يعتبر ارتباط أداء التلاميذ بأداء مدرسيهم من المسلّمات البيداغوجية في مجال التربية والتعليم، وشائع في المناهج التعليمية الحديثة ضرورة التقويم والتكوين المستمر للمدرس بهدف الرفع من مستوى أدائه في الجانب المعرفي والمهاري بل النفسي والسلوكي أحيانا كل ذلك بصيغة توافقية مرِنة بعيدا عن البيروقراطية الإدارية التي اعتمدتها وزارة التهذيب الوطني والتكوين المهني والإصلاح في تقويمها الأخير للمعلمين، وقد أظهرت أصداء هذا التقويم بعدا سلبيا من انعدام الجدية إذ لم يختلف عن سابقيه بدائية؛ ورغم العنوان البراق "تحديد حاجيات التكوين لدى المدرس" إلا أن مواضيع هذا التقويم أهملت جوانب مهمة يفرضها التطور الحاصل في التقويم العصري المعتمد في أغلب النظم التعليمية الرائدة حول العالم..
وقد عكست أسئلة تقويم المعلمين الأخيرة نموذجا نظريا مبالغا في سطحيته، كشف للأسف عن مدى الترهل في نظريات إصلاح المنظومة التربوية بالبلاد، إذ يلاحظ من خلال أسئلة التقويم أن الدور المنوط بالمدرس لا زال مقتصرا على ذاك الدور التقليدي العتيق القائم على حشو ذهن التلميذ بالمعارف النظرية وكأن المطلوب من تقويم المعلم هو استظهار ما يتذكر من معلومات وقواعد، بدل أن يكون التقويم لمستواه التأطيري والإبداعي؛ مما يجعل المعلم ومن خلفه التلميذ بنظرية القائمين على هذا التقويم مجرد أوعية لا دور لها في العملية التعليمية، مما يظهر تخبطا وميوعا في الأهداف المتوخاة من التكوين ومسار إصلاح القطاع ككل؛ فالتقويم المعاصر صار قائما على مراعاة الفروق الفردية والمهارية للتلاميذ ومعالجتها عن طريق المعلم بالأنشطة التفاعلية الهادفة بدل التلقين والجمود على الطرق القديمة المتجاوزة، كما أهملت الوزارة في تقويمها المعايير المهنية والكفاية الوظيفية للمعلم أو قياس مدى امتلاكه لتلك المهارات التربوية ذات الصلة بالأداء الميداني.
وبالنظر للدول التي تتصدر العالم في جودة التعليم نجد أساليب تقويم المدرسين بها تختلف جذريا عن صيغة التقويم هذه، فلا بد إذا من التركيز أولا قبل أي تكوين أو إصلاح من الوقوف الميداني على الخريطة المدرسية وتقويم حالتها لأجل توفير البيئة المدرسية القابلة لتطبيق مناهج التدريس، وهو شيء نراه غائبا عن برامج الوزارة أو تتجاهله، باستثناء منشئات قليلة تعد على أصابع اليد يتم إنجازها سنويا وتتهالك في أشهر قليلة من تسليمها بسبب الإهمال وانعدام الصيانة في مسار هدام ينغّص الإيجابية تجاه أي جهد إصلاحي ما لم تتم إزاحة المنظومة الإدارية المتمترسة في هرم القطاع والتي أفسدته لعقود.
وللتعليم في موريتانيا مشكلتان رئيستان لا يمكن إصلاحه دون المرور بهما كما ورد في توصية منتدى دافوس الدولي حول جودة التعليم:
المشكلة الأولى: تتمثل في النقص الحاد في البنية التربوية: إذ يبلغ عدد المدارس العمومية 3120 مدرسة فقط حسب إحصائيات العام 2020م وهو عدد قليل للغاية مقارنة بأعداد التلاميذ البالغة 632307 تلميذ.
والمشكلة الثانية: تكمن في ضعف رواتب المدرسين: إذ من الضروري أن يدرك الجميع أن تقويم المدرس أو محاولة الرفع من أدائه تبدأ من وضعه في ظروف مادية ومعنوية لائقة تمكنه من التفرغ لأداء مهمته، وإلا فمن العبث انتظار أي جهد من مدرس يرزح تحت خط الفقر وعاجز عن توفير أدنى مقومات الحياة.