- لم أتمكن من حضور ملتقى الإنجاز والتّطوير الأول الذي نظمته الأمانة الوطنية لمنتخبي حزب التجمّع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" الأيام الماضية تحت عنوان "أوفياء لخدمتكم"، ومع أن المبادرة مبادرةٌ حسنة وخطوة مهمة من خطُوات الإصلاح إلا أنها جاءت متأخّرة ومتأخّرةٌ جدّا (ملتقى الإنجاز والتطوير الأول! بعد كم سنة؟ بعد عقد من الزمن على تأسيس الحزب! هذا مُخجل).
- من المهم جدا بل ومن الملحّ أن تُفهم العلاقة التّعاقدية بين النّاخب والمنتخَب، فالناخب الحُر لا تنتهي عملية الانتخاب عنده مع فرز النتائج، بل هو من يتابع منتخَبيه ويراقب ويسائل وينتقد ويُذَكّر حتّى الثَّواني الأخيرة من أداء المهمة، والمنتخَب المسؤول هو من يتحمل الأمانة ويبلغ الرسالة كما حملها ممن انتخبوه ويتّسع صدره لحمل هموم الناس.. فلا خير في الناخب إن لم ينصح ولا خير في المنتخَب إن لم يُصْغِ للنّاصحين.
- حين تُفهم هذه العلاقة في طبيعتها يكون من الواجب بداهة أن يرفع المنتخِب وجهه - ليس مرَّة أو مَرَّتين - في وجه المنتخَب، حتى لا يغفل الأخير - وكثيرا ما يفعل - عن المهمّة التي تمّ تكليفه بها، هذا هو معنى الاختيار السَّليم، فأنا لم أنتخب زيدا من أجل زيادة أعضاء الجمعية الوطنية.. ولم أنتخب عمرا ليكون ديكورا في المجالس الجهوية والمحلية.. هذا على افتراض سلامة بواعث الانتخاب.
- الحديث عن استثنائية تواصل داخل المشهد الحزبيّ الموريتاني حديث معادٌ ومكرَّر وصحيح أيضا، لكن هذه الاستثنائية "تجرّ طرفها" حتى داخل تواصل نفسه، فالنّسخة الحالية من تواصل "استثناء" من النسختين السّابقتين (بحساب كل مأمورية نسخة)، فلأوَّل مرة وبعد 10 سنوات على تأسيس الحزب، يُجلسُ تواصل منتخَبيه وجها لوجه مع ناخبيه، مسائلين ومُنتقِدين، يثمّنون ما حقّه التَّثمين، ويؤدّبون من حقّه التأديب.
- لا يعني هذا أن ناخبي تواصل كانوا قبل أمس صمًّا بكمًا عمْيًا عن منتخبيهم، المساءلة كانت تتم لكن في فضاءات أخرى، فالتواصليون - أو بعض منهم - طالما عُرفُوا بالمراقبة المستمرّة لأداء منتخبيهم ومسؤوليهم سواء كانوا برلمانيين أو عمدا أو مستشارين، غير أن احتضان الحزب بشكل رسمي وعلني لهذه المساءلة حمل دلالات متعدّدة، لعل أوضحها أن فريق القيادة الحالي يقف موقف الحارس لأصوات النّاخبين والنّاخبات من تواصل، فهي - أي الأصوات - ليست للتّلاعب، وليست مطيّة يركبها المغرورون وأصحاب الأهواء، هذه "الرعاية الرّسمية" هي ما جعلت المساءلة سابقة من نوعها و"استثناء" داخل الاستثناء الكبير.
- ليس أداء نواب الحزب وعمده بنفس المستوى، فمنهم الصّالحون ومنهم دون ذلك، منهم من يخدم في صمت، ويطرح مشاكل منتخبيه وغير منتخبيه ويسعى بشكل عملي لإيجاد حلّ، ومنهم المهذار والمهذارة، ومنهم الغائب الذي لا حسَّ ولا أثَر..
- أما فيما يخُصّ التكوين فمسألة بالغة الأهمية والحساسية (لا أدري طبيعة ومحتوى التكوين الذي تلقّاه المنتسبون طيلة اليومين الماضيين)، لعلّها أهم من المحاسبة والمساءلة، ذلك أنه يُطرح في النهايات دائما سؤال عريض وكبير: سؤال الخَلَف والسَّلف، إن القيادة التي لا تسعى لخلق قيادة تَخلُفها، تعتبر قيادةً أنانية، فوق ذلك ديكتاتورية بغيضة، نعم بغيضة، لأنها تنشد الباطل بثوب الحق. والأحزاب حين تفشل هنا فهي فيما سوى ذلك أفشل.
- صحيح أن عناصر القيادة متداخلة ومتشابكة، وأن منها ما هو فطري، لكن يجب أن لا ننسى أن "مِن" تبعيضية، فهناك عناصر أخرى وهي الأكثر تتعلق بالتربية والتكوين والتأهيل والتأطير، وقد آن الأوان للنَّظر في هذه المسألة وإعطائها ما تستحق، فهي آكد وأهم، والتَّقصير فيها واضحٌ وجلي.
- بقي أن أقول كناخب ومنتسب لهذا الحزب إن المحاسبة يجب أن تأخذ أيضا أثرا رجعيا، فعشر سنوات من عمر حزب تواصل، بمواقفها وتحالفاتها وتمَوقُعاتها يجب أن لا تمُرّ دون محاسبة أو تقييم، فلا معنى لأن تُنتقد شوارد وواردات فريق القيادة الحالي، وتُغمض الأعين عن فريق القيادة الماضي، ذلك غير مُنصف. خصوصا أن في تلك العشرية الكثير مما يُقال.