أولى قواعد حفظ النظام والحكم الراشد هي التوقع والترقب والتدبر والتحرك الوقائي والاستباقي وقد لا يكون آخرها العلاج حتى ولو كان بالكي.
من يتتبع أحداث الشغب الأخيرة التي شهدتها مقاطعات انواكشوط الجنوبية أيام 1 و 2 مايو 2017 يدرك أن الحكومة والداخلية على وجه التحديد غابتا ولدغتا من نفس الجحر الذي لدغتا منه أثناء إخلاء "كزرت بوعماتو".
فالحكومة في الأولى كما في الثانية لم تتوقع أعمال الشغب رغم "عيونها المفتوحة" و"آذانها المشرعة" و"صناديقها السوداء"، كانت الداخلية في حال بيات روتيني مهني وكان وزيرها في طريق العودة من رحلة غير مبررة قام بها صحبة الوزير الأول لمشيخة في بلد مجاور.
ووزارة النقل لم تتوقع هي الأخرى ما حصل لسوء تقدير وكان بإمكانها لو توقعت أن تؤجل الشروع للمرة الخامسة في التنفيذ لبداية العطلة الصيفية ولمرحلة ما بعد الاستفتاء.. ولو كانت الداخلية هي الأخرى توقعت لكانت قامت بعمل وقائي استباقي يصون الأرواح ويحمى الممتلكات.
الوزارتان أخفقتا في التوقع ويخشى أن تخفقا في تقييم ما جرى وفي استشراف الآتي.
وبالنسبة للداخلية كان الإخفاق مركبا فهي لم تتوقع وأُخذت على حين غفلة كعادتها وحين اندلعت الأحداث في المناطق الجنوبية لم تكن لديها خطة جاهزة للتدخل ولم تكن لديها وسائل كافية مما أدى إلى استشراء الفوضى والسلب والنهب على مدى يومين كاملين بلياليهما، فما حشد في اليوم الثالث كان الأولى والأنجع أن يعبأ لليوم الأول كي لا يكون هنالك يوم ثان ولا ثالث.
لقد أظهرت الأحداث الأخيرة هشاشة أمنية بالغة الخطورة على مستوى المناطق الجنوبية، فأمام عشرات التظاهرات وعشرات مجموعات الحرق والنهب التي انتشرت هنا وهناك لم يكن هنالك في اليوم الأول إلا سيارات شرطة متهالكة تعد على أصابع اليد الواحدة ولم تكن أعداد الأفراد الأمنيين تتناسب مع حجم الانفلات الأمني، ولم تقيم الأوضاع بصورة آنية على مستوى القيادة والتحكم ليعبأ احتياطي الحرس والدرك الذي يبدو أنه بات المعول عليه في مثل هذه الأزمات.
على مدى يومين حدثت أشياء في منتهى الخطورة شابتها عنصرية وشابها استهداف ممنهج لفئات دون أخرى ولولا جنوح المستهدفين للمسالمة وتعويلهم على الدولة لكانت حدثت انفلاتات لا تحمد عقباها.
اليوم وبعد انقشاع غبار الأزمة إلى حين يتعين على الدولة أن تقيم الأوضاع وتجرى المراجعات وتعاقب من يستحق العقوبة وتردع بصورة وقائية وعلاجية من يستحق الردع فلا يمكن أن يتكرر هذا مرة ثالثة.
فأمن البلاد وبقاؤها مرهونان بقرارات حدية لم تعد قابلة للتأجيل ومن يتصور غير هذا واهم ، مغفل وغير مؤهل لتحمل الأمانة.