انتهت مرحلة حروب الدول بين الأنظمة العربية والدولة الصهيونية بسيطرة هذه الأخيرة على القرار في عواصم دول الطوق، لكن حروب الشعوب مع هذا الكيان لم تنته أبدا، وظلت تناور في كل مرحلة لتعبر عن نفسها من خلال انتفاضة أو مقاومة أو مقاطعة شعبية واقتصادية.
في هذا الصدد جاء التوجه الذي اتخذته دولة قطر بشعبها وأمرائها بالدفاع عن القضية الفلسطينية وفق منهجية إستراتيجية طويلة النفس تجلت منذ نحو عشرين سنة بالمشروع الإعلامي المقاوم الأضخم في تاريخ العرب، والذي لم تقف فوائده عند الدعم المباشر للقضية الفلسطينية وإنما تجاوز ذلك إلى بث الوعي الحضاري في الجماهير العربية وانتشلها من مرحلة الانتكاسة النفسية التي دخلتها بسبب الهزائم العسكرية والدبلوماسية التي منيت بها، وهو الوعي الذي آتى ثماره يوم خرجت الشعوب هادرة ضد الحكام الظلمة، ودكت عروش 4 من أكابر مجرميهم، وكادت تقيم أنظمة حليفة للمقاومة في دول الطوق.
وما إن وصل المشروع القطري المقاوم لقمة نجاحه واستوائه على سوقه حتى ثارت ثائرة الصهاينة وأعلنوا الحرب عليه، كما هو حال المعتدين عندما يحسون الخطر من المشاريع المقاومة وفق ما لخصه الزعيم الهندي غاندي حين قال: (في البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر!).
بدأت الحرب على قطر! ولكن لأن إسرائيل لا تحارب الشعوب بشكل مباشر كما تفعل مع الأنظمة كان لا بد لها من "جيش لحد" جديد تضرب به قطر كما ضربت لبنان بجيش لحد القديم، فعجمت كنانتها فلم تجد فيها "ألحد" من ثلة العمالة التي يقودها بن زائد ورهطه!
بدأت حرب بن زائد على قطر في السر، لكنها وصلت اليوم إلى مرحلة الإعلان من خلال فرض حصار على قطر لا مثيل له على مر التاريخ إلا كما قال أحد الكتاب العرب اليوم: إنه أول حصار يفرض في جزيرة العرب بعد حصار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في شعب أبي طالب.
وقد اختار الصهاينة لولد زائد توقيتا ذا دلالة بالنسبة لهم: وهو الذكرى الخمسين لهزيمة 67، لدرجة أن وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه يعلون قال اليوم في كلمة ألقاها خلال مؤتمر الذكرى الـ50 لحرب "الأيام الستة"، إن "العرب الذين حاربوا إسرائيل آنذاك يركبون معنا الآن بنفس القارب".
لكن الصهاينة وحليفهم نسوا أن اليوم يصادف أيضا الذكرى الخامسة والأربعين (بالحساب القمري) لانتصار العاشر من رمضان 1393هـ، ذلك الانتصار الذي نكس النكسة وجرف معها أسطورة أن إسرائيل لا تقهر، وأطلق العنان لمقاومتها حربا وتخطيطا!
وإن الأمل في الله كبير أن تكون دلالة التاريخ الثاني أقوى من دلالة الأول، ولعل من أمارات ذلك أن الصهاينة وأذنابهم اختاروا أخس الأسلحة وأقلها أخلاقية ألا وهو سلاح التجويع، فمن يتصور أن تقبل شعوب الجزيرة العربية الأبية أن ترى أشقاءها في قطر يمنعون حليب الطفل ولقمة العيش؟؟ وهل يعقل أن النخوة العربية التي حركت عقلاء قريش الكفار لكسر حصار المسلمين في شعب أبي طالب قد غابت اليوم في أحفاد الصحابة؟
إنها معركة خاسرة أيها البلهاء؛ مهما اشتدت وطأتها مؤقتا فالعاقبة للمتقين، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} صدق الله العظيم.