الأخبار (نواكشوط) ـ قال السفير المغربي في نواكشوط حميد شبار إن المملكة المغربية تمثل أول مورد إفريقي للسوق الموريتاني وبنسبة تفوق 50%، كما تعتبر «أول مستثمر في موريتانيا على الصعيد الإفريقي».
وأضاف السفير المغربي في مقابلة شاملة مع الأخبار أن موريتانيا تستورد من المغرب ما يقارب 660 ألف طن سنويا من مختلف السلع، مشيرا إلى أن "الخضر والفواكه لا تشكل إلا نسبة % 13 من مجموع صادرات المغرب نحو موريتانيا».
وأوضح السفير: «تبقى المنتجات ذات الطابع الصناعي هي التي تحتل الصدارة وتضم مستلزمات التلفيف والكرتون، منتجات بلاستيكية، مولدات ومستلزمات كهربائية، أدوية ومعدات طبية، بالإضافة إلى المواد والمدخلات الضرورية للقطاعين الصناعي والفلاحي كقطع الغيار والزيوت الصناعية والأ سمدة والمواد الكيماوي».
كما أشار إلى أن الشركات المغربية تنشط بموريتانيا في قطاعات الاتصالات والأبناك وتوزيع الغاز المنزلي وصناعة الاسمنت ومواد البناء، وكذلك تحويل المنتجات السمكية وغيرها من الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في مجال الخدمات.
وتعتبر هذه المقابلة هي الأولى للسفير المغربي بنواكشوط حميد شبار في الإعلام الموريتاني منذ توليه المنصب قبل سنوات، وتناولت مواضيع متعددة من بينها تقييم السفير لمستوى العلاقات الثنائية بين موريتانيا والمغرب، وحجم التبادل التجاري، والعلاقات الثقافية، واستئناف العلاقات المغربية مع إسرائيل وأزمة الكركرات وإعلان البوليساريو استئناف الحرب ضد المغرب.
نص المقابلة:
الأخبار: ما تعليقكم السيد السفير على القرار الأخير للرئيس الأمريكي القاضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء و هل هناك علاقة لهذا القرار بإعلان المغرب ربط علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟
االسفير المغربي: أولا، شكرا أولا على استضافتكم لنا وإتاحة الفرصة للتوجه للرأي العام الموريتاني عبر موقعكم المحترم.
بخصوص سؤالكم، فإن قرار الاعتراف من طرف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء و سيادة المملكة المغربية الكاملة على الصحراء المغربية يعتبر حدثا بارزا و تاريخيا بكل المقاييس وذلك بالنظر إلى حجم بلد كالولايات المتحدة الأمريكية، العضو الدائم في مجلس الأمن والقوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم بالإضافة إلى دورها المحوري في صناعة القرار الدولي. كما يعتبر هذا القرار مكسبا هاما ليس فقط للدبلوماسية المغربية بل للمنطقة عموما من حيث مساهمته الحاسمة في إيجاد حل نهائي لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وأود، من وجهة نظري، قراءة هذا القرار الأمريكي انطلاقا من ثلاث ملاحظات:
أولا مصدر القرار يتعلق الأمر بالرئيس الأمريكي الذي يخول له دستور الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ مثل هذه القرارات الحاسمة في السياسة الخارجية باعتبارها تدخل في صميم اختصاصاته. وهو بذلك قرار للدولة الأمريكية أتخذ بمرسوم رئاسي بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري. وهذا التوضيح من الأهمية بمكان. كما أن هذا القرار يأتي كتتويج للدينامية الدبلوماسية التي أطلقها صاحب الجلالة نصره الله مع الشريك الأمريكي في هذا الموضوع، خصوصا خلال السنتين الأخيرتين.
ثانيا: محتوى القرار: القرار يعبر عن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية ويعتبر الحل السياسي المبني على المبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل وحيد و دائم لهذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. ونسجل هنا أن القرار التاريخي للرئيس الأمريكي يتناغم ويكرس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتي تعتبر، منذ 2007، المبادرة المغربية للحكم الذاتي مبادرة جادة وذات مصداقية وتتسم بالواقعية و كفيلة بإيجاد حل نهائي لهذا النزاع الإقليمي. كما يؤكد قرار الرئيس الأمريكي على أن الولايات المتحدة تعتقد أن قيام أي كيان مستقل ليس خيارا واقعيا لحل النزاع، وأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لهذا النزاع المفتعل.
ثالثا: أجرأة القرار و ترجمته على أرض الواقع: القرار لم يكتف بالاعتراف بمغربية الصحراء فقط ولكن ترجم أيضا بقرار ملموس وهو فتح قنصلية للولايات المتحدة الأمريكية في مدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في هذا الجزء من المملكة. وتبرز أهمية هذه الخطوة خصوصا إذا استحضرنا توجهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بجعل هذه الجهة الجنوبية للمملكة قطبا تنمويا مؤهلا للعب دور ريادي في ترسيخ العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا جنوب الصحراء.
بخصوص الشق الثاني من سؤالكم المتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، وجب التوضيح أن الأمر يتعلق هنا باستئناف لعلاقات كانت قائمة بين المملكة المغربية وإسرائيل، منذ 1994، غداة التوقيع علىى اتفاق أوسلو، والتي استمرت حتى 2002، عبر فتح مكاتب اتصال في كل من الرباط و تل أبيب، آنذاك. وللوقوف أكثر على طبيعة وخصوصية الموقف المغربي في هذا الشأن، اسمحوا لي أن أقدم لكم بعض التوضيحات في النقط التالية:
الموقف المغربي ينبني على خصوصية متفردة و هي تواجد ما يناهز مليون يهودي من أصل مغربي في إسرائيل من بينهم شخصيات قيادية و وزراء في الحكومات المتعاقبة في إسرائيل. وهذه الشريحة من المواطنين الإسرائيليين و الذين يعتزون بمغربيتهم أيما اعتزاز، يحتفظون بعلاقات قوية وارتباط قوي مع بلدهم الأصلي و بولائهم للعرش العلوي، ويترددون بصفة منتظمة على بلدهم المغرب سواء لزيارة مسقط رأسهم ومدنهم الأصلية و إحياء الرحم مع عائلاتهم وكذا للاحتفال ببعض المناسبات الدينية.
