لا يختلف اثنان في أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يتمتع بصفات كثيرة تجعله أهلا لأن تُعقد عليه الآمال في تغيير وضع البلد وإصلاح شأنه وتقويم اختلالاته والقضاء على أوكار الفساد فيه، وآخر ذلك جريمة شفط أموال البنك المركزي وإغراقه بالدولارات المزورة.
فالرجل لم تلحقه شبه فساد معلوم، والرجل لديه شرعية انتخابية ومشروعية سياسية خلقتها وعززتها أجواء الانفتاح الحالي، والرجل قادر على الاستماع للجميع والإفادة من الجميع.. وعلى المستوى الشخصي يتمتع بقدر من التوازن النفسي يجعل قراراته صائبة وحازة في المفصل، إن أراد.
لكن هل كل ذلك كاف؟ هل لدى الرجل من الحزم ما يتخذ به القرارات السريعة لغسل العار؟ وأول تلك القرارات مراسيم رئاسية سريعة بتجريد محافظيْ البنك المركزي، السابق واللاحق، وإرسالهما مباشرة إلى سجن دار النعيم، إلى جانب كل معاونيهما من مديرين ورؤساء مصالح وأقسام، فضلا عمن أصدر الأوامر وخطط وملأ الجيوب.
إن شفط أربعة ملايين دولار، وربما أكثر، دفعة واحدة من خزينة البنك المركزي، وإغراقه بالدولارات المزورة جريمة ليست من النوع العادي؛ أنستنا صناديق أكرا، وتقارير محكمة الحسابات، وملفات الفساد المنظورة من لجنة التحقيق البرلمانية.
فهذه الجريمة، ليست مجرد فساد إداري عادي، ولو كان هذا المبلغ الضخم المسروق فيها استُنزف في صفقات وهمية أو كان ضمن ميزانية التسيير للبنك المركزي، لهان الأمر..
إنها جريمة دولة ما كان لها أن تتم إلا بتخطيط وتوجيه من أعلى هرم في الدولة، وهي بالتالي تقتضي أن يكون الاتهام فيها بالخيانة العظمى لأنها استهدفت تقويض النظام المصرفي للبلد وهدم كيانه، وأن تصدر فيها أحكام بالإعدام تنفذ فورا وبمجرد انتهاء مراحل التقاضي التي يجب أن يحكمها طابع الاستعجال الشديد.
كما أن تمكين شخص واحد، مهما بلغ من الأمانة ونظافة اليد، من أن يكون قيّما على هذه المبالغ الضخمة، هو في حد ذاته سلوكأرعن تفوح منه روائح سوء النية وسبق الإصرار والترصد.
ولا تقتصر خطورة "البنك-غيت" على النظام السياسي للبلد فقط، وإنما على موريتانيا نفسها ككيان وعلى نظامها المصري وسمعتها أمام الدائنين والشركاء الماليين والاقتصاديين عموما.
إن هذه الجريمة، إذا لم يعاقب المتورطون فيها علنا وتُجزَّ رقابهم في أسرع وقت، قد تؤدي -لا قدر الله- إلى انهيار البلد وخرابه وزوال عمرانه، وفي أقل الظروف إلى انقلاب عسكري دامٍ سيكون مبرَّرا ومقبولا في كل الأحوال.
سيدي الرئيس، لقد سئمنا -ولتسمح لي فخامتكم- من مرحلة "المدير" الذي لا يريد أن يغضب أحدا وأن ينهي "عهدته" بأقل الخسائر وفي أقل ضوضاء..
سيدي الرئيس إن رضى الناس غاية لا تدرك، وإن أولى الناس بشفقتك وابتغاء رضاهم عنك، هم فقراء هذا البلد ومعدموه ممن استرعاك الله على أموالهم وأعراضهم، وهم الحصن الحصين لنظامك وحكمك.
سيدي الرئيس، نريد قائدا قادرا -وأنتم كذلك- على أن يبطش بالمفسدين ويزج بهم في السجون، ويصوب نحو نحورهم الرصاص، إن اقتضى الموقف.
سيدي الرئيس، إننا اليوم بعد هذه الفضيحة المدويةوفي موقف ضاعت فيه سمعة بلدنا داخليا وخارجيا،ننتظر من سيادتكم، وأنتم أهل لذلك، قرارات حاسمة، بل ثورية.
فهل تفعلها يا سيادة الرئيس؟