على مدار الساعة

طبول الحرب: هل تختلف أوكرانيا عن العراق؟

18 فبراير, 2022 - 00:53
المهندس محمد عبد الله اللهاه - lamoslamosla@gmail.com

منذ أزيد من ثلاثة عقود، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية دولة العراق بحجة تهديد السلام العالمي وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. لم يكن غزو العراق عسكريا بقوة أممية أو بتفويض من الأمم المتحدة، لكن جورج بوش ظل حينها يكرر شعاره الشهير "إما معنا و إما ضدنا" الشيء الذي يبرهن على نية أمريكا احتلال العراق وليس ردعه. وقد استقال حينها وزير الدفاع الفرنسي احتجاجا على مسلكيات الحرب. تبين لاحقا أن استهداف العراق تم لتأمين المصالح الأمريكية وخاصة أمن إسرائيل والنفط واستقرار المملكات الخليجية الراعي الأكبر لمصالح الاقتصاد الأمريكي. ولم يعثر على أي سلاح دمار شامل.

 

واليوم، ها هو التاريخ يعيد نفسه في أوكرانيا مع الإتحاد الروسي هذه المرة، الحلف المعادي لحلف النيتو. إنها حرب الكبار الذين يدقون طبولها مهما كانت الضحايا من الدول الأخرى وخاصة الضعيفة التي ستتأثر بتوسع صراع النفوذ على الاقتصاد العالمي والسيطرة على كل منطقة استراتيجية من العالم. إن الحرب آتية لا محالة، حتى إذا تجاوز العالم محنة أوكرانيا بالتهدئة والدبلوماسية، لأن مصالح العملاقين ستظل متضاربة حتى النهاية. المصالح الاقتصادية ومناطق النفوذ والتبعية وغيرها، كل ذلك يدفع العملاقين إلى مواجهة حتمية يوما ما عاجلا أم آجلا. لكن مشكلة أوكرانيا قصمت ظهر البعير حين أرادت الولايات المتحدة الأمريكية ضمها إلى حلفها كي تضع ترسانتها العسكرية قبالة الحدود الروسية على مسافة رمي العصا من موسكو بأقل من 500 كم فقط. كانت القطرة التي أفاضت الكأس بعد أن ظل الروس متمسكين بضبط النفس لعدة عقود تاركين الأمريكان يعبثون ببعض الدول حسب مصالحهم دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وبتوسع حلف النيتو حتى ضم إليه جل دول أوروبا الشرقية. كل ذلك طبعا دون موافقة الشريك العملاق في فضاء المجرة الشمسية. فهل أخطأ الروس حساباتهم في الماضي ليتداركوا الموقف مؤخرا فيمنعوا العبث بسوريا وليبيا وإفريقيا الوسطى ومالي وغيرها من مناطق التوتر المحتدمة الصراع؟ أم أن أمريكا تجاوزت الخط الأحمر وأخطأت حساباتها بعزمها نصب ترسانتها العسكرية لتكون مدينة موسكو في مرمى نيران أسلحتها التقليدية قليلة التكلفة، مقارنة بالأسلحة غير التقليدية، حتى تشد على الروس وتضيق عليهم الخناق، ثم بعد ذلك، تسعى إلى إبرام اتفاقيات دولية جديدة لمنع انتشار وتطوير الأسلحة غير التقليدية والبعيدة المدى حتى تجبر الروس على مسايرتها في تلك السياسة باسثصدار قرارات من مجلس الأمن في هذا السياق، فتصبح بعد فترة من الزمن بمقدورها شن حرب تقليدية على موسكو بعد تدمير جل الأسلحة الاستراتيجية طبقا للمواثيق التي ستسن لاحقا. إن حرب الكبار تجلت في سوء استقبال وإهانة الزعيمين الفرنسي ماكرون والألماني شولتز خلال زيارتيهما لموسكو في مسرحية دبلوماسية سيئة الأداء، لأن الروس يعتبرون الأمر وجودي لا مساومة فيه ولا تراجع عنه إلا في سياق اتفاق مع الأمريكان، تماما مثل أزمة الصواريخ الكوبية على بعد 300 كم فقط من شواطئ ميامي الأمريكية والتى كادت تشعل نار الحرب لولا دبلوماسية الرئيس جون كندي الذي أبرم اتفاق تقارب مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، اغتيل بعده بشهر واحد في ظروف غامضة.

 

إن تقدير الروس للموقف يوجب على الولايات المتحدة أن تتراجع عن ضم أوكرانيا لحلفها، بل يتوجب عليها احترام التفاهم الضمني بين العملاقين الذي يقتضي ترك مناطق عازلة بينهما منذ اندلاع الأزمة الكوبية في الستينات حتى لا تحتك جيوشهما وجها لوجه. إن إهانة كبار الدول الأربية مثل فرنسا وألمانيا ينذر بمواجهة حتمية أو يفتح الطريق لنظام دولي جديد يتوزع فيه النفوذ بين العملاقين فقط. فأين ستكون بلادنا وهل ستظل في مجموعة عدم الانحياز التى يمكن أن تعاد هيكلتها كما يدعو الكثيرون إلى ذلك من أمثال اليسار الفرنسي. وخاصة أن كلا من العملاقين ينقض على فريسته غير عابئ بالشرعية الدولية التي تهشمت منذ سقوط حائط برلين الذي أصبح كحائط افتراضي متنقل إلى كل منطقة دخلت إليها قوات أحد القطبين. إن بلادنا تحتضن منذ استقلالها سفارتين كبيرتين ومهمتين لدى كل من العملاقين، لا للوقوف مع الدولة الصغيرة الحديثة النشأة طبعا، بل للعمل على بسط النفوذ والسيطرة على منطقة ذات موقع استراتيجي وباطن غني بالمعادن التي يشكل بعضها، مثل اليورانيوم، مصدرا أساسيا للطاقة النووية الرخيصة المنافسة للطاقة التقليدية النفطية والغازية. ففي منطقة تيرس مثلا، توجد عدة مناجم من اليورانيوم في أماكن واسعة مثل بئرالنار و واد السدر و واد الفوله إلى غير ذلك من المعدن الاستراتيجي رخيص الاستغلال، حيث يقدر أول منجم له باستثمار حوالي 62 مليون دولار فقط لبناء منجم الاستغلال. فيما يبلغ احتياطه المكتشف عدة آلاف من الأطنان، ناهيك عن المخزون المحتمل الذي لم يكتشف بعد لأن البحوث ما تزال جارية. إن بلادنا لن تبقى بمعزل عن صراع العملاقين لما تنعم به من خيرات باطنية وبحرية وسطحية كالطاقات النظيفة التي تحافظ على البيئة. فهل ستستمر في أحضان القارة العجوز مثل مجموعتها من دول الساحل؟ أم ستكون من "حظ" العملاق الآخر الذي ينظر إليها بعين الأسد من أعلى هضاب جارتها الشقيقة؟ أم أن بلادنا ستحقق حلمها بأن تكون فاعلا إقليميا يستغل كافة عوامل التموقع الاستراتيجي ونقاط القوة لديه في عالم مخاضه معقد ومتشعب تتسارع فيه توترات النفوذ وتنبت في أطرافه قوى جديدة تطمح إلى انتزاع نصيبها من الكعكة الدولية.

 

اللهم احفظ بلادنا و وفقها للتقدم و الازدهار.