتنمية في منطقة الساحل ويضم تحالف الساحل 23 دولة عضو قرروا استثمار 800 مليون "يورو" في يونيو 2020 لمواجهة أزمة "كورونا" كما قرر الاتحاد الأوروبي استثمار 194 مليون يورو لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة ، وقد سعت قمة نواكشوط الحالية لتنسيق الجهود لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل الصحراوي وبحيرة تشاد وحيث المشاركة والدعم الفرنسي الميداني، ففي فترة "فرانسوا هولند" سعت فرنسا لتحرير مالي من الجماعات الإرهابية ففي 2013 أطلقت فرنسا ما عرف بعملية "سرفال" والتي تم تطويرها لتصبح "برخان " والتي تم خلالها تجنيد 5000 جندي فرنسي وقد عززتها قوات "المينسما" الأممية بنحو 1600 جندي، ورغم تذبذب المواقف حول التدخل الفرنسي في الساحل بين الترحيب الرسمي والتحفظ الشعبي رحبت قمة نواكشوط بالمشاركة الفرنسية ودعت لتعزيز الدور الأمريكي والتواجد الأممي .
وقد ألقت الأزمة الليبية بثقلها وخيمت بظلالها على القمة حيث التباين بل والصراع بين الفرقاء الإقليميين والدوليين يؤثر سلبا على المنطقة مما دفع قمة نواكشوط لوضع المجتمع الدولي أمام واجباته الإنسانية، وتكمن خطورة القضية الليبية في تجارة السلاح وتدفقه عبر الحدود وحيث أمراء الحرب والإرهاب يصولون ويمرحون في المنطقة الصحراوية ويسعى تحالف الساحل للضغط عن بعد لحل الأزمة في ليبيا تجسيدا لمؤتمر برلين للأمن والاستقرار في ليبيا.
من جهة أخرى يعد التحالف بين مجموعة الساحل الحلقة الأقوى لتجسيد مرحلة جديدة للتصدي للإرهاب وتحمل المسؤوليات المشتركة في هذا الصدد، وحيث عملية "برخان" الفرنسية والتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين والمنظمات الدولية الراغبة في المشاركة في التحالف لإنشاء "تاكوبا".
وكان قد تم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وبالتعاون مع منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بقيادة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه احتضان نواكشوط الملتقى التشاوري الأول لعلماء دول الساحل الخمس، وقد نظم هذا الملتقى التشاوري للتباحث حول كيفية نشر التسامح والاعتدال والوقوف ضد التطرف والاقتتال وترسيخ الفكر الوسطي لحماية الشباب من الانحراف والتطرف، حيث أكد العلامة الشيخ عبد الله بن بيه في هذه المناسبة انه لا مستقبل للإنسانية إلا من خلال السلام والوئام فالتعايش هو الخيار الوحيد لنا في منطقتنا والعالم أجمع فالله يدعو إلى دار السلام، وقد جسد هذا الملتقى الرؤية الثاقبة والحكيمة لمولانا حكيم الأمة الإسلامية المجدد داعية السلم والسلام قائد سفينة نوح في زمن الحروب الأهلية والإرهاب والتطرف العلامة الشيخ عبد الله بيه حيث المنطقة تواجه الكثير من التحديات التي تفرض على العالم التكافل والتآزر لمواجهتها، وحيث يستحيل على الكيانات القطرية أن تتمكن لوحدها من مواجهة التحديات التي يمليها الواقع العالمي، وطبيعة التحديات التي هي في جوهرها عالمية التأثير محلية الأثر، حيث كل قطر أضحى معني باتخاذ إجراءات حمائية ضمن محيطه الإقليمي والدولي، وحيث إكراهات الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة وتداعياتهم على الصعيدين الإقليمي على مجموعة الساحل وشبه الإقليمي على الصعيدين العربي والإسلامي بل وحتى الإبراهيمي، حيث العائلة الإبراهيمية بقيمها السمحة النبيلة والتي ينبغي أن يقودها أولو بقية من ذوي الحكمة والعقل والتبصر في طبيعة التحديات وتأثيراتها الكونية ومآلاتها الإنسانية.
وكان قد تم بإشراف رسمي من رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وتجسيدا لمساعي مولانا الشيخ عبد الله بن بيه وبحضور العديد من المرجعيات الدينية إصدار "إعلان نواكشوط" المنبثق عن لقاء علماء إفريقيا التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال المقام بالتعاون بين منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة والحكومة الموريتانية وهو الملتقى الدولي والإقليمي الأول الذي تم عقده في ظل قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وبحضور شخصي منه، وقد شارك فيه علماء يقودهم حكيم الأمة مولانا العلامة الشيخ عبد الله بن بيه و الذي مافتئ يدعو للتعاون لتعرية التطرف والتحريض وتبيان القيم السمحة لديننا الحنيف الذي يدعو للسلام والمحبة بدل الحروب والكراهية والتطرف.
من جهة أخرى تعد بعثت الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في "مالي" المعروفة اختصارا بـ"المينسما" إحدى الأذرع الأساسية لتدريب الجيش "المالي" حيث تم استثمار 138 مليون يورو في هذا الإطار وينتظر أن تلعب مجموعة "تاكوبا" التي تضم 13 دوله مشاركة من بينها كندا واليونان والسويد وتشيكو سلوفاكيا واستونيا والمجر والهادفة لتعزيز الدعم العسكري والتدريب وتعزيز الحوكمة والتنمية ، وتعزيز الدعم الإنمائي لمكافحة الفقر والذي هو مصدر الإرهاب، وقد تم إنشاء مبادرة الساحل 2017 بمشاركة ألمانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا وهولندا والدنمرك والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، وقد قررت هذه المجموعة رصد 11 مليار يورو ما بين سنوات 2019_2026 ويظل إلغاء المديونية مطلبا أساسيا لمجموعة الساحل حيث الصراع حول كسب قلوب ساكنة المنطقة قطب الرحى ومحك النجاح لكل عمل دولي في المنطقة.
وعليه بجب تنفيذ برامج تنموية لصالح اللاجئين والنازحين اللذين يزيد عددهم عن 3ملايين نازح ولاجئ كما يجب تبني مبادرات للحوار بين المجموعات وتحقيق المصالحات ومعالجة المشاكل الجوهرية المتعلقة بالنزاعات البينية فالمشكلة في الساحل اقتصادية وفكرية وعليه لابد من جلب استثمارات واعدة لسكان المنطقة إضافة لإشراك العلماء والأئمة في هذه الجهود كما يجب احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في العمليات التي تتم في المنطقة في ساحات القتال، مع تجديد مأمورية "المينيسما" والتي ستعززها فرقة أبريطانية في السنة الحالية وفرقة من الاتحاد الإفريقي قوامها 3000 جندي إضافة إلى قوات "تاكوبا" التي ينتظر أن تشارك في العمليات في 2022.
أخيرا ندعو حكيم المنطقة قائد السفينة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى تبني مقاربة توسيع التحالف ليضم دولا عربية وافريقية وازنة على رأسها المغرب والسنغال والجزائر وان يدفع الإمارات والسعودية ومصر للعب دور رائد في هذا التحالف.