الآن، والآن فقط يمكننا القول إن لنا وطن على هذه الأرض، وإن لنا جمهورية يسود فيها الشعب ويقرر..
الآن أصبحت لنا مؤسسات تأتمر بأمر القانون وإرادة الشعب..
الآن في هذه اللحظة التاريخية التي يعلو فيها القانون على أنانية الفرد المطلقة، ويخضع الجميع لسلطان القانون، ويحكم القانون قبضته على ودج الاستعلاء النرجسي المغرور بما خول من قوة عمومية تم استغلالها عكسا لما وضعت من أجله، يصبح الآن للجمهورية معنى..
الجمهورية هي تطابق سلطان القانون مع إرادة الجمهور، وليس تسخير إمكانيات البلد لنزوات الأفراد. دولة المؤسسات هي قدرة مؤسسات الدولة على إنفاذ القانون على الجميع بغض النظر عن مراكز من يقوم بتنفيذ القانون ومن يكون محلا لتنفيذه.
أي بمعنى أن تعمل كل مؤسسة آليا باستقلالية تامة عن دور الأفراد، وصفاتهم النمطية.
والديمقراطية هي أن تتمتع الأغلبية - التي وصلت للسلطة عن طريق الانتخاب - بحقها في ممارسة السلطة تنفيذا لبرنامجها الانتخابي، وفقا لقواعد القانون.
اليوم بمثول من كانوا بالأمس حاكمين أمام العدالة يتحقق شرط اساسي في دولة القانون لم يتحقق قط قبل اليوم في هذه الجمهورية على هذا المستوى من الرفعة الا وهو مبدأ الحساب والعقاب.
وبنجاح القضاء في ممارسته لصلاحياته في هذه المحاكمة دون تدخل مباشر من أي سلطة أخرى يتحقق شرط آخر من شروط الديمقراطية وهو مبدأ الفصل بين السلطات، وبامتناع السلطة التنفيذية عن محاولة التأثير على السلطة القضائية من أجل حماية بعض المتهمين بسبب روابط شخصية أو مهنية أو من أي صنف كانت، يتحقق العنصر الأساسي لدولة القانون، ألا وهو علوية القانون على الجميع، وبتوفر هذه العناصر مجتمعة نصبح قاب قوسين أو أدنى من دولة المؤسسات التي تعتبر أفضل درجات الديمقراطية، لأن الوطن فيها يصبح ملكا للجميع، ويتساوى الناس في الحقوق والواجبات، ويتم تكريس مفهوم المساواة أمام القانون، وإن كان ذلك لا يعنى المساواة الفعلية التي يستحيل تحقيقها بين البشر نظرا لاختلاف ملكاتهم الفكرية وتفاوت قدراتهم البدنية والمادية... طبقا لمشيئة الله.
أفرأيتم، لماذا أصبح اليوم لدينا وطن؟
ببساطة لأن حقوق المواطنة لا تكتمل بدون تلك الشروط والعناصر، وهو ما يجعلنا كلنا اليوم أمام رهان حاسم.
كل الجمهورية اليوم أمام رهان النجاح في تأسيس وتوطيد دولة القانون والمؤسسات:
- الرئيس ولد الغزواني: أمام رهان الحياد: لأنه مطالب بعدم التدخل لمصلحة أي من المتهمين مهما كانت العلاقة التي تربطه بأي منهم شخصية كانت مهنية أو سياسية حتى يقول القضاء كلمته، بل وحتى بعد حكم القضاء لأن من شأن عفوه الذي يخوله له الدستور أن يخفف من وطأة الردع المطلوب في مثل هذه السابقة الأولى من نوعها في تاريخ البلاد.
- القضاء: مطالب هو الآخر بالصرامة والمصداقية، والرهان عليه أكبر، وامتحانه أعسر، نظرا لطبيعة وتمرس وإمكانيات المتهمين أمامه اليوم.
- أما المواطنون: فهم أمام رهان جعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار آخر.
أو بمعنى آخر، الانسلاخ مطلقا من الاعتبارات القبلية والجهوية والمصلحية أيا كان مصدرها، وتغليب الجانب الوطني، والمصلحة العامة على بقية تلك الاعتبارات الأخرى الضيقة.
إنها حقا فرصة تاريخية واستثنائية لقطع أشواط فاصلة في تقرير مأسسة الدولة والقطيعة مع الماضي الفردي الأناني الضيق الذى ما فتئ يحول بيننا وبين تحقيق الإنجاز المنشود، رغم الجودة النسبية للنصوص.
فهل نرفع التحدي، ونستفيد من غزارة وتنوع التجارب المريرة التي مر بها هذا الشعب المطحون رغم مخزون إمكانياته الهائلة، أو نضيع الفرصة كما دأبنا أبدا منذ مشروع النظام البرلماني لعام 1959، والمشروع الدستوري 1981، وتعديلات 2006، وبرنامج إصلاحات 2007.
إنها لفرصة ذهبية فريدة للاستفادة من تجاربنا المتميزة عن دول الجوار، وتحقيق الريادة في المنطقة لو تعلمون.
وما أرى تكرار شروطها السانحة اليوم - لو فشلنا في ذلك - في المستقبل بمضمون.