إن الحضور للافت للمرأة الموريتانية في الحقل السياسي واستغلال التمثيلية النسبية (الكوتا) خول لها تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات النيابية والبلدية، حيث استطاعت المرأة الموريتانية الانتقال من نسبة 2% سنة 2005 الي نسبة 19% سنة 2015.
ولم تغب المرأة الموريتانية عن التشكيلة الوزارية منذ 18 سنة، حيث وصلت نسبتهن في بعض الحكومات إلي الثلث كما تقلدت اثنتان منهن حقيبة وزارة الخارجية. وفي انتخابات 2018 حصدت المرأة الموريتانية نتائج لا يستهان بها حيث بلغ عدد البرلمانيات 43 برلمانية من أصل 203 وست نساء عمد من أصل 218 من بينهن رئيسة جهة نواكشوط إضافة الي 1317 مستشارة بلدية من أصل 3722 وهو ما يمثل 35,4% وهناك 7 رئيسات أحزاب من بين 98 حزب سياسي.
ويعتبر الكثير من الباحثين أن هذا النجاح علي المستوي السياسي لم يواكبه نجاح علي المستوي الاقتصادي ولا الاجتماعي حيث ظلت المرأة الموريتانية بعيدة عن ولوج سوق العمل وريادة الاعمال وأسلاك الوظيفة العمومية. إن هذا التناقض بين الحضور السياسي الطاغي للمرأة من جهة وضمور حضورها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى يجعل التشكيك في مصداقية هذا التمكين أمرا واردا وبالتالي اعتباره مجرد فقاعة أو بناء سطحي ليس له أساس مكين.
وفي الوقت الذي كان ينتظر البعض أن تتحسن مشاركة المرأة في التنمية فإن المقاربة التي تبنتها الارادة السياسية خلفت وراءها وضعين مختلفين تعيشهما المرأة اليوم هما: أقلية من النساء في المناصب السياسية والسيادية والاقتصادية استحقاقا أو حظوة وقطاع عريض غائب أو مغيب، إضافة إلى اهمال شبه كامل للمرأة الريفية التي تعاني تقود الحياة في الريف في ظروف بالغة الصعوبة.
وأمام هذا التمايز ترى الكثير من النساء أن المرأة ما تزال بحاجة إلى أكثر مما تحقق لها حتى الان وأن المسافة المقطوعة على طريق التمكين الفعلي مازالت قصيرة، الشيء الذي يتطلب اتخاذ تدابير وإجراءات عملية جديدة تطال البعدين القانوني والمؤسسي لتمكين المرأة. في هذا السياق يمكن أن نتساءل عن أهمية ودور انشاء مجلس أعلى للمرأة. هل سيكون رافعة للتمكين أم أنه سيعيد انتاج الكوتا السياسي من جديد؟
إن فكرة إنشاء مجلس أعلي للمرأة الموريتانية مطلب مشروع ولا ينطلق من فراغ حيث تنتظم النساء في العديد من دول الوطن العربي في مثل هذه المجالس ومنها بعض التجارب الناجحة التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- تجربة الإتحاد الوطني لنساء المغرب : أسسه الملك الراحل الحسن الثاني في 6 من مايو1969، وهي منظمة غير حكومية ذات منفعة عامة. وتتحدد مهام الاتحاد فيما يلي:
تمكين المرأة المغربية من تحقيق الاستفادة من قدراتها الثقافية والمالية. حث المرأة المغربية على الاندماج والاستثمار في المجالات الاقتصادية، وذلك من خلال خلق تعاونيات ومقاولات خاصة وغيرها. دعم وضعية المرأة على المستويين الثقافي والمادي.
-تجربة المجلس القومي للمرأة - مصر: تأسس عام 2000 بقرار من رئيس الجمهورية، يتبع هذا المجلس لرئيس الجمهورية وتكون له الشخصية الاعتبارية، ويكون مقره مدينة القاهرة، ويضم 27 عضواً من الذكور والإناث، ومن خصائص هذا المجلس مايلي:
متابعة وتقييم السياسة العامة في مجال المرأة والعمل على تقديم المقترحات والملاحظات للجهات المختصة في هذا الشأن. العمل على عدم تحيز أو تغيير القوانين والقرارات التي تلزم للنهوض بأوضاع المرأة. إنشاء مركز توثيق لجمع المعلومات والبيانات والدراسات والبحوث المتعلقة بالمرأة وإجراء البحوث والدراسات في هذا المجال.
- تجربة المجلس الأعلى للمرأة– البحرين :أنشئ المجلس الأعلى للمرأة في البحرين في 22 من أغسطس 2001، بموجب الأمر الأميري رقم 44 لعام 2001، ويتبع المجلس لملك البلاد، تكون له شخصيته الاعتبارية ويعتبر المجلس المرجع لدى جميع الجهات الرسمية فيما يتعلق بشؤون المرأة. ويكون مقره مدينة الرفاع، ويضم المجلس 16 عضواً من الإناث فقط. ومن اختصاصات المجلس هو إبداء الرأي والبت في الأمور المرتبطة بمركز المرأة بصفة مباشرة أو غير مباشرة. وبناء على ذلك، على كافة الجهات الرسمية أخذ رأي المجلس الأعلى للمرأة قبل اتخاذ أي إجراء أو قرار بذلك.