يعتبر المكون العبري ، بنص الدستور المغربي، رافدا من روافد الهوية المغربية.
مؤسسة إمارة المؤمنين تضفي رعايتها واهتمامها على جميع المغاربة مهما كانت ديانتهم وأصولهم الإثنية. فاليهود المغاربة ليسوا استثناء. وتتكلف الدولة المغربية، اعتبارا لهذا المعطى، بصيانة دور عبادتهم و مقابرهم كما تم مؤخرا إنشاء متحف كبير بمدينة الصويرة المغربية يعنى بحفظ الذاكرة العبرية و إبراز إسهاماتها في إثراء الثقافة والحضارة المغربية.
لكل هذه الاعتبارات بالإضافة إلى الدور الرائد الذي تلعبه المملكة بحكم ترؤس صاحب الجلالة، نصره الله، للجنة القدس، يبقى المغرب متشبثا و مجندا للدفاع عن القضية الفلسطينية وثوابتها. وفي هذا الصدد نشير أن جلالة الملك محمد السادس ذكر في اتصاله مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمواقف الثابتة للمملكة المغربية من القضية الفلسطينية، وأكد على أن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تبقى هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع.
كما شدد جلالة الملك محمد السادس نصره الله، انطلاقا من دوره بصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص للقدس، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي لمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى، تماشيا مع نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك أمير المؤمنين، وقداسة البابا، خلال الزيارة التاريخية التي قام بها قداسته للرباط في 30 مارس 2019.
كما أن صاحب الجلالة نصره الله، في اتصاله مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، والذي أطلعه فيه على فحوى محادثات جلالته مع الرئيس الأمريكي، ذكر بمواقف المملكة السالفة الذكر و شدد على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.
نستخلص من هذا كله أنه ليست هناك أية مقايضة بين الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحراءه و استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ذلك أن محورية القضية الفلسطينية و القدس الشريف بالنسبة للمغاربة قاطبة ملكا وحكومة وشعبا ليست موضوعا للمزايدة على المغرب. فالجميع يدرك أن المملكة المغربية لا تملى عليها المواقف و قد برهنت في عدة محطات على هذا الأمر وعلى أن قراراتها قرارات سيادية لا تقبل المزايدة، سواء تعلق الأمر بقضية الوحدة الترابية أو بالقضية الفلسطينية.
الأخبار: تبادل الزيارات المعلن عنه بين الملك محمد السادس والرئيس محمد ولد الغزواني، يوصف بأنه حدث تاريخي، خصوصا وأنه الأول من نوعه منذ فترة طويلة... هل تحدد توقيت هذه الزيارة وجدول أعمالها؟ وما الذي يرتقب منها؟
السفير المغربي: بخصوص سؤالكم، فكما تعلمون خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه صاحب الجلالة الملك محمد السادس مع أخيه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أكد قائدا البلدين عن ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين كما عبرا عن رغبتهما الكبيرة في تعزيز هذه العلاقات والرقي بها، بما يسمح بتعميق التعاون الثنائي وتوسيع آفاقه وتنويع مجالاته. هذا التوصيف الذي أعطاه قائدا البلدين وكذا خارطة الطريق التي سطراها لمستقبل هذه العلاقات، وخاصة مشروع تبادل الزيارات بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وأخيه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يبشر بآفاق واعدة للشراكة بين البلدين ستكون لا محالة في مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين إذا استحضرنا التحديات المشتركة التي تواجهها المنطقة.
و يكتسي هذا الحدث أهمية خاصة يتوج لمسار الدينامية التي عرفتها العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية خلال السنتين الأخيرتين، اما بالنسبة لتوقيت الزيارة، فسيتم تحديده في حينه عبر القنوات الدبلوماسية.
الأخبار: كيف تصفون مستوى العلاقات الثنائية بين موريتانيا والمغرب حاليا؟
السفير المغربي: العلاقات الثنائية بين البلدين ممتازة وتشهد تطورا متسارعا ودينامية غير مسبوقة خلال السنتين الأخيرتين، كما يتبين ذلك من خلال الوتيرة المتزايدة لتبادل الزيارات بين الوزراء والمسؤولين السامين بالبلدين في عدة قطاعات متنوعة، مما أعطى دفعة جديدة وحقيقية للعلاقات الثنائية، وقد تم تسجيل أكثر من 42 زيارة رسمية متبادلة بين الطرفين، خلال هذه الفترة، رغم تداعيات جائحة كورونا التي أثرت بشكل ملحوظ على النشاط الدبلوماسي الثنائي و الاقليمي والدولي على حد السواء.
من المحطات الهامة في مسلسل تبادل الزيارات، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قيام رئيس حكومة المملكة المغربية، السيد سعد الدين العثماني بزيارة موريتانيا لمرتين: الأولى بمناسبة مشاركته في مؤتمر المانحين لمجموعة الخمسة لدول الساحل، الذي نظم بنواكشوط أواخر ديسمبر 2018، والثانية، بمناسبة حفل تنصيب فخامة الرئيس، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في مطلع غشت 2019. ولا تفوتني المناسبة أن أذكر بأن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، كان أول المهنئين لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مباشرة بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.
