أتشرف بأن أقول للقراء الكرام إني منذ سنين وأنا أكتب المقالات المنشورة في المواقع تحت عنوان (للإصلاح كلمة).
وهذا العنوان كنت أكتب تحته لأهل الدنيا لعل أن يكون في مقالي إصلاح لأفكار بعض أهل الدنيا فيستفيدون منها.
والآن تذكرت أن علي أن يلفت نظري أن أهل الدنيا ذاهبون معي إلي الآخرة وإلي الأبد، فأنا وهم نحتاج إلي البحث عن إصلاح المآل في الآخرة بالاعتصام بما جاء في القرآن.
وبما أننا جميعا مسلمون ولله الحمد فالذي ينبغي أن نجمع علي إصلاحه في الدنيا ولأجل الآخرة هو إسلامنا الذي وحده سيعاملنا الله علي ضوئه.
فقد اخترت لذلك هذا العنوان وهو كيف نفهم الإسلام؟
ونظرا إلى أن فهم الإسلام لا يمكن تحقيقه إلا بفهم القرآن المستوعب لجميع أوامر الإسلام ونواهيه، وما كان وما هو كائن في الدنيا وما سيكون في الآخرة كيف يكون.
فما كان في الدنيا أخبرنا به عن طريق القصص وجعل فيها عبرة لأولي الألباب، وما هو كائن أخبرنا بكيفية خلقنا كما هو وكيف نزول المطر وإنبات الأرض ورفع السماء فوقنا وبسط الأرض تحتنا، إلى آخر كل هذه الكائنات المسخرة لنا وننظر كما نبهنا الله في القرآن إلي عملها من دوامه وعدم انحرافه.
أما ما سيكون فقد فصله لنا ربنا تفصيلا في كتابه العزيز وبدقة متناهية ومن غير أن يكون فيه تقصير ولا اختلاف، وانتهي هذا التفصيل يوم نزول علي رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، فهذه الآية توحي بأن جميع ما سيكون في الآخرة قد أكمل الله نزوله بهذه الآية، وما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بأن يبين لنا في حياته من ما نزل إليه سواء بفهمه للقرآن أو ما يوحي إليه ربه بدون أن يكون بين دفتي المصحف ولكنه ثبت عنه بنقل الصحابة العدول في حياته.
هذه الحقيقة عندما نستعرضها أمام حياتنا نحن الموريتانيين ونحن نقرأ القرآن نجد أنه بما أننا حياتنا البدوية كانت تعيسة وصعبة وناقصة في تحقيق أكلنا وشربنا ولباسنا وما نسكن تحته للوقاية من الحر والبرد كل ذلك ناقص إلي الحضيض، فلنراجع ذكري ذلك قليلا للتأكد من الحقيقة.
فكذلك بمراجعتنا لما كنا نقول ونفعل ونعتقد في أمر ديننا هو كذلك ناقص وصعب ومتعسف إلي آخره، مع أنه كان بين أيدينا كتاب ربنا يقول لنا فيه: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}، لكن بدون أن يلفت نظرنا لما كنا نقول ونفعل ونعتقد هل هو مطابق للقرآن أو المشي بجانبه من غير إتباعه؟
فكانت أفعالنا وأقوالنا واعتقاداتنا أكثرها مبنية على الروايات والحكايات المعتمدة علي آثار سلوك آبائنا والموروث بيننا، مع أن القرآن يحذرنا من ذلك كله يقول تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلي عذاب السعير}، فهنا استغني بذكر عمل الشيطان عن مقصد ذكر عمل الآباء لتوحيد اعتقادهما، وقد حفظ الله لنا القرآن لنتأكد منه استقلالية كل نفس في مسؤوليتها مبينا أن لا موجود في هذا الكون غير المعصومين يعرف مصيره الأخروي مهما كان عمله ومهما كان ظن الناس به، فظنهم ذلك إذا تجاوز الظن يبقي باطلا لا أساس له.
ومقابل ذلك أوضحت لنا الآيات القرآنية ما رأيناه واقعا في حياة الإنسان من غير أن يتدخل أي أحد ليغير ما تخبر به الآيات وهو يراه في الدنيا وعاجز عن تغييره مثل تطور خلق الإنسان وحياته وموته، فيصل الإنسان إلى الموت والآخرون ينظرون ولا يستطيعون التدخل، أيستطيعون التدخل بعد موتهم؟
فبعد هذه الموت يبقي معني الآيات يوجهنا إلي المصير بالوعد والوعيد الحق التابعين لقوله تعالى: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}، وتابعة أيضا لقوله تعالي: {سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
ومن كلمات الله الحق أنه وكل بكل واحد منا بمفرده ملك الموت ليأخذ روحه ويأتي بها إليه مباشرة يقول تعالي: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلي ربكم ترجعون}.
وأوضح أيضا في آيات أخري أن ملك الموت هذا وأعوانه تارة يجد أحدنا وهو طيب النفس لاتباعه لكلمات الله الحق، وبعضنا يجده ظالم لنفسه فيقول لطيب النفس: {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}، ويقول للظالم نفسه عندما يحاول تبرير اتباع عمله في الدنيا للمخالفة أيا كان: {ما كنا نعمل من سوء}، فتجيبه الملائكة الموكلين بأخذ الأرواح: {بلي إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبيس مثوى المتكبرين}.
ويلاحظ أن جميع الوعد والوعيد في غير المعصومين الذين يصرح القرآن بأنه جعلهم من الصالحين، أو من أذن للنبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بأن يخبرهم بأنهم لهم الجنة وهو قلة كما نعلم، أما جميع غير ذلك من الإنسان فالله يعبر عنه بكلمة "الذين" و "الذي " اسم الموصول الصالح للإطلاق علي كل أحد بدون أي تمييز.
وعجزنا نحن جميعا عن معرفة ما ذهب إليه كل إنسان يساوي عجزنا ونحن أحياء عن معرفة ساعة موتنا بل ما سيحصل لنا في يوم غدنا يقول تعالي: {وما تدري نفس ما تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت}، ولا رجوع لمن نحب أن يخبرنا بمصير عمله في الدنيا بل هو يقول: {لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}.
يتواصل بإذن الله.