طالعنا الناطق الرسمي باسم الحكومة المعين حديثا، بتصريح، قبل أسبوع، أقل ما يقال عنه أنه: "ناقص دسم الإقناع"!
فقد زعم الناطق الجديد، أن القضية الوطنية الأولى، التي تشغل بال الرأي العام بامتياز، والتي سماها، في تبسيط لا يخفى على متتبع للأحداث، "ملف عزيز"؛ زعم أنه "ملف قضائي، منزوع الدسم من السياسة"..!!
وبما أن هذا التصريح مجانب للصواب، كما هو حال الكثير من جوانب الشأن العام في البلد، وللأسف الشديد، هذه الأيام؛ لزم التوضيح، لنزع "دسم المغالطة" و"الديماغوجية"، الفج، والفادحِ الأذيهْ؛ والمُغالِطِ عن قصد ونِيهْ.
فلا أحد يمكنه أن ينسى أو يتناسى ما كانت عليه موريتانيا من ضعف، وهشاشة، وتفكك، وتشرذم، قبل أن يتولى الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز السلطة؛ يوم كنا بلدا في مهب الريح:
- لا جيش يحمي الحمى؛ يُقتلُ جنودنا بدم بارد في لمغيطي والغلاوية، ويهاجمنا غلمان في العاصمة، في رابعة النهار؛
- ولا هوية، حيث يعبر العابر النهر صباحا، بجنسيته، ويمسي في نواكشوط بأوراق ثبوتية موريتانية؛
- ولا مطار دولي، حيث يتندر زوار البلد في الصالونات بالحديث عن مطار نواكشوط القديم كقفص أشبه بالمدجنة؛
- ولا خفر سواحل، ولا بحرية، حيث كان حلم إنجاز سفينة "انييملان العسكرية"، مثلا، من رابع المستحيلات؛
- ولا قوات جوية، حيث كانت طائرات عصابات تهريب المخدرات، وسياراتها تعبر التراب الوطني المستباح، يوم كان الحديث عن اقتناء القوات الجوية الموريتانية وشرائها لطائرات عسكرية من شركة "آمبراير" البرازيلية أقرب إلى الخيال؛
- ولا وزن، ولا مكانة بين الشعوب والأمم، أيام كان الأشقاء العرب لا يتصور البعض منهم، ولا يريد البعض الآخر، "انعقاد القمة العربية في نواكشوط"؛ بَلْهَ، يوم كانت موريتانيا في حالة من الضعف، والتفكك، والوهن، والضياع؛ لا ينساها أو يتناساها إلا مكابر عنيدْ، أو سفيه، به مسٌّ شديدْ.
هكذا كانت موريتانيا بالأمس القريب، قبل عشرية النماء والبناء؛ رغم أنف الحاقدين الجبناء؛ العشرية التي شيدها الصنوان، المحمدان، اللوذعيان؛ وكذلك يحلو لأعدائها أن تظل، بدل أن تصبح دولة مستقلة ذات سيادة، دولة قوية تسير في نهج البناء والعمران.
والحق أن الأمور بدأت، مباشرة بعد نهاية الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بلادنا، تأخذ منحى لا تخفى خطورته على ذي سلافة من إدراك، وبقية من بصيرة، ونزر من حب لموريتانيا، والإشفاق عليها.
فبعد عرس ديمقراطي بهيج، عرفت فيه بلادنا أول تداول سلمي للسلطة، من رئيس منتخب - وللتذكير مرتين! - إلى رئيس منتخب، نجح صنوه، خليله، صفيه، قرينه، نجيه، وسابقه في الحكم - في حشد الدعم والتأييد له؛ حتى أصبح "مرشح الإجماع" الوطني...
مباشرة بعد هذه الحلقة المضيئة من تاريخ البلد، أبت "أيادي المفسدين" الظالمين، الحاقدين، الحاسدين لموريتانيا ومنجزاتها، أبت "ماكيناتهم الشريرة" وأذرعهم الطويلة" إلا أن تكدر صفو المناخ السياسي القويم، لتعمل على إدخال البلاد في نفق سياسي مظلم، وليل معتم، لا أفق له، ولا أمل.