كما نذكر بزيارتي السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، لموريتانيا، الأولى مطلع شهر نونبر 2018، حاملا رسالة ملكية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والثانية في18 فبراير 2020 والتي حضي خلالها باستقبال من طرف السيد فخامة رئيس الجمهورية والسيد الوزير الأول.
وفي السياق ذاته، نذكر بزيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الموريتاني، السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد لبلادنا، لمرتين: الأولى في شتنبر 2018، غداة تعيينه، والتي تميزت باستقباله من طرف السيد رئيس الحكومة والسيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون والسادة رؤساء مجلسي النواب والمستشارين بالإضافة لرئيس الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب، والثانية خلال مشاركته في قمة الشباب والطلبة الأفارقة في ديسمبر 2019. و ينعكس المستوى المتميز للعلاقات الثنائية على مستوى التشاور بين البلدين في القضايا الإقليمية والقارية و تطابق وجهات النظر في تلك القضايا ذات الاهتمام المشترك. هذا دون إغفال الدعم المتبادل في مجال الترشيح للمناصب والانتدابات في المنظمات الدولية و الإقليمية.
كما تعززت هذه العلاقات على المستوى البرلماني بالإعلان، منتصف أكتوبر الماضي، عن إنشاء مجموعة الصداقة البرلمانية الموريتانية المغربية بالجمعية الوطنية الموريتانية التي تضم نائبات ونواب يمثلون جميع الأطياف السياسية. و ستساهم هذه المجموعة، بكل تأكيد، مع نظيرتها في البرلمان المغربي على تعزيز التعاون والتنسيق بين الهيئات التشريعية في البلدين.
على الصعيد الأمني والعسكري، تعززت العلاقات المغربية الموريتانية، خلال السنتين الأخيرتين، بزيارة لوفد موريتاني رفيع المستوى برئاسة الجنرال محمد ولد مكت، المدير العام للأمن الوطني آنذاك إلى الرباط، أواخر شهر يناير 2020، حيث تم استقباله من طرف وزير الشؤون الخارجية، السيد ناصر بوريطة، و تباحث مع نظيره المغربي، السيد عبد اللطيف الحموشي، مسألة وضع تصور للتعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكذا تبادل الخبرات والتجارب والاستفادة من التجربة المغربية في مجال تكوين الأطر الأمنية.
كما نذكر ، في هذا الصدد، بانعقاد اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة المغربية الموريتانية، بالرباط، متم شهر يناير 2020. حيث انتقل وفد موريتاني هام برئاسة قائد الأركان العامة للقوات المسلحة الموريتانية آنذاك، الجنرال محمد الشيخ ولد محمد الأمين، إلى الرباط، و تباحث خلالها مع الجهات المغربية المختصة سبل تعزيز العلاقات المغربية الموريتانية في مجال التعاون العسكري بشكل أكبر وبنفس روح الصداقة والتفاهم المتبادل والثقة المشتركة وكذا تبادل التجارب والخبرات لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة.
وقد مكنت زيارتي الوفدين الأمني والعسكري من إضفاء دينامية جديدة للتعاون في قطاعات تكتسي أهمية بالغة إذا استحضرنا الوضع الإقليمي ودور موريتانيا الرائد على مستوى مجموعة دول الساحل الخمس.
نسجل كذلك و في إطار التعاون الثنائي الاقتصادي تنظيم "المنتدى الاقتصادي الموريتاني المغربي" في نواكشوط و نواذيبو، نهاية دجنبر 2018، مع تسجيل مشاركة أزيد من 100 مقاولة مغربية. وقد مكن هذا المنتدى من إعطاء روح جديدة للتعاون في مجال الاستثمار والتبادل التجاري ومكنت رجال الأعمال المغاربة من الوقوف على التطورات الأخيرة والانجازات الموريتانية في مجال تشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وكذلك على انتظارات موريتانيا في مجال التنمية الاقتصادية.
كما نسجل كذلك الدعم والتضامن الذي عبر عنه المغرب في أوج أزمة كوفيد-19 عبر إرسال طائرتين محملتين بأدوية ومستلزمات طبية ومعدات للوقاية من الفيروس، تضمنت نصف مليون كمامة طبية و 60000 نظارة واقية و 2000 لتر من المعقمات الكحولية و كميات هامة من الأدوية المعتمدة في البرتوكولات العلاجية...و غيرها من المواد.
الأخبار: بلغة الأرقام ماهو حجم التبادل التجاري بين المغرب وموريتانيا؟
السفير المغربي: بلغة الأرقام: المغرب يعتبر أول مورد أفريقي للسوق الموريتانية بنسبة تفوق %50 . بلغة الأرقام دائما، تستورد موريتانيا من المغرب ما يقارب 660 ألف طن سنويا من مختلف السلع. وعكس ما هو متداول من طرف بعض الجهات، فإن الخضر والفواكه لا تشكل إلا نسبة % 13 من مجموع صادرات المغرب نحو موريتانيا وحتى إذا أضفنا المواد الفلاحية المصنعة أو المعلبة، فإن المنتجات الفلاحية لا تتعدى ثلث الصادرات المغربية. وتبقى المنتجات ذات الطابع الصناعي هي التي تحتل الصدارة وتضم مستلزمات التلفيف والكرتون، منتجات بلاستيكية، مولدات ومستلزمات كهربائية، أدوية ومعدات طبية، بالإضافة إلى المواد والمدخلات الضرورية للقطاعين الصناعي والفلاحي كقطع الغيار والزيوت الصناعية والأ سمدة والمواد الكيماوية. خلاصة القول أن الفواكه والخضر، رغم أهميتها في تموين السوق الموريتانية، تأتي في المرتبة الأخيرة وهذا يصحح فكرة مغلوطة عند الكثير من المتتبعين.
