من المعلوم عند كل مسلم أن حياته في الدنيا لا تساوي دقيقة واحدة من حياته في الآخرة لا مدة طول الحياة فيه أو حالة الإنسان فيهما إن كان مرحوما أو معذبا، كما أنه يدرك كما قدمنا أنه من المتفق عليه أن الإنسان لا رجوع له في الدنيا بعد موته لإصلاح ما أفسد، ولكنه في نفس الوقت يدرك أن الله بين له في كتابه وعلى لسان رسله ما يكون سبب رحمته أو عذابه في الآخرة، وأن هذا السبب ينحصر في الهداية إلى سلوك الطريق المستقيم {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض إلا إلى الله تصير الأمور}.
وكل مسلم يدرك أن الله جعل هذا الطريق وحيدا لا ثاني له، وأن الله قد أذن للشيطان أن يخط للإنسان خطوطا أخرى غير الصراط المستقيم ويدعوه إلى سلوكها كما في الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم خط خطا كبيرا بجانبه خطوط أخرى، وأشار إلى أن الخط الكبير هو الطريق المستقيم وقرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه} وأن الخطوط الجانبية كل واحد منها عليها شيطان يدعو إلى سلوكه، وقرأ آخر الآية {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
وبناء على هذه المقدمة، وخطورة عدم توفيق الله في اختيار الطريق المستقيم، فإني أوضح أن كل مسلم بلغ سن التكليف فسيجد أمامه كثيرا من التقاليد والعادات وغير ذلك، ولكن عليه أن يدرك بإيمانه بما في الكتاب المنزل وما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فيه من الوصف الدقيق لسلوك الصراط المستقيم ليدرك به أن سلوك الصراط المستقيم لا يتبع فيه تقليد الآباء ولا البيئة ولا أي شيء غير النصوص الإسلامية الواضحة المقروءة في القرآن، وأن أي إنسان كائنا من كان لا يسأل بواسطة دين غيره عن طاعة كان يفعلها {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}، {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم} إلي آخر ما جاء في القرآن من هذا المعنى وهو كثير.
ولذا فالملائكة يقولون لأهل العذاب عند طلبهم الشفاعة لهم: {أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} إلى آخر الاية ويقول الله: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم}.
أما اتباع الصراط المستقيم فهو محصور في تنفيذ ما جاء في القرآن عقيدة وإسلاما وإحسانا.
وهذه الأساسيات الدينية لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عندما سأله جبريل عن الإيمان فقال "أن تؤمن بالله وملائكته.." إلى آخر الإيمان، وعن الإسلام أجابه أنه شهادة أن لا إله إلا الله إلى آخر أركان الإسلام، وعن الإحسان بمعنى العبادة أجابه بأن عبادتك تكون مخلصة إذا فكرت أن الله يراك فإن لم تكن تراه بالفعل فهو يراك قطعا، فهذه الركائز الدينية الثلاثة العمل بها ليس على سنن واحد، فأركان الإسلام مطلوب العمل بها في الدنيا وفيها ما هو مشترك بين العباد وهو ما يقع بين اثنين.
أما الإيمان بالله إلى آخره وهو العقيدة، والإحسان أي العبادة الخالصة لله، فلا اجتهاد فيهما، ولا تبعية فيهما، ولا سلوك أي طريق إلا الصراط المستقيم الوحيد صراط الذين أنعم عليهم إلى آخره.
ومن هنا أنبه على قضيتين، وهذا التنبيه معناه أني أطلب من نزيه متجرد من الأغراض رادا عنه حمية الجاهلية وفخرها بالآباء ليجيبني على هذا الاستشكال الإيماني فقط، وهو أننا في العقيدة نقول إننا على مذهب الأشعري، وفي العبادة علة طريق الجنيد؟
فكيف اخترنا رجلين من أمة محمد صلي الله عليه وسلم لننتسب لهما فيما سنسأل عنه يوم القيامة، وهو كذلك سوف يسألون عنه ولا لقاء بيننا.
فهل بيننا مع النبي صلي الله عليه وسلم من الزمان ما يقضي بإحداث انتساب لغيره والله يقول: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} إلخ الآيات.
والرسول يقول كما في الآية الكريمة {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
وسوف أبين قليلا وجه سؤالي هذا: المعلوم أن الأشعري مولود في زمن فتح فيه الشيطان بابا لأهل العقائد المتكلمين الذين أزاغ الله قلوبهم حتى تفننوا في الله وفي صفاته وفعله إلى آخره من عند فلسفتهم الخاصة، حتى تفرقوا في العقائد مثل الخوارج والمرجئة والمعتزلة ومنهم الشيعة الذين ما زالوا حتى الآن يلعنون الخلفاء وينعتون أم المؤمنين بما برأها الله منه، وقد توارثوا هذه العقيدة والعبادة شيئان حذر الله منها، فلا شك أن عقيدة الشيعة هذه تؤذي رسول الله والله يقول: {والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم}.