فبدأت هذه القوى الشريرة، ومنذ تلك اللحظة، تعمل على تقويض نهج "البناء والتشييد"، نهج "موريتانيا الدولة القوية الوازنة"، نهج "الإنجازات والمشاريع العملاقة الشاخصة" نهج "لا مساومة على السيادة الموريتانية"، نهج "جاهزية الجيش ودحر الإرهاب"، "نهج رفض التبعية والتذلل والانكسار" ، "نهج الندية في العلاقة مع أقرب الجيران"، نهج "مركزية القضية الفلسطينية، في الثوابت الوطنية، وطرد السفارة الصهيونية"، نهج "رفض الاستكانة والضعف، حتى مع الأشقاء العرب، واحتضان القمة العربية، ولو تحت خيمة"، نهج "النموذج الموريتاني المُحتذَى، وليس المقتبِس" نهج "هيبة الدولة ومكانتها في كل شبر، ومكتب، ومصنع، وبيت"؛ نهج "بروز الدولة الموريتانية كفاعل رائد في الساحل وإفريقيا"، نهج "اعتزاز الموريتاني بهويته، بعد تقويم، وإصلاح، وضبط حالته المدنية وجنسيته"، نهج "المصلحة العليا لموريتانيا فوق كل اعتبار"؛ نهج "موريتاني وأفتخر"...
ومنذ تلك اللحظة - لحظة تسلم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للسلطة - بدأت قوى الشر، ممثلة في مافيا "الثراء من عمولات المختطفين"، "ورموز المعارضة التقليدية الحاقدين، الحانقين، بالطبع والفطرة، الذين لا يقبلون برئاسة غيرهم بالمرة"، وعصابات "السجائر والمخدرات والتهريب، والتنفذ في الدولة"؛ ولوبيات "مص دماء الشعب، ونهب المال العام الممنهج"؛ و"وطفيليات الراشين والمرتشين"؛ و"المجموعات الرجعية ذات الطموحات القبلية، الجهوية الضيقة الأفق"؛ "والتيارات الإيديولوجية، المرتهنة للأجندات الخارجية"؛ و"العنصريين الحاقدين"، و"العدميين الغوغائيين"؛ وكل لُكَعٍ بْنِ لُكَعْ، ورُوَيْبِضَةٍ بَشِعْ...
وقد تجمع، وتمحض السم الناقع، لكل هذه الجهود الشريرة، عن قصد وتخطيط، ومن دوائر "تتدثر برداء الصمت" وتجيد "التواري عن الأنظار" مقربة للأسف الشديد من القصر الرمادي اليوم؛ تفننت في دق الإسفين، وتعميق الخلافات، وحفر الهوة بين المحمدين الخليلين؛ فتَجمَّعَت، وتمحَّضَت، وتمخضت، كل سمومها القاتلة، ومكائدها التي أبرمتها بليل؛ فبرزت على شكل لجنة "الفحش والريبة"، "لجنة تصفية الحسابات، وكيل الاتهامات"، "لجنة الشقاق والنفاق". ووالله لولا خوف الإطالة، لكان بالإمكان ذكر كل فرد من أفراد تلك اللجنة باسمه ووسمه، وسَيْلِ سوابقه؛ والبرهنة على استحالة حياده وانعدام أهليته للتحقيق بشكل نزيه في أي ملف بسيط، أحرى متابعة ما سُمِّيَ، فحشا وتنكيلا؛ كيدا ومكرا؛ تزويرا وتشهيرا؛ إرجافا وتشغيبا، وتهويلا، بـ"ملف محاكمة العشرية"!!!
فكانت الكارثة: تَفَكَّكَ قطبُ "صمام أمان" موريتانيا الحديثة، المتمثلُ في شخصيْ محمد ولد عبد العزيز، الرئيس السابق لموريتانيا، وشخص خلفه، فخامة الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني. وبذلك تكون المؤامرة الكبرى على الدولة الموريتانية؛ وتقدمها، وازدهارها، ونمائها، قد قطعت أشواطا بعيدة – لا قدر الله - في تحقيق أحلامها.