بالنسبة لصادرات موريتانيا إلى المغرب، فتتمثل في الملابس والصناعة التقليدية والأسماك والرخويات ، وتتمتع المنتجات الموريتانية بسمعة جيدة من حيث الجودة. ولذا أصبح من الضروري مواكبة هذا التبادل التجاري وتشجيعه بابرام اتفاقيات ثنائية محفزة في ميادين النقل الطرقي والتعرفة الجمركية وتسهيل التسويق في كلا البلدين.
كما أود بهذه المناسبة أن أذكر أن النسبة الكبيرة من المبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا تمر عبر معبر الكركرات من الجهة المغربية والنقطة الكيلو مترية55 PK، من الجانب الموريتاني، وهذه الحركية التجارية بين البلدين تعتبر مصدرا هاما للمداخيل الجمركية بالنسبة لهما.
كما لا يفوتني هنا أن أشير إلى أنه رغم إغلاق الحدود بين الدول بسبب جائحة كوفيد 19 ، فقد حرص كل من المغرب وموريتانيا على إبقاء المعبر البري الكركرات مفتوحا لضمان انسيابية الحركة التجارية و استقرار تموين السوق الموريتاني بجميع المواد بما فيها المواد الغذائية. بلغة الأرقام، فبالرغم من جائحة الفيروس ''كوفيد 19'' والظرفية الصعبة، فان الشاحنات المغربية المحملة بمختلف السلع لم تتوان ولم تتوقف عن عملية تموين السوق الموريتاني، حيث تدخل عبر معبر الكركرات/ Pk55 مابين 50 إلى 70 شاحنة مغربية يوميا، بحمولة تقدر ما بين 1500 و 2000 طن .
إلى جانب التبادل التجاري، تجدر الإشارة إلى أن المغرب يعتبر أول مستثمر في موريتانيا على الصعيد الأفريقي، حيث تنشط الشركات المغربية في جميع القطاعات منها الاتصالات والأبناك وتوزيع الغاز المنزلي وصناعة الاسمنت ومواد البناء، وكذلك تحويل المنتجات السمكية وغيرها من الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة في مجال الخدمات. إلا أنه، وكما أقول دائما، يجب أن نكون طموحين أكثر للرفع ومضاعفة حجم التبادلات التجارية والاستثمارات، خصوصا وأن المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية يتوفران على مؤهلات جد ضخمة وتكامل اقتصادي واعد.
وأريد أن أطمئن المهتمين أنه هناك عمل جدي في هذا الاتجاه. وأعني بهذا أننا اليوم أمام فرصة لتفعيل المشاريع وإعطاء محتوى ملموس للإرادة السياسية المعبر عنها على مستوى قيادتي البلدين، وذلك من خلال تنزيلها على أرض الواقع و هو الأمر الذي أعتبره في متناول البلدين إذا استحضرنا مثلا التجربة المغربية في النهوض بالقطاعات المنتجة والمصدرة بفضل الاستراتيجيات القطاعية ( المغرب الأخضر في الميدان الزراعي، مخطط أليوتيس في مجال الصيد وتثمين منتجاته، مخطط التنمية السياحية، مخطط التسريع الصناعي...إلخ)، وإذا استحضرنا برنامج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني المسمى "تعهداتي" نستشف أن هناك تجانس في الرؤى وتناغم في التوجهات الكبرى.
فمثلا قطاع الفلاحة في موريتانيا(بشقيه الزراعي والتنمية الحيوانية)، يتوفر على إمكانيات هائلة بحكم توفر البلد على أراض خصبة، رصيد هام من الثروة المائية في حوض نهر السنغال و ظروف مناخية مواتية لبعض الزراعات، هذا في الوقت الذي يتوفر فيه المغرب على تجربة وخبرة كبيرتين وكافيتين لمواكبة القطاع و المملكة مستعدة لوضع هذه التجربة رهن إشارة الأشقاء الموريتانيين، في إطار شراكات رابح-رابح . وفي نظري فإن هذا التعاون في المجال الزراعي وتثمين المنتجات الحيوانية، سيمكن موريتانيا ليس فقط من ضمان تموين السوق الداخلي بل ستتحول إلى بلد مصدر، خصوصا إلى دول الجوار.
الأخبار : ماذا عن العلاقات الثقافية والتبادل الثقافي بين البلدين؟
السفير المغربي: كما تعلمون، تولي المملكة أهمية خاصة للتعاون الثقافي والبحث العلمي والتبادل الطلابي مع موريتانيا، حيث يتجاوز عدد الطلاب الموريتانيين الذين يتابعون سنويا دراساتهم بمختلف الجامعات والمعاهد المغربية حوالي 1000 طالب. ويبلغ عدد المنح المخولة للطلاب الموريتانيين سنويا من خلال الوكالة المغربية للتعاون الدولي ما يربو عن 300 منحة دراسية /مقعد بيداغوجي،في جميع التخصصات. وتجدر الإشارة أن مجهودات المملكة مستمرة ومتواصلة وبوتيرة متزايدة كل سنة. هذه المحطة تستحق التوقف إذ أن ملف الطلبة الموريتانيين في المغرب يحظى بأهمية خاصة ولم تطرأ أي تغييرات على حجم و وتيرة التعاون حتى في الأوقات التي عرفت فيها العلاقات الثنائية بعض الفتور. فالوكالة المغربية للتعاون الدولي أنشأت أصلا للتكفل بهذا الملف و تعرفها شرائح عريضة من النخبة الموريتانية تحت اسم الوكالة المغربية الموريتانية للتعاون (الأمامكو); و في تقديري، فإن النخب الموريتانية التي تلقت تكوينها العالي في المغرب والتي تشغل مناصب هامة في القطاعين العام والخاص، تعتبر بمثابة جسر وآصرة لتوطيد واستدامة العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات. ولا يفوتني بهذه المناسبة التنويه بجمعية الأطر الموريتانية خريجي الجامعات والمعاهد المغربية التي تعمل على إبراز دور هذه النخبة في ترسيخ أواصر التعاون والأخوة و الصداقة بين البلدين الشقيقين.
