ها أنا أتحول مؤقتا من الكتابة عن الصوفية إلى الكتابة عن الديمقراطية مع العزم إن شاء الله إذا كان في الحياة بقية إن أعود إلى الكتابة عن الصوفية، وأعتبر هذه الاستراحة عنها استراحة مسالم وليست استراحة محارب، فأنا أصف نفسي بمسلم تيقن أن الإسلام هو ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته من سلوك كل فرد للطريق المستقيم إلى مثواه الأخير، ومن هذا اليقين أن من زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وهذا الفوز أتمناه لكل مسلم، وهنا أتيقن أنه كذلك لا يتحقق إلا بفعل ما أمر الله به نبيه صلي الله عليه وسلم، {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك}، أما أي انحراف آخر غلوا أو تقصيرا أو استحسانا خارج ذلك فأحتسبه من اتخاذ الشيطان لنصيبه من هذه الإنسانية كما قال ذلك لربه بلام القسم ونون التوكيد اللتان لا يتكلم إلا بهما لإفراغ حياته الطويلة لهذا المقصد يقول تعالى: {وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا}،{لأقعدن لهم صراط المستقيم} إلى آخر كلام الشيطان لعنه الله.
وعلى رأس جهوده في هذا الإضلال: الوحي بالأمنيات المستقبلية التي لا يظهر إفلاسها إلا حين لا رجعة للإصلاح سواء كانت أمنية لصاحبها أو تمنيه لغيره خارج ما نص عليه القرآن بوضوح ومنه أولا عدم اطلاع غير المعصوم على الغيب الذي أطلعه الله في حياته على بعض المصير المحتوم لكل أنواع سلوك البشر، يقول تعالى: {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحي إلي وما أنا إلا نذير مبين}.
وبناء على أن مراوغة الشيطان لإضلال الإنسان لا تقتصر على دخوله من باب العبادة فأين ما توجه الإنسان المسلم يلاحقه الشيطان في ذلك الاتجاه ليضله عن الصراط المستقيم ليسير خارجه ولو بخطوة واحدة، ولذا فإننا نبدأ الكلام في إحباط هذا التوجيه ولأبين حسب مجرد رذاذات من المعلومات هي التي جعلها الله في قلبي سبيل الوصول بأمان من هذه الحياة القصيرة إلى تلك الحياة الأبدية كما أراد الله ذلك لهذا الإنسان عندما خلقه.
وقبل الدخول في الموضوع الجديد أبدأ بهذه الآية والحديث الصحيح يقول تعالي : {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}.
أما الحديث فقوله صلي الله عليه وسلم: (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
فمن كان له قلب سليم أو ألقى السمع وهو شهيد فإن مضمون هذه الآية لم يترك للمسلم إلا أن يتيقن أنه ليس حرا في فكره ولا قوله ولا فعله، كما أنه لو رجع تفكيره لفحوى الآية مرة أخرى لاهتز قلبه إلا إذا لم يكن أشد قسوة من الحجارة، فبرجوعه بفكره يتبين له كامل إحاطة الله الدائمة للإنسان.
فمعلوم أن الشأن تساوي في عبارتها كلمة الإنسان النكرة التي لا تترك أي فرد من أفراد جنسها والكينونة كذلك، فجميع حالاتك فالله شهيد فيه على فكرك إلى آخر المذكور بعد القول والفعل أصغرها وأكبرها ومع شهادة الله عليه فهو مكتوب عنده.
فتعبير هذه الآية ومثلها من الآيات كان على الإنسان ألا يلتفت معه إلى الديمقراطية ولا إلى إنسان آخر مثله يريد منه النجدة يوم القيامة ومراقبتهما في الدنيا كانت من نوع واحد فيقول الله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم}.
فعلى المسلم أن يحذر أن ينفجر من هذا التعبير: فالأقل من الثلاثة هو الاثنين ولا مناجاة بين المرء ونفسه فذلك عنده آية أخرى: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}، والعدد الذي أكثر من السادس يرتفع تلقائيا إلى ما لا يعلمه إلا الله.
هاتان الآيتان علينا أن نحملهما إلى قلب كل مجدد يحاول أن يذهب بالإسلام إلى الديمقراطية ليدمجها فيه كنظامين قابلين للإدماج، فليعلم أنه هو يعلم فحوى الآيتين وأنه بهما يدرك أن الله لم يخلق الإنسان للحرية، فمن علم أنه عليه معقبات من الحراس مرسلين من قبل الله ليكون مقرهم من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أي بأمر الله.
وليسوا وحدهم هم المرافقون للمسلم الذي يجر معه الإسلام ليطعمه من الديمقراطية ليعود بذلك الإطعام إلى أهله ليبشرهم بنتائج فكره عليهم في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فلا شك أنه من أول من يحاول الفرار من أمام الله وعندئذ يقول الله لملائكته: {وقفوهم إنهم مسؤولون مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}.
وقبل تفكيك الأسس التي تبني عليها الديمقراطية هي وما معها من الأسماء مثل الدولة المدنية – والقانون الوضعي – والحكم الدستوري إلى آخره من مسميات لا يذكر وجودها في الإسلام بل أٌقرب شيء لسببها حدوثها تصديقا لنبوءته صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين سيتبعون في كل سلوكياتهم سنن الذين من قبلهم، وعندما سئل: أهم اليهود والنصارى فأكد بصورة يسفه بها شك السائل في غير ذلك فقال: (فمن ؟): بمعني أن المتبعين هم المسلمون لخطاب الحاضر بما سيكون في عقبه في المستقبل من أتباع اليهود والنصارى ممن لا ينطق عن الهوى.
ولا شك أن كل مؤمن عاقل يدرك أن هذا الاستفهام للإنكار لأنه جاء على وجه الذم، كما قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى}.
وفي آية أخرى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}}، وهنا يعترض لنا سؤال للمجدد الذاهب إلى الديمقراطية لترميم ما في قلبه من أخاديد خطهم الشيطان في قلبه من حيث لا يشعر لنسأله : هل جاء علم من الإسلام ينظم به حياته سواء كان رئيسا أو مرؤوسا غير علم الديمقراطية الجديد؟ سوف يسمع الرد بإذن الله مستقبلا.
ألا فليعلم الجميع أنه لو نزل كتابا بعد قرآننا هذا لفضح كثيرا كما فضح كتابنا من قبلنا في كل مناحي الحياة.
حتى في العبادة التي هي بين العبد وربه جاء فيها قوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} أي أرادوا بها رضي الله، وبما أنهم لم يؤمروا هم بفعلها حتى أنهم خانوا في تطبيقها أنفسهم {فما رعوها حق رعايتها} إلى آخر الآية.
فهل اتخذنا نحن من عندنا رهبانيات متعددة،تارة من العبادات وتارة من المعاملات، وتعدادها هذا هو أكثر شاهد أن الله لم يأمر بها يقول تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ذلك دين القيمة} أي القويم المستقيم كما قال تعالى في آية أخرى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.
وإلى الحلقة القادمة بإذن الله: كيف نفهم الإسلام (16) الديمقراطية والإسلام (2)، وسيكون فيها بإذن الله تعريف الإسلام وحده، والديمقراطية وحدها وأيهما يحتاج للآخر في الدنيا ويوم القيامة؟