وبناء على تلك العقائد المجمع على فسادها أذكر من يطلع عليها بأن أبا الحسن الأشعري كان معتزليا، ومما يذكر في اعتقاده أن صفات الله شيء غير ذاته، واستعمال الله لهذه الصفات شيء غير ذواتها بمعنى: أن السمع والبصر إلى آخره أشياء خارجة عن ذاته وأن كونه سميعا إلى آخره شيء آخر .
بالله عليكم من أين للأشعري أن يتكلم في شيء لم يفصل الله فيه لنبيه في القرآن بل قال له {ليس كمثله شيء} فالله أنزل القرآن بلغة العرب، والعرب يعرفون مراد المتكلم بكلامه، ولذا فالصحابة لم يسألوا عن ما معنى سميع بصير لأنهم يعرفون مدلولها، وما وراء ذلك فلا سبيل لمعرفته، لأنه صادر ممن لا تدركه الأبصار إلخ.
مع أننا أغنياء عن الانتساب إلى عقائدي أو أي عبادة دون النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن بين أيدينا.
وعلى ذكر القرآن، وما جاء فيه، أصل إلى قضية أي أصل إلى نسبة عبادة عباد الله إلى رجل يسمى الجنيد، وهو عراقي السكن، أعجمي في الأصل، في القرن الثالث هجري، غير معصوم ولا ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة. هذا الرجل اشتمل ما حدث في زمنه إلى يومنا هذا، وإن ضعف في أماكن، وانتشر في أمكنة أخرى من بلاد المسلمين ما يلي:
الاسم الصوفية تمييزا لعبادتهم عن غيرهم من اين جاءو بإسم غير المسلمين الذي سمانا بها ابراهيم خليل الله كما ورد في القرآن –إعطاء عبادة لطالبها تتكون من صلاة وذكر واسم من أسماء الله والجميع يسمى طريقا تختلف مسمياتها تبعا لأسماء رجالها المسندة إليهم وهناك ما لا يمكن تقديره وهو حب وطاعة التابع للمتبوع ومن هنا لا حرج أن تكتب كثيرا في شدة الاختلاف بين هذه الطرق المختلفة.
والسؤال المطروح من جاهل لم يفهم مغزى إحداث هذا داخل الإسلام وليس من منكر ولا متعنت بل فقط من الشفقة على كل مسلم فيما بعد الموت مباشرة والقرآن يكتفي في التوجيه العام بالآيات التالية.
{ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى} {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} إلى غير ذلك من الآيات التي تقول ذلك قولا واصلا إلى القلب من الله مباشرة.
أما قضية الإسلام والعمل به في الدنيا فيمكن الاجتهاد في القواعد الفقهية التي لم ترد كلها نصا في القرآن فالله أنزل القرآن بلسان العرب والعرب في كلامهم الحقيقة والمجاز والمطلق والمقيد والعام والخاص ومعاني الحروف التي تغير المعنى إلى آخره.
ولا غرابة، إذا كان فيه مذاهب متفرقة.
فمثلا مالك فهم من قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} أن الرأس حقيقة في الكل، فقال أبو حنيفة ولكن الباء تأتي للتبعيض في كلام العرب بمعنى أن العبارة عامة وقد خصصها الرسول صلى الله عليه وسلم بحديثه حيث توضأ ومسح على ناصيته فقط، فعلمنا أن المعنى عنده بالرأس مسح ربعه، وهو – الناصية - بمعنى أن القرآن الفقهي نزل في الدنيا وفيه حكم ما بيننا، والنصوص محدودة اللفظ غير محدودة المعنى، والوقائع تتجدد، فأنزل الله قواعد يقاس عليها مثل {ولا تنسوا الفضل بينكم} وقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار" إلخ.
وملخص هذه الحلقة الثالثة، أن ما بعد الموت ليس كما قبلها، وأن خطاب الجميع واحد، وأن العقيدة والعبادة لا اجتهاد فيهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأتقاكم لله.." إلخ الحديث وأن المراجعة اليوم لأجل الآخرة أفضل من الندامة يوم القيامة وإن كان هناك من عنده – بالدليل - في حياته فمرحبا به قبل أن يأتي يوم لا خلة ولا شفاعة فيه كما يقول تعالى {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع}.
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.