اهتمامنا بالجانب الثقافي والعلمي في علاقاتنا الثنائية ينبع و ينطلق من قناعة مفادها أن المشترك الثقافي هو ثروة وكنز يجب الاهتمام به على الوجه الأمثل لتحصين العلاقات الثنائية وإعطاءها زخما ونفسا متجددين. فالسياسي قد يخضع لبعض المتغيرات ولكن الثقافي يبقى راسخا وثابتا. ذلك أن العلاقات المغربية الموريتانية تحددها روابط ثقافية واجتماعية وروحية عميقة الجذور. هذا التراث الثقافي غير المادي هو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه العلاقات بين البلدين الشقيقين.
فكما لاحظتم ولاحظ الجميع الوقع الكبير و المتابعة الاستثنائية التي واكبت مشاركة المغرب المتميزة، كضيف شرف، في مهرجان المدن القديمة بشنقيط، في نوفمبر 2019 ، وقبله مشاركة موريتانيا المتميزة كضيف شرف كذلك في "موسم طانطان"، في يونيو 2019، التي شكلت محطات هامة في التقارب الثقافي والعلمي والروحي بين البلدين. نفس الانطباع ينطبق أيضا على المشاركة الموريتانية المتميزة، كضيف شرف في المعرض الدولي للنشر والكتاب، الذي أقيم بالدار البيضاء، شهر فبراير 2020، والذي افتتحت فعالياته صاحبة السمو الملكي الأميرة لالة حسناء،كما تابع الجميع باهتمام بالغ فعاليات'' أسبوع المغرب" الذي نظمته هذه السفارة ، بنواكشوط، أواسط ديسمبر 2019، بتعاون مع وزارة التجارة والسياحة الموريتانية والغرفة التجارية لنواكشوط و اتحاد أرباب العمل الموريتانيين والذي افتتحت فعالياته بحضور ثلاث وزراء من الحكومة الموريتانية.
كما أود هنا أن أركز على الدور الإشعاعي والثقافي الذي يلعبه المركز الثقافي المغربي في نواكشوط كفضاء للشباب وللمثقفين. حيث تظافرت الجهود، على أن نجعل من هذا المركز عنوانا ومعلمة ثقافية بارزة في العاصمة الموريتانية. الهدف هنا هو المساهمة في إغناء وجودة العرض الثقافي بالعاصمة. فالمركز يوفر مكتبة غنية، وفضاءات للتكوين والتعليم في مجالات عدة: اللغات، الفنون التشكيلية، الخط العربي، كما تم خلق نواة لمعهد موسيقى بداخل المركز لتدريس الموسيقى بجميع أنواعها. ويسهر المركز كل شهر على وضع برنامج حافل من الأنشطة يشمل ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وفنية وغيرها، تنشطها نخبة من المثقفين والجامعيين الموريتانيين و بتنسيق مستمر مع الجهات الوصية على الشأن الثقافي بموريتانيا. كما دأب المركز على إيلاء أهمية خاصة للمشترك الثقافي بين البلدين، و أدعو بالمناسبة ساكنة نواكشوط إلى تملك واحتضان هذا المركز وجعله وفضاء لمثقفيها ولشبابها.
أما بالنسبة للجانب الروحي، وانطلاقا من الرصيد المشترك في هذا المجال، حرص المغرب دائما على مد الجسور بين المؤسسات الدينية وتوطيد العلاقات الروحية مع القطر الموريتاني الشقيق من خلال التعاون الوثيق بين وزارتي الشؤون الإسلامية بالبلدين و كذلك من خلال عمل السادة العلماء والشيوخ الأجلاء المعترف لهم بقامتهم العلمية ومساهمتهم االكبيرة في الحفاظ على قيمنا الدينية والروحية ومواجهة الغلو والتطرف. وأغتنم هذه الفرصة لأوجه لهم تحية إجلال وتقدير على العمل الدؤوب الذي يقومون به في سبيل استتباب الأمن الروحي باستماتة وإخلاص. ولا يفوتني هنا أن أسجل بارتياح كبير افتتاح المقر الجديد لجامعة شنقيط العصرية والتي باتت تتوفر على مرافق وتجهيزات أكاديمية ومكتبة مرجعية يجعلها في مصاف الجامعات الكبرى مما سيساهم لا محالة في النهوض بالاشعاع العلمي والثقافي والمعرفي لتلك المؤسسة التي يمكن اعتبارها امتدادا حديثا لمؤسسة المحضرة الواسعة الانتشار في موريتانيا.
ولا يفوتني هنا توجيه عبارات الشكر والامتنان لأعضاء فرع موريتانيا لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الذي يراسه العلامة الجليل المختار ولد اباه ، والإشادة بالعمل الجبار الذي يقومون به في سبيل تعزيز عرى الإسلام الوسطي والمعتدل
الأخبار: شهدت العلاقات بين البلدين فتورا باديا خلال فترة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، هل استعادت العلاقات الآن عافيتها وعادت لسابق عهدها؟ وما أسباب ذلك الفتور؟
السفير المغربي: صحيح أنه كان هناك بعض الفتور خلال العهدة الثانية من الفترة المشار إليها في سؤالكم و الناتج عن تباين في قراءة العلاقات الثنائية و لكن لم يتطور ولم يأخذ أبعادا أخرى. فلا التبادلات التجارية تأثرت ولا الاستثمارات تقلصت ولا عدد الطلبة المتابعين لدراستهم في المملكة سجل انخفاضا ولا عدد الموريتانيين المترددين على المغرب لأغراض سياحية أو استشفائية أو عائلية تقلص، إذ حافظ المغرب على مكانته كوجهة مفضلة لدى الموريتانيين انطلاقا من واقع لا نقاش فيه هو أن الموريتاني لا يحس بالغربة في وطنه الثاني والعكس صحيح بالنسبة للمواطنين المغاربة المقيمين بموريتانيا.
