هذه نقاط سريعة إلى المتحاورين، وخصوصا أولئك الوطنيين منهم
1. على المعارضة أن تتأكد من الضمانات الحقيقية لنزاهة وديموقراطية الانتخابات في المستقبل، لأن ذلك هو واجبها لضمان مستقبل سياسي سليم للدولة، لكن عليها أن تتأكد أيضا أن ذلك هو أكبر ضامن لفوز النظام الحالي نظرا للاختلال التراكمي لنظامنا السياسي (تفصيل ذلك سيأتي في سلسلة سراب الديموقراطية المدمر وفرصة الإصلاح السياسي) وتركبتنا الاجتماعية! لكي لا تعتبر أن قبول الموالاة لأي شرط في هذا المنحى يعتبر تنازلا بقدر ما هو تكريس لنجاحها بشكل حتمي وديموقراطي، ولكي لا تتفاجأ، أي المعارضة، وتقع في فخ رفض نتائج الانتخابات الذي يعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول.
تتوزع نسب الإقتراع في دولتنا تقريبا وبشكل ديموقراطي وشفاف على النحو التالي:
- أصحاب المواقف وأصحاب القضية الثابتون عليها عن وعي من أجل التغيير: 18%، ويصوتون دائما للمعارضة الراديكالية.
- المطالبون بالتغيير دون مواقف ثابتة 10% قد يجذبهم خطاب المعارضة إذا كان قويا وواضحا.
- أصحاب الفكر الإخواني والعمل "الخيري والتطوعي" 10%، وقد يصوتون لأي طرف طبقا لـ"المرشدين" هنا أو هناك.
- أصحاب الفكر العنصري والشرائحي وأصحاب التطرف الخطابي 6%، وعادة تكون أصواتهم بلا فائدة، فهي لا تذهب إلى المعارضة، ولا إلى الموالاة، وقد تجذب، في أحسن أحوالها، نائبا برلمانيا لا نسمع منه ما قد يفيد الدولة ولا الشعب طيلة مأموريته.
- التابعون لغيرهم 56% يصوتون دائما للحكم القائم (أي حكم) سواء كان صالحا أو فاسدا وذلك عن طريق أصحاب المصالح في الدولة والحزب الحاكم وشيوخ القبائل وأصحاب النفوذ الاجتماعي وأصحاب الرتب العسكرية ورجال الأعمال والأغلبية الساحقة من موظفي الدولة وإعلام الدولة!.
هذه الأغلبية الساحقة من الشعب ستصوت حتما للحكم القائم نظرا لتأطير وتوجيه قوى الضغط آنفة الذكر والتي تتعارض "مصالحها" تلقائيا مع أي معارضة للحكم!! وهو ما يعني أن الحكم سيظل مدينا ومهتما بالمصالح الشخصية لهؤلاء أكثر منه بالاهتمام بالمصالح العامة التي تؤدي إلى تطور الدولة والاستقامة في بنائها.
من هنا يتضح أن نتائج أي انتخابات محسومة مبدئيا وبشكل ديموقراطي لأي نظام قائم على حساب أي معارضة!
إذن على المعارضة أن تفهم ذلك وتعيه لتكون مشاركتها في الحوار تتركز على محاولة إصلاح الخلل بالطرق المناسبة ولو ببطإ وعدم التركيز على حكومة تشاركية من أجل مراقبة انتخابات ستخسرها حتما وبشكل ديموقراطي، وتعتبر ذلك مكسبا وطنيا ستكون نهايته انتخابات مرفوضة وتشقق في الصفوف وصدام جديد يؤدي إلى انسداد سياسي متجدد، كما أنه على الموالاة أن تفهم أنها قد تنجح من الناحية الحسابية لكنها ستخسر من الناحية السياسية، لأن عوامل نجاحها تلك هي بذور فشل سياسي ذريع قد يتطور إلى خسارة كبرى للجميع، و هي خسارة الوطن! - لا قدر الله - فعليها إذن أن تكون معينا على الحل لا أن تكون جزءًا من المشكلة.
2. على المعارضة أن تفهم أنه في مجتمع هذه حالته لا يمكن أن نعول على التغيير الإيجابي من الشعب وحده ولا من المعارضة وحدها بل إن دور الحاكم (رئيس الجمهورية تحديدا) في هذا التغيير سيكون حاسما ولا بد منه وهو ما يجب أن تنتهز فرصته في أي رئيس وطني مستعد وواع لأهمية هذا التغيير الذي سيكون بنيويا، ولعل الرئيسين أحمد ولد داداه ومحمد ولد مولود قد فهما ذلك بعد تجربة مريرة مع النضال، وهو ما يفسر تجاوبهما مع الرئيس غزواني. وبهذا المعنى ستكون الموالاة أمام مسؤولية وطنية كبرى تتمثل في إظهار حسن نية رئيس الجمهورية تجاه ما تعانيه الدولة والمجتمع من اختلالات.
3. على المعارضة والموالاة بنفس القدر من المسؤولية أن تتجردا من السياسة في معالجتهما للمشاكل الوطنية الكبرى مثل الاقتصاد، التعليم، الصحة، الوحدة الوطنية، النمو، التشغيل، العدل، المستوى المعيشي، المشاكل البيئية، دور الجيش في السياسة وقانون الأحزاب السياسية، بل إن عليهما أن تطالبا بتشكيل لجان مستقلة من الخبراء في كل مجال من هذه المجالات لدراسته ووضع الإستراتيجيات (على المدى القريب والمتوسط والبعيد) الكفيلة بالنهوض به على أكمل وجه وفي أحسن الظروف وأن لا تترك هذه المسائل الوطنية الكبرى بيد الحكومات السياسية التي غالبا ما تخطئ في معالجتها.
يجب أن تكون الحكومات القادمة في ما بعد التشاور مجرد منفذ لتلك الإستراتيجيات مع التقويم والتقييم الدوريين لذلك التنفيذ من الخبراء الذين وضعوا تلك الإستراتيجيات حتى لا تخضع المسائل الوطنية والمصيرية الكبرى للتجاذبات السياسية التي أخرت النهوض بها بل أزمتها كثيرا وعقدت إمكانية وضع حلول لها.
وأخيرا على المتحاورين أن يفهموا أن التغيير الإيجابي للمجتمع والعقليات لا بد له من طاقة ونفس جديدين وهو ما يتطلب تكاتف جميع الوطنيين في الداخل والخارج، الأمر الذي يتطلب مراجعة قانون الجنسية الجديد الذي يحرم الدولة و المجتمع والسياسة من كفائات ومهارات ووطنية الموريتانيين في الخارج!!
طابت أوقاتكم...