لا ريب أن من تولى مقاليد أمور- أي بلد - سيكون لديه من الأولويات ما يجعله ينشغل عن بعضها ببعض، وفي تراتب الأولويات تقدير موقف، وتقديم ملح على ضروري، وتوفير خدمة على اتخاذ قرارات، ولا شك أن تراتبية الأولويات تخضع لسلطة تقديرية عند صانع القرار وهو وحده من يمتلكها، فقد يدرك أن السعي في مصالح الناس والتخفيف عنهم في رزقهم وتقريب الخدمات الصحية والتعليمية منهم وتشغيل الشباب عبر فتح آفاق جديدة أكثر استعجالات من النظر في تتبع جديد الساحة السياسية وفتح الباب أمام أي استحقاق سياسي سواء كان حوارا سياسيا أو انتخابات أو غيرهما، غير أن كل تلك المشاغل لا تعني إهمال الملفات المهمة ولا تنتقص من قيمتها، وهذا ما يجعل المتتبع المتبصر للساحة يجد في نفسه إنصافا لصانعي القرار.
لقد عبرت الحكومة عن ضرورة إشراك مختلف الطيف السياسي في عملية البناء الوطني مما جعلها تفتح المجال أمام القوى السياسية لصياغة وثيقة توافقية تشكل المنطلق والأساس لحوار سياسي واجتماعي جامع يحيط بكل القضايا الوطنية عبر تشخيص يشمل مختلف الجوانب، وتقديم مقترحات تشكل الأساس والمنطلق لورشات الحوار المرتقب. فتم ذلك في أجواء تشاورية مريحة لم تقص أي طرف يمتلك إرادة المشاركة في عملية البناء، وله فكرة يمكنه الإسهام بها في بلورة رؤية وطنية جامعة. غير أن فتح الباب مشرعا أمام الحوار الوطني لم يكن الشاغل الأول لفخامة الرئيس الجمهورية بل كانت خدمة المواطن أولى الأولويات وتقريب الخدمات منه في أعلى هرم الواجب الأكثر استعجالا.
إن انشغال فخامة رئيس الجمهورية بما ذكر أعلاه جعل البعض يبتكر اتهامات لقيادة البلد بالعمل على تصفية أو تسوية لملف العشرية الذي تم التحقيق فيه عبر لجنة برلمانية مستقلة أحالت تقريرها إلى العدالة، ولم يراجع مروجو هذا الإفك أنفسهم حتى اللحظة، إذ لا يمكنهم تخيل أن الإرادة السياسية اليوم تدفع باتجاه استقلال القضاء بعيدا عن التغاضي والمقايضة.
إن فخامة رئيس الجمهورية لا يعتبر نفسه معنيا بتسريع هذا الملف ولا بتعطيله ما دامت هناك مؤسسة قضائية تم منحها الاستقلالية التامة للعمل وفق جدول هي وحدها من تحدد مداه. بل إن فخامة رئيس الجمهورية منشغل مع الحكومة بما يخدم المواطن ويبعد المؤسسة التنفيذية عن أي تدخل في سير المؤسستين القضائية التشريعية، ولعل شهادة نواب المعارضة الذين كانوا ضمن لجنة التحقيق البرلمانية أبرز شاهد وخير دليل.
الوقت وقت بناء المؤسسات ذات الاستقلالية الكاملة، والسلطة التنفيذية تركز على ذلك بالتوازي مع إنشاء المشاريع التي تفيد الوطن وتوفر اليد العاملة للشباب العاطلين عن العمل. كما تسهر على تقديم الخدمة في مختلف إدارات الوطن بعيدا عن التغول على سلطات المؤسسات التشريعية أو القضائية. وآن للمغرضين أن يعوا تلك الحقيقة وأن يتعاملوا مع الأحداث على أساسها. فموريتانيا اليوم مختلفة عنها قبل ثلاث سنوات ونرجو أن يفهم البعض تلك الحقيقة ويتفهم هذا الواقع حتى لا يدخل ضمن قائمة المتحاملين أو يدرج نفسه عن غير وعي ضمن لائحة المغرر بهم.