وأكيد أن وصول فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى مقاليد الحكم في موريتانيا الشقيقة، أعطى للعلاقات الثنائية دينامية جديدة و لدي قناعة راسخة أن المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، تحت رعاية قائدي البلدين، يتوجهان نحو ترسيخ شراكة فعلية وتضامنية تجعل من البلدين الشقيقين،الذين يشكلان الواجهة الأطلسية للفضاء المغاربي وحلقتي وصل بين الشمال والغرب الأفريقيين، قاطرة للتنمية وفضاء للرخاء والاستقرار.
الأخبار: بعد التدخل العسكري للمغرب في الكركرات، أعلنت جبهة البوليساريو عن تحللها من اتفاقية وقف إطلاق النار وعن استئناف القتال ضد المملكة. هل ترون أن الحرب قد بدأت بينكم وبين البوليساريو؟
السفير المغربي: الجواب على هذه الأسئلة يستدعي التوضيحات التالية:
أولا: يجب التذكير أن من خرق اتفاق إطلاق النارأصلا هي جبهة البوليساريو التي زجت ببعض عناصرها تحت يافطة "مدنيين" في مغامرة غلق المعبر، بعد أن تم نقلهم من تندوف إلىى المنطقة المحادية لمعبر الكركرات ، على مسافة حوالي 2000 كلم، تحت حراسة وتأطير ميليشيات مسلحة تابعة للجبهة. وتجدر الإشارة هنا أن تواجد ميليشيات مسلحة في المنطقة العازلة يعد في حد ذاته خرقا لوقف إطلاق النار إذا استحضرنا مضمون الاتفاقات العسكرية التي وقعتها الأطراف كل على حدة مع الأمم المتحدة، سنة 1991. ولا ننسى في هذا الصدد أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير الذي صدر قبل ما سمي بأزمة غلق الكركرات بشهر، سجل 53 حالة خرق لوقف إطلاق النار من جانب البوليساريو خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2019 إلى نهاية شتنبر 2020. كما سبق لمجلس الأمن أن أعرب في قراره رقم 2414بتاريخ 27 ابريل 2018، في فقرته السابعة، على قلقه" "لوجود البوليساريو في المنطقة العازلة بالكركرات" ودعا "إلى انسحابها الفوري" . كما دعا الأمين العام للأمم المتحدةو حثت تقاريره المتعددة على ضرورة الحفاظ على الحركة المدنية والتجارية بمعبر الكركرات وعدم عرقلتها والامتناع عن أي نشاط من شأنه تغيير الواقع في المنطقة السالفة الذكر.
ثانيا: فيما يخص تدخل المغرب، فقد أتى بعد ثلاثة أسابيع من ضبط النفس رغم استفزازات العناصر الموالية للبوليساريو لكل من القوات المسلحة الملكية و عناصر البعثة الأممية المينورسو المسؤولة عن مراقبة وقف إطلاق النار بل لم تسلم منهم حتى الطريق المعبدة حيث عمدوا و أصروا على إتلافها. كل هذا موثق وتداولته وسائل الإعلام. وبهذا تكون البوليساريو قد أشهدت العالم بأسره على تصرفاتها الاستفزازية الجديرة بتصرفات قطاع الطرق .
رغم كل هاته الاستفزازات وضبط النفس ، وأمام إصرار عناصر البوليساريو على العبث بمصالح دول الجوار واستخفافها بقرارات مجلس الأمن و تقارير ونداءات الأمين العام للأمم المتحدة والتي نددت أكثر من مرة بتواجد ميليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات و دعواته المتكررة لهم بالانسحاب وعدم عرقلة الحركة المدنية والتجارية، عمد المغرب إلى إرجاع الأمور إلى نصابها بالتدخل بناء على ما تمليه عليه مسؤولياته. وكان هذا التدخل بطريقة سلمية دون نية عدوانية و متناسبا مع حجم تصرفات عناصر البوليساريو ولم تسجل أية إصابة في صفوف العناصر المسخرة لغلق المعبر. فالمغرب أماط الأذى عن الطريق وتلك كما تعلمون شعبة من شعب الإيمان. هذا كل ما في الأمر.