هذه هي الحقيقة التي يدركها كل مواطن عادي من أمثالي، يعلم علم اليقين أنه لولا العداء، والحقد المستشري، الساكن في أنفس الشرذمة التي لا تريد لموريتانيا أن تتقدم، لما حصلت أكبر كارثة سياسية يمر بها البلد في تاريخه المعاصر: التفرقة بين المحمدين، الخَليلَيْنِ؛ ونجاح أعداء موريتانيا الحديثة، القوية والمزدهرة، في التفرقة بين هذين الركنين المنيعين؛ الذيْن تقاسما في عز أيام الصفاء، حلما واحدا: انتشال موريتانيا من الوحل، وبناء دولة حديثة، يعتز فيها المواطن بهويته، وتُرسمُ فيها، بالمنجزات العملاقة، ملامحُ دولة حديثة قوية ومزدهرة. وقد حلم معهما، وسعى معهما الشعب الموريتاني بأكمله، في مسيرة نماء امتدت طيلة عشر سنين، كانت بحق كلها للبناء والنماء؛ شهد العدو قبل الصديق، بتقدم ونهوض موريتانيا خلالها بشكل لافت.
أمَّا اليوم، وقد تم لأعداء موريتانيا، وللأسف، إلى حد كبير، تحقيق أكبر حلم كانوا يحلمون به طيلة تلك العشرية، ألا وهو دق الإسفين بين المحمدين الخليلين، والشروع في نسف دعائم الدولة الموريتانية القوية الحديثة؛ فإن المواطنين الموريتانيين العاديين من أمثالي، لا يسعهم إلا تذكير فخامة الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، بحكمة قول علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وتمثله في حق عثمان بن عفان، رضي الله عنه، بالمقولة الشهيرة: (أُكلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيضُ)!
فلا يريد الموريتانيون المخلصون في حب وطنهم، لفخامة الرئيس أن يُلتهم، ولا يريدون لموريتانيا، رَبْعِنا الغالي، أن تُبتلع!
فلسان حالهم يقول اللهَ، اللهَ، اللهَ، يا فخامة الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، أَمَا وقد فزتم بإجماع المواطنين، وأصبحتم رئيسا لجميع الموريتانيين، فعليكم أن تبادروا بتوقيف، "لجنة تصفية الحسابات، وكيل الاتهامات"، "لجنة الشقاق والنفاق" عند حدها؛ وتداركِ هيبة القضاء، الذي يحاول البعض استغلاله "لتصفية الحسابات"؛ وإعادةِ الاعتبار إلى صديقكم، مؤسس نهضة موريتانيا الحديثة؛ والسعي الجاد في رأب الصدع معه، واستعادة علاقة الثقة، وتبادل المشورة، وحمل الهم المقدس المتمثل في مواصلة بناء موريتانيا الحديثة، القاسم المشترك بينكم وبين خليلكم وصديقكم؛
كما يقول لسان حال الشعب الموريتاني بأكمله أيضا، لشقيق فخامة الرئيس، للهَ، اللهَ، اللهَ؛ أيها الرئيس السابق، مكانتكم محفوظة في القلوبْ، وجهودكم في بناء موريتانيا، فوق تفنيد كل كَذوبْ؛ فما عليكم إلا الانخراط الفوري في دعم خلفكم، والوقوف معه بحزم؛ وتذكروا المثل العربي الحكيم، الذي أطلقه هذيل بن هبيرة التغلبي : (إذا عزَّ أخوك فهن)، أي إن عاسرك أخوك مرة، فياسره، ولن يلحقك ذل ولا عار من ذلك؛ فبادروا إلى تأييد صديقكم وخليلكم، وتقديم النصح والمشورة له، كلما طلب ذلك منكم؛ وعليكم بالكف فورا عن لعب دور "الشغب السياسي" الذي لا يليق بكم؛ ولا يريده لكم إلا أعداؤكم وأعداء صديقكم؛ أعداء نهضة موريتانيا الحديثة ومنجزاتها؛ الذين لا يحبونكم، ولا يحبون صديقكم، ولا يحبون موريتانيا من ورائكم.
هذا، قبل أن يتسع الخَرْقُ على الراتِقِ الحاذِقِ، ويَنْدَثِرَ أَثَرُ المَسيرِ فِي السَّهْبِ السَّمْلَقِ عَلَى السَّائِقِ؛ وقبل أن يفوت الأوانْ، ويندم الخِلانْ؛ ونخسر - لا قدر الله - موريتانْ!!!