يخطئ كثيرا من يعتقد أن الحرب الحالية في أوكرانيا هي مجرد حرب جديدة عابرة، أو أنها حرب فقط بين الروس وأوكرانيا. فهذه الحرب ليست جديدة، لأن بعض تداعياتها يجد أصله، ليس فقط في عدم تنفيذ اتفاقية مينسك 2015 – كما زعم بوتين - وإنما تعود بعض تداعياتها أكثر من ذلك إلى الحرب الباردة، وإلى مساوئ النظام العالمي للأمم المتحدة الذى فرضه الحلفاء المنتصرون في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما ترتب عليه من تكريس لنظام القوة، وامتيازات للمنتصرين.
كما أنه من السذاجة الاعتقاد بأن أطراف هذه الحرب تكمن فقط في روسيا وأوكرانيا، اللتان تمثل كل واحدة منهما فى الواقع مجرد رأس حربة فى صراع بالوكالة وصل الآن نقطة الاصطدام المباشر بين الغرب والشرق، وتنوب كل واحدة منهما فيه عن بقية المنظومة التي تمثلها، أو تطمح على الأقل – كما هو حال أوكرانيا - للعب دور ذلك التمثيل.
هذه إذا مجرد البداية، بداية المواجهة المباشرة ما بين توجهين منتصرين في الحرب العالمية الثانية، ولكنهما لم ينجحا منذ ذلك الانتصار، -'ولا حتى بعد ذلك طيلة الحرب الباردة أو في الهدنة المؤقتة التي تلتها - في وضع آلية سليمة لتقسيم العالم بينهما تقسيما نهائيا يضبط الفواصل وينهى الخلاف، أو يرسم قواعد ثابتة، ومعايير موضوعية شفافة وواضحة لإدارة المتغيرات المحتملة لخرائط مناطق النفوذ، والحيلولة دون وقوع الصدام.
إنها بالفعل قد تكون الحرب المصيرية بين الشرق والغرب، التي طالما وقع تأجيل نشوبها بمختلف الوسائل والسبل، منذ أن نشب الخلاف بين المنتصرين فى الحرب العالمية الثانية، درءا لمخاطر آثارها التي ستكون كارثية، إذا ما استخدم كل طرف فيها كل ما وصلت إليه قدراته التكنلوجية في التسليح والفتك والتدمير.
وكما هو الحال في كل النزاعات المصيرية الكبيرة، فإن البداية لا تكون دائما محددة لمختلف أطراف النزاع، ولا لحجم الآليات المستخدمة فيه، فخارطة أطراف النزاع الظاهرة اليوم سوف تبقى قابلة لإعادة التشكل والتغيير، بما في ذلك دول أوربية تناهض الروس اليوم، فوحدها مصالح الدول هي من سيحدد في النهاية حدود التشكل والاصطفاف.
كما أن درجة الاندفاع والشحن هي من سيحدد في النهاية نوعية التسليح والوسائل المستخدمة.
يتبع