ثالثا: تدخل المغرب سواء من حيث مبدئه أو من حيث طريقته ومنهجيته كان، كما تتبعتم، موضوع إشادة دولية و لاقى تأييدا على المستوى العربي والأفريقي و الأوربي والأمريكي، لما لمسه المنتظم الدولي من شرعية ومصداقية لهذا التدخل. في المقابل لم تحض مغامرة البوليساريو الغير محسوبة العواقب بأي دعم. بالمختصر المفيد، تدخل المملكة المغربية كان لتأمين المعبر بصفة نهائية ولإعادة الحركة المدنية والتجارية لهذا الشريان الحيوي بين أوربا وشمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، وعليه فهو يعد دعما وتكريسا للشرعية الدولية. وأضيف بهذه المناسبة أن البوليساريو بتصرفه المتهور هذا يكون قد جنى على نفسه بنفسه، هذا إذا نظرنا إلى عزلته المتزايدة على الصعيد الدولي والتي تكرس المنحى المتزايد لعدد الدول التي سحبت اعترافها بالكيان الوهمي حيث تقلصت إلى أقل من ثلاثين دولة بعد أن كانت أكثر من ثمانين دولة خلال حقبة الثمانينات. أضف إلى ذلك أنه باستثناء الاتحاد الأفريقي، لم يتم الاعتراف بالكيان الوهمي من طرف أي منظمة أقليمية أو دولية. وحتى على مستوى الاتحاد الأفريقي ، يسجل اليوم أن عدد الدول الأفريقية التي تعترف بهذا الكيان يتهاوى بشكل ملحوظ، حيث لا يتجاوز اليوم ثلث دول القارة. هذا يعني أن 37 من أصل 54 دولة أفريقية لا تعترف بهذا الكيان بل بادر العديد منها، عبر قرارات سيادسة، إلى افتتاح قنصليات عامة وقنصليات بمدينتي الداخلو العيون المغربيتين. وكتتويج لهذا الاختراق الدبلوماسي الذي حققه المغرب، يأتي اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحراءه ،بدلالته المختلفة التي تحدثت عنها في بداية هذا اللقاء. وهو قرار كما أسلفت سيساهم في التسريع بالطي النهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
رابعا: بخصوص الشق الثاني من سؤالكم المتعلق ب"الحرب" بين مزدوجتين. حيث لو كانت هناك حرب كما يزعم البوليساريو لتناولتها وسائل الإعلام الدولية باسهاب كبير مشفوعة بالصور والتقارير. فالعالم أصبح قرية صغيرة وتطور وسائل الإعلام والاتصال لا يدع مجالا للكذب وإخفاء الحقائق. الآلة الدعائية للبوليساريو لم تفلح ، رغم استغلالها لأرشيفات الصور والفيديوهات المفبركة والمنقولة عن نزاعات أخرى، في تسويق "حربها" التي لا توجد إلا على صفحات بعض المواقع الاجتماعية. مناوشات البوليساريو التي لا تعدو أن تكون رقصة الديك المذبوح لا يوليها المغرب أي اهتمام، إذ عبرت المملكة المغربية عن تشبثها بوقف إطلاق النار مع احتفاظها بحق الرد بشدة على أي عدوان يستهدف أراضيها.
خامسا: قبل إنهاء الحديث حول هذا الموضوع، أود تصحيح بعض المغالطات حول ما يصطلح عليه ب"المنطقة العازلة". فهذه أراض مغربية سلمها المغرب للأمم المتحدة عشية دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بعد أن تم إخلاءها من أي تواجد لمليشيات البوليساريو، وقد وجه الملك الحسن الثاني رحمه الله في صيف 1991 رسالة في هذا الشأن للأمين العام للأمم المتحدة يحمل فيها الأمم المتحدة مسؤولية الحفاظ على هذه المنطقة العازلة خالية من أي تواجد أجنبي. كما وجب التذكير، في هذا الصدد أن المغرب، و بعد بناءه للجدار الأمني ما بين 1981 و 1987، ترك مسافة بين منظومة دفاعه (الجدار الأمني) وبين الحدود الجزائرية والموريتانية تفاديا لأي مشاكل قد تنتج عن ممارسته لحق ملاحقة ميليشيات البوليساريو أو أي عناصر مسلحة أخرى خارج حدود التراب المغربي.كما أن ما تسميه الدعاية الانفصالية مناطق محررة ادعاء مجانب للصواب. فمتى حررت البوليساريو هذه المناطق علما أنه لم تكن هناك أي حرب منذ وقف إطلاق النار سنة 1991 ؟.
الأخبار: يرى بعض المراقبين أن المغرب اهتم ببناء الحجارة على حساب بناء الإنسان في مدن الصحراء... ما تعليقكم؟
السفير المغربي: سؤالكم يوحي بأن الدولة، أي دولة، عليها أن تختار بين بناء الحجارة أو الاستثمار في الإنسان بينما الأمور هي متلازمة ومترابطة، فالاستثمار في البنيات التحتية مثلا هو استثمار في الإنسان وبامتياز. ولكن أود أن أشكرك على هذا السؤال لأنه سيتيح لي الفرصة لتنوير الرأي العام الموريتاني حول ما أنجز في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية منذ استرجاعها إلى حوزة الوطن. وفي هذا الصدد، سأورد باقتضاب بعض المؤشرات والأرقام المعبرة، وخاصة مؤشرات التنمية البشرية:
بخصوص المؤشرات الخاصة بالولوج إلى الخدمات الأساسية، كالماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل والصلب، فإن الجهات الجنوبية للمملكة تسجل معدلات جد مرتفعة : % 93.8 بالنسبة للربط الكهربائي و% 93.7 بالنسبة للماء الشروب.
يبلغ طول الشبكة الطرقية بالجهات الجنوبية 9300 كلم حسب إحصائيات 2018 مع العلم أن طول الشبكة الطرقية أثناء جلاء الاستعمار الاسباني لم يكن يتعدى 350 كلم، جلها كانت في حالة مزرية.
الأقاليم الجنوبية للمملكة تعرف معدل التمدن الأكبر على الصعيد الوطني بنسبة تفوق% 74( المعدل الوطني هو% 60)، هذا مع العلم أن النسيج الحضري الموجود في تلك الأقاليم مع جلاء الاستعمار الاسباني كان شبه منعدم. وتبلغ نسبة الساكنة الحضرية التي تمتلك سكنها نسبة% 92.
قبل سنة 1975 كانت الأقاليم الجنوبية تعاني شحا في أبسط التجهيزات الطبية وحاليا تتوفر على مستشفى جامعي و4 مستشفيات إقليمية و3 مستشفيات جهوية والعديد من المراكز الصحية والمستوصفات.
