الدول تبنى على الكفر ولا تبنى على الظلم، ولا حياة لمن لا حرية له، بالعدل والانصاف واحترام القانون تصنع هيبة الدولة لا بالمحاباة والعمل على تحصيل مكاسب آنية نفعية لا قيمة لها ولا يبقى من ذكرها سوى أنها كانت جزءا لا يتجزأ من عملية تحطيم هيبة الدولة وتوسيع الهوة بينها ككيان معنوي وبين الشخص الطبيعي الذي هو الموطن، الغاية والوسيلة.
فهو الغاية من تنظيم الحياة العامة من خلال الشخص المعنوي المسمى الدولة، وهو الوسيلة لتحقيق مبتغاه في العيش الكريم وحقه في السكينة والطمأنينة والحرية والكرامة والعدل والإنصاف.
لذا فإن أي عمل يقام به باسم الدولة يجب أن ينصب نحو هذه الأسس والمبادئ المذكورة آنفا حفاظا على السلم وعلى الاستقرار وحفاظا كذلك على العقد الاجتماعي الذي يربط بين أفراد المجتمع الواحد والذي من خلاله تجسد وجود الدولة نفسها.
إن الدولة لا شيء ولا توجد ناطقة مستنطقة حاكمة متحكمة ماثلة مشهودة محسوسة، بل الموجود الأسمى والأعظم هو الشعب فإن لم تتجسد إرادته في أفعال أفراده الذين ينتدبون لتحمل عبء العمل تحت يافطة هذا "اللا شيء" فلا قيمة لما يقومون به ولا أهمية لما يتسمون به من صفات ولا عبرة بوجودهم ولا أهمية لما يصدر عنهم من قرارات وأفعال مهما كان نبل مقاصدهم وسلامتها.
الشعب هو كل شيء والتعبير الأسمى عن إرادة الشعب هو الدستور وما انبثق عنه من قوانين ونظم وضوابط ويستمد شرعيته من تلك الإرادة، فلا يعبر الدستور عن غير إرادة الشعب، فلا قيمة للحوزة الترابية ما لم يكن هناك شعب فالذي يحيي الأرض ويعطيها قيمتها الوجودية هو الشعب.
والسلط كلها لا قيمة لها ما لم تجسد إرادة الشعب وتعبر عنها طبقا للدستور والقانون، وإن أفظع وأشنع الأعمال هي تلك التي خرجت عن روح القانون وشرعت خرقه وعدم الامتثال بما نص عليه مهما كان مصدرها ومهما وصل من سمو ورمزية.
فالسلطة التنفيذية (الرئيس وأعوانه المباشرين وغير المباشرين) ليست لها أي قيمة ما لم تكن محترمة للقانون غير مجتهدة خارج إطاره، ساعية في كل لحظة وكل دقيقة وكل ساعة وكل يوم وكل شهر وكل سنة إلى أن ترجع إلى القانون وتمتثل له وتقترح تعديله أو تغييره أو إلغاءه لتحقق أهداف الشعب وتضمن مصالحه.
والسلطة التشريعية لا قيمة لها ما لم تكن حاضرة مراقبة صادقة أمينة مع الشعب ممثلة له كامل التمثيل مؤمنة بأنه هو الغاية والوسيلة أمينة على ما ائتمنها عليه معبرة عن إرادته وضامنة لحقوقه ورافضة لكل نص قانوني لا يتماشى مع ثوابته وثقافته وحقوقه وطموحاته وتطلعاته.
والسلطة القضائية لا قيمة لها، ما لم يتحفظ ممثلوها ويضمنوا العدل بين الناس والقيام بالقسط وأن لا يهابوا وأن لا تخضعوا لأي سلطة أخرى، لا طمعا فيما عندها من مال الشعب وامتيازاته ولا خوفا من بطش أجهزة تلك السلط الأخرى وتعنيفها من خلال مخالفة القانون.
إن السلطة القضائية لا شيء ما لم تضمن العدل والانصاف وتحمي الحقوق وتردع المخالفين للقانون والمعتدين على الأموال والأنفس من خلال القوانين والنصوص الناظمة التي شرعها الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر. وهي أيضا ملزمة بضمان نفاذ كافة المتقاضين إلى حقوقهم، أكانوا في موقع ادعاء أو موقع دفاع. ويعاب على السلطة القضائية الشطط وتعاب عليها المحاباة والسعي إلى تسخير ما تحت يدها من نفوذ لصالح الأقوياء ضد الضعفاء ويعاب عليها أيضا أن تحابي باقي السلط أو تستمع إليهم فيما يخص شأنها، وهي السلطة التي ضمنت كافة النصوص والنظم استقلاليتها ويقف الشعب في وجه المساس منها أو النيل من استقلاليتها عن السلط الأخرى.
إن السلطة القضائية أهم من كل تلك السلط الأخرى، فهي التي تحتكم إليها السلطة التنفيذية وهي المخولة البت في قانونية قراراتها الإدارية التي تتخذها سبيلا إلى القيام بواجبها كسلطة تنفيذية، لذا فإن أخلت تلك السلطة التنفيذية بواجباتها أو تجاوزت حدود صلاحياتها أو خالفت قوانين أو نظم أو منعت حقا ثابتا لمواطن فإن السلطة القضائية بأعلى هيئاتها وأقدسها توقف تنفيذ تلك القرارات وتمنع منعا باتا تنفيذها في إذا ما تأكدت من تجاوزها للقانون ولمهام السلطة التنفيذية، ويبقى فقط واجب المتضرر اللجوء إليها لكي تقوم بذلك.
إن السلطة القضائية غير متروكة على هواها وإن كانت تامة الاستقلال، فنصوصها الناظمة وضوابط عملها في كافة مراحل التقاضي تعطي فرصا عدلية عادلة منصفة للأطراف لضمان حقوقهم وعدم المساس بها من خلال درجات التقاضي التي تسمح بغربلة القضايا وتضمن لكل طرف أن يطعن في كافة الأحكام التي تصدر عن الأجهزة القضائية الابتدائية والاستئنافية مما يسمح بضمان العدل والإنصاف.
فلا سبيل لتجاوز أجهزة السلطة القضائية ولا سبيل إلى استخدامها شططا سلطتها المخولة لها من الشعب مصدر كل السلطات بحسب الميثاق الأسمى والأعلى الدستور.
ولينتبه كل لنفسه حيثما كان فالشعب كل شيء ومن دونه الدولة لا شيء تماما كما قال القائد.