عوَدتنا بعض أطياف المعارضة الموريتانية على تكرار الأخطاء وفقدان الأبناء، لأنهم يُفتنون في كل عام مرة أو مرتين، ويُلدغون من نفس الجُحر ليعودوا بعد يومين.
حملات التشويه والمزايدة على القرارات السيادية عادةٌ درجوا عليها، رغم أن ذلك دليل على روح "السيبة" السياسية المتأصلة في عقول القوم، والتي تأبى احترام السلطة، وتتساهل في التطاول على مقام صاحب القرار الأخير بسبب وبدون سبب..
فهمٌ فوضويٌ للديمقراطية وحرية التعبير، ولو أنهم نظروا من حولهم لعلموا أن جدل السياسة يتوقف عندما يتعلق الأمر بقرارات السيادة، ومن النادر أن تجد معارضة في العالم تقف مع أطراف خارجية ضد قرار سيادي وطني، لأن الحزبية تموت عند حدود الوطن.
لقد عوَدنا رئيس الجمهورية على اتخاذ القرارات المناسبة في الأزمات، وكان قراره إعلاء للمصالح العليا للوطن وانحيازا للموقف الصحيح بشأن الأزمة في الخليج، فلا معنى للحملة المضادة التي يخوضها موريتانيون ضد وطنهم، لأننا كلما انجلى الغبار تكشف للذين يسارعون في هذه الحملات أنهم مخطئون ولات حين مناص..
ألا تتذكرون يوم سارع المرجفون في التخويف والتخوين عندما قرر رئيس الجمهورية طرد الصهاينة من بلاد المنارة والرباط؟ وعوَل البعض يومها على أصدقاء اللوبي الصهيوني فانقلب الوطن بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء..
ولن ننسى يوم قرر رئيس الجمهورية بحنكته وحكمته أن يجنب الوطن ويلات "الحريق العربي"، وثارت ثائرة القوم، وخرجوا يبغون الفتنة، وشكلوا المجالس الانتقالية الوهمية، ونادوا بالرحيل، وأقسموا بالله جهد أيمانهم لن يعود، فأنزل الله سكينته على الموريتانيين وألزمهم كلمة العافية والتقوى وكانوا أحق بها وأهلها..
ولن يغفر الموريتانيون لهؤلاء يوم وقفوا ضد الوطن عندما قرر رئيس الجمهورية أن يردع عصابات الجريمة والإرهاب في "حاسي سيدي" و"وغادو"، وقالوا لا تنفروا في الحر، وزعموا أنها حرب بالوكالة، ولكنهم كبتوا عندما أوقفت شجاعة الرئيس تهديدات الخارج، وجنب القائد جيشه الانزلاق في المستنقع المالي، وكان فضل الله عظيما.
ولقد أخطئوا في حق الوطن وقالوا بالصدفة عندما تسنمت دبلوماسيتنا قيادة الاتحاد الأفريقي، وتمنوا الطوفان والمطر والفشل عندما قرر رئيس الجمهورية أن يعقد القمة العربية تحت خيمة الأصالة، وشوشوا على نجاح الوساطة الموريتانية في غامبيا، ودافعوا عن الخارج على حساب بلدهم، رغم أن ذلك من موبقات السياسة وكبائرها التي لا تغتفر..
لقد آن الأوان لكي يلتزم الجدل السياسي حدود الوطن، وأن تكون الحريات الواسعة التي تنعم بها البلاد فرصة للتعمير والبناء وإعلاء المنجزات الكبيرة الملموسة التي عرفها الوطن خلال السنوات الأخيرة، آن الأوان لتلتف القوى الوطنية حول خطاب التنمية والاستقرار الذي أرسى دعائمه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وتدافع عن راية الدبلوماسية الموريتانية في كل مكان..
ففي عصر العولمة لا يمكن لأحد أن يتوهم أنه يعيش في "جزيرة" الأوهام المعزولة، ومن السذاجة أن نصدق أن رياح "الحريات والثورة" يمكن تصديرها من "مشيخات" الأنظمة الوراثية كما يصدر النفط والغاز..
ولم يعد مقبولا أن تبلغ المهاترات السياسية حدَ النيل من قرارات السيادة، ولا ينبغي أن تشغلنا قشور الديمقراطية عن مصالح الوطن في وقت تعصف فيه الزوابع العاتية بدول عريقة وأنظمة عتيدة، والوطن غفور رحيم ولكنه - ولله المثل الأعلى - لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..