تسجل جهة العيون معدل نمو سنوي الأكبر على الصعيد الوطني، حيث سجلت معدل نمو% 12.5 ما بين 2001 و 2017 ، بينما نجد أن متوسط معدل النمو لنفس الفترة على الصعيد الوطني كان في حدود%3.6.
جهتي لعيون_الساقية الحمراء والداخلة-واد الذهب تسجلان أقل معدلات الفقر في المغرب، إذ تسجل جهة العيون معدل% 2.2 وجهة الداخلة %0.4 أما المعدل الوطني هو %8.9. هذه المعدلات المنخفضة سجلت بفعل مجهودات الدولة سواء بالدعم المادي المباشر للعائلات أو عن طريق برامج ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي مولت منذ انطلاقها سنة 2005، أكثر من 2800 مشروع أي ما يناهز% 10من مجموع مشاريع المبادرة على الصعيد الوطني.
بخصوص التكوين المهني، تتوفر الجهات الجنوبية للملكة على أكبر عدد المراكز والمعاهد إذا استحضرنا عدد السكان ، حيث توجد، حسب الإحصائيات المتوفرة، 24 مؤسسة في العيون و 8 في الداخلة.
كما يبلغ عدد المكتبات العمومية في الجهات الجنوبية 33 مكتبة عمومية ، حسب أخر الإحصائيات المتوفرة.
تتوفر الأقاليم الجنوبية على خمسة مطارات بمواصفات حديثة و خمسة موانئ مجهزة بوسائل وتقنيات متطورة.
رغم كل هذه الانجازات التي مكنت الأقاليم الجنوبية من تصدر مؤشرات التنمية البشرية، سنت السلطات العمومية نموذجا تنمويا جديدا للأقاليم الجنوبية للمملكة و الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، في نونبر 2015، بالعيون. هذا النموذج الطموح ترجم إلى حزمة من المشاريع المهيكلة وخصص له غلاف مالي يقدر ب 77 مليار درهم ( نحو 8.5 مليار دولار).
من بين المشاريع المبرمجة في إطار هذا البرنامج والتي قطعت أشواطا مهمة في إنجازها نذكر:
- مشروع الطريق السريع بين تزنيت والداخلة بتكلفة مالية قدرها 8.5 مليار درهم،
- المشروع الصناعي فوسبوكراع بتكلفة مالية 16.8 مليار درهم،
- مشروع الطاقات المتجددة الريحية و الشمسية بتكلفة مالية قدرها 8.8 مليار درهم،
- ميناء الأطلسي-الداخلة، بتكلفة 6 مليار درهم،
- بناء محطة لتحلية مياه البحر وإنشاء مدار فلاحي سقوي بمساحة 5000 هكتار بتكلفة مالية تقدر ب 1.7 مليار درهم،
- بناء سد فاسك بكلميم (1.5 مليار درهم) وسد الساقية الحمراء (338 مليون درهم)
- بناء مستشفى جامعي بالعيون بتكلفة مالية قدرها 1.2 مليار درهم. بالإضافة إلى مشاريع تأهيل المستشفيات الإقليمية والجهوية وبناء مراكز لتصفية الكلي.
- مدينة صناعية تيكنوبول بفم الواد بالعيون بتكلفة إجمالية 2.1 مليار درهم.
- ربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية بتكلفة إجمالية تبلغ 2.4 مليار درهم.
الجدير بالذكر أن المجهود التنموي المبذول على مستوى الأقاليم الجنوبية يتوخى أن يجعل منها أقطابا تنموية منفتحة على العالم، وخصوصا على الجمهورية الاسلامية الموريتانية الشقيقة وأفريقيا جنوب الصحراء. و لترجمة هذا الانفتاح بصفة ملموسة تأتي أهمية افتتاح القنصليات من طرف العديد من الدول الأفريقية والعربية في مدينتي الداخلة والعيون، وذلك بغض النظر عن دلالته السياسية والدبلوماسية، باعتبارها قرارات سيادية لدول قررت فتح تمثيليات لها في عاصمتي الجهات الجنوبية للمملكة تأكيدا وتعبيرا على مغربية الصحراء و دعمها للوحدة الترابية للمغرب. وانضافت اليوم قنصلية الولايات المتحدة الأمريكية في الداخلة التي صاحب الإعلان عن افتتاحها الإعلان عن حزمة من المشاريع و الاستثمارات الأمريكية المهمة في هذه ا أقاليم الجنوبية للمملكة.
لا نغفل هنا التأكيد على أن الساكنة الصحراوية هي من تسهر على تدبير الشأن العام سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الجهوي، عبر هيئات منتخبة بشكل ديمقراطي. إذ تسجل الأقاليم الجنوبية أعلى نسب المشاركة في الانتخابات سواء المحلية أو الجهوية أو الوطنية (التشريعية) وجميع الأحزاب المغربية ممثلة في الأقاليم الجنوبية كما أن الأطر والمنتخبون المنحدرون من الأقاليم الجنوبية يشغلون مناصب قيادية في هاته الأحزاب. بالإضافة إلى هذا نسجل أن الأقاليم الجنوبية تشهد كثافة منقطعة النظير من حيث النسيج الجمعوي و المبادرات المدنية، مما يؤشر على درجة الوعي السياسي ومدى انخراط الساكنة والنخبة المحلية في مسلسل البناء الديمقراطي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي و الوطني.
ويستخلص من هذه المعطيات كلها أن تنمية العنصر البشري يبقى على رأس أولويات السياسات العمومية في المغرب و تعتبر المؤشرات السالفة الذكر المشفوعة بالأرقام التي تم تسجيلها على مستوى الأقاليم الجنوبية، خير دليل على هذا الاهتمام.