- تجربة مؤسسة تمكين المرأة اليمنية: هي مؤسسة غير حكومية طوعية "غير ربحية" تأسست في فبراير 2011 في صنعاء، وتقوم المؤسسة على زيادة المشاركة النسوية في الأطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتنموية وفي جميع جوانب المجتمع، كما تقوم بعقد دورات تدريبية وتوعية، وحلقات دراسية ومؤتمرات وورش عمل التي بدورها تعزز تبادل المعلومات بين النساء، والتنسيق مع المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية وحركات حقوق الإنسان. كما تعنى المؤسسة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والمشاركة الاقتصادية والمشاركة السياسية وتعزيزها".
أما النموذج الذي أقترحه لإنشاء مجلس أعلي للمرأة الموريتانية اسوة بتجارب بعض جاراتنا العربيات هو إنشاء مجلس أعلى له الشخصية الاعتبارية يكون مستقلا ماديا وبهكيل تنظيمي وإداري مستقل، يتبع لرئيس الجمهورية وترأسه السيدة الاولي . يحمل هذا المجلس رسالة مفادها "شراكة متكافئة لبناء مجتمع تنافسي مستدام" ويهدف هذا المجلس إلى مايلي:
استقرار الاسرة :إن استمرارية تأمين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للأسرة وتعزيز سلامتها الصحية والنفسية في إطار الترابط العائلي، وتمكين المرأة للاعتماد على ذاتها بما يحقق الأمان والحماية لجميع أفراد الأسرة سينتج عنه مايلي:
1. . تعزيز الترابط العائلي في المجتمع بما يضمن الاستقرار الأسري.
2. حماية المرأة من كافة أشكال العنف الأسري.
3. خفض مشاكل ما بعد الطلاق بما يعزز الاستقرار الأسري.
4. تضمين المفاهيم والقيم الداعمة لدور المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناهج التعليمية والتدريبية لتعزيز الاستقرار الأسري.
5. تمكين المرأة من الاعتماد على ذاتها اقتصادياً مع التركيز على خفض نسبة العاطلات عن العمل.
6. تحقيق مبدأ الاستدامة لعمل المرأة في مجال ريادة الاعمال بما يساهم في تأمين احتياجات الأسرة.
تكافؤ الفرص: وذلك من خلال إدماج احتياجات المرأة، وبناء القناعات الداعمة لترسيخ الممارسات في إطار من العدالة، وتوسيع الخيارات، وتعزيز القدرات في المجتمع، سينتج عنه ما يلي:
1. ضمان مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص من خلال ادماج احتياجات المرأة في برامج التنمية.
2. تحقيق التنافسية في كافة القطاعات والتخصصات والمستويات من خلال تمكين المرأة وتوعية المجتمع بكافة حقوقها وواجباتها.
التعليم مدى الحياة: إن صناعة ممارسات تضمن التطوير الذاتي و المهني والجماعي والمجتمعي والإنساني من خلال جودة واستمرارية التعليم والتعلم ونقل الخبرات والمعرفة للمرأة في كل المراحل العمرية سينتج عنه مايلي:
1. التمكين المعرفي للمرأة بما يعزز قدرتها على معالجة مشاكلها بتطبيق افضل الممارسات.
2. استدامة مشاركة المرأة في برامج التنمية )الاقتصادية و الاجتماعية( من خلال تأسيس آليات نقل وادارة المعرفة.
جودة الحياة: الارتقاء بجوانب حياة المرأة في المجالات الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية بما ينعكس على الاسرة والعيش بأمان وتعزيز أنماط أفضل الممارسات من خلال توفر خيارات للمرأة.سينتج عنه مايلي:
1. تمكين المرأة من التمتع بحياة كريمة وآمنة في جميع مراحلها العمرية.
2. تعزيز السلامة الصحية والنفسية من خلال متطلب تحسين جودة حياة المرأة.
وفي الأخير يمكن القول بأن نجاح مؤسسة مجلس أعلي للمرأة لابد أن تعتمد علي خطة وطنية تعتمد هي الاخري علي دراسات وتقييم ومشاورات لوضع المرأة الموريتانية. كما أنه لابد من تعريف وتفسير كل المفاهيم التي تتعلق بالمرأة من أجل وضع معايير ومؤشرات للقياس وتقييم أهداف خطة العمل وتطبيق المنهجية الموافقة لذلك.
كما أذكر المرأة الموريتانية أنه قبل أن تفكر في الوصول الي ما وصلت إليه المرأة في العالم عليها أن تتصالح مع نفسها وتكون صادقة مع ذاتها فإن من يسلك طريق الانانية لين يصلح ولن يكون صالح للقيادة.
أما التوصيات التي أوصي بها فهي:
1. عدم ارتباط المجلس الأعلى للمرأة بأي تيار سياسي أو حزبي.
2. مشاركة جميع الطوائف النسوية وعدم تقييدها بالقيود القبلية.
3. عدم استخدام المرأة لتشريع البرامج والمجالس والتمويلات ورميها عند وقت قطف الثمار.
4. عدم استغلال المرأة النافذة للمرأة غير المتعلمة وحتى المتعلمة بمستوي معين للصعود علي أكتافهن.
خديجة بنت العون
طالبة دكتوراه في العلوم الاقتصادية
باحثة في وحدة البحث حول الاقتصاد الكلي والنمو والتنمية
جامعة نواكشوط العصرية