الحلقة الخامسة
وصلنا في الحلقة الماضية إلى بداية حكم عزيز.
وقبل أن ندخل فيه أؤكد أن جميع ما في موريتانيا الآن من ما بينه الرئيس الحالي أو سكت عنه من سلبية إدارة الدولة كدولة من طرف جميع أجهزتها وزراء وولاة وأجهزة أمن إلى آخره بدأ مع الديمقراطية الفوضوية الحالقة الماحقة لكل أصول اساسيات وجود الدولة.
والبداية كانت من أعوام معاوية الأخيرة حيث بيعت سيادة الدولة لأصحاب الأصوات الذين جيء بهم مكفنبن في أثواب اللوائح العامة مع: الكتاب: النسائية الإجبارية بما يسمى نوابا وشيوخا يرى عليهم آثار البداوة ولا يعرفهم أحد، لا يحسنون إلا قول عاش الملك المفدى في جلد رئيس منتخب، في أسوأ عملية انتخابية ما زال معمولا بها حتى الآن.. لأن كل نتائجها تابع لتحرك السلطة مدنيين وعسكريين ووجهاء قبائل وبالأموال العامة ورشاوى التوظيف المنفذ والمؤمل.
وما زال ذلك الوضع كذلك حتى ذكره الرئيس الحالي بأدب إشارة الصديق إلى مساوئ صديقه، وهكذا ما زالت إرهاصات الحالي والمستقبل توحي باستمرار ما كان يقع وسببه أن المأمورية خمس سنوات فقط نصفها الأول لقضاء دين اختيار الاقتراع والانضمامات إلى آخره والنصف الآخر لتقديم الدين من التعيينات والصفقات انتظارا للاقتراع إلى آخر ما نعرف جميعا من منكر الانتخابات، وكيف يقع ذاك المنكر.
أما التبرع بالتضحية لإنشاء رفاهية عامة للمواطنين بوضع اليد وضعا مباشرا على الثروات كلها، واستدعاء الخبراء لتحصيلها لصالح الشعب.. وطرد والبطش بكل من يتطاول سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ضد المصلحة العامة للدولة وأنواع الإجرام وكل من يطمع في أخذ ما لا يستحق حتى يقول له الشعب هكذا فهمت قوله تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} إلى آخر الآية.
فتلك حلقة مازالت مفقودة في البلد.
وعلى العموم، فإن أوضح تلك المساوئ المستمرة هي التي تمثلها الحكومة الحالية وأشباهها من قبل أسوأ تمثيل، وهو غلق الأبواب غلقا محكما دون مقابلة المواطنين لطرح مشاكلهم.
ويستثنى فقط من قال إنه نائب، أو من جاء إثر مكالمة من صديق أو مسؤول عسكري أو مدني.
ومن المؤسف أن كل توجيهات الرئيس الحالي في فتح الأبواب لحاجات المواطنين لا يفهم الوزراء من كلمة الشعب إلا النواب. وهذه السنة السيئة بدأت هي الأخرى مع ديمقراطية تحطيم الشعب عند ما وزعت أيام معاوية توصية باعتبار المنتخبين فتجسدت آنذاك وحتى اليوم وغدا مرورا بزمن عزيز.
تلك سلم إهانة نصبتها الحكومات للمواطنين تبدأ من البواب إلى الكاتب الخاص، والمدير، والأمين العام، قبل الوزير كلها عقبات إهانة للمواطن الذي لا نائب ولا صديق عنده للوساطة..
ومن المؤسف أيضا أن تعليمات هذا الرئيس عند ما يعطيها يظن أنها ستنفذ وينفذ هو من مكانه الإيعاز العسكري نصف دورة على اليمين: در، ونترجمها للوزراء الاميين في لغة الدستور... "دم تورا دروت: دروت..".
بمعنى أن تعليماته يظنها للعسكر المنفذ وهي لسلم من حديد للحكومات ترعرعت عليها وشابت..
وقبل الدخول في حكم عزيز، أقول فيه بصفة عامة ما قاله أخونا وصديقنا الوزير إسلم بن عبد القادر حيث قال إنه بالرغم من أنه من ضحاياه، فسيقول فيه ما يمليه عليه ضميره من تعاطف.
فأنا كذلك من ضحاياه، ولكن سوف أذكر إنجازاته العملاقة للشعب في "كزرتيه" ومأموريته الأولى. أما تضحيته بي أنا، فقد وجد ملفي ناجحا متقدما في الآلية الوطنية لمكافحة التعذيب، فخط عليه بيده، ليكتب موقع الأخبار العبارة التالية: الرئيس يخط بيده على اسم فلان، وما زالت العبارة في محفوظاته.
وفى الحين هتف بها الوزير الأول على صديق له، كان قد أوصاه على المعاملة بعدالة.
ولكن، أقول له هنا، جزاك الله خيرا لأني كنت عازما أن أدافع بالتي هي أحسن في اللجنة لسلوك طريق إلى الجنة في نظري بدل طريقها إلى جهنم، إن لم تتب من الوقوف مع المجرم والشفاعة فيه طبقا لقوله تعالى: {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين}، ولتسمع ذلك لجنة حقوق الإنسان، فهي كذلك للمجرم خصوصا. أما الإنسان الضحية قتيلا أو مجروحا أو مفقرا أو معتدى على عرضه فيكفى دفنه إذا مات وسجن المجرم أياما معدودات تحت الرعاية المباشرة للجان رعاية أصحاب الإثم والعدوان.
وكأن الرؤساء لم يسمعوا قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} إلى آخر الآية.
وبالعودة إلى أيام عزيز، أقول إنه لا شك إن "كزرته" ومأموريته الأولى كان نفعه فيهما أكثر من ضره. فلولا أيامه تلك لكنا الآن لا نرى بالعين المجردة لقيامه بالمصالح التالية:
أولا: نجاح انقلابه ليتدارك الأنفاس الأخيرة للدولة التي بيعت سيادتها لرجال الأعمال ووجهاء القبائل ببداوة الديمقراطية العبثية.
ثانيا: نظر إلى الموارد فوجدها كثيرة؛ ونظر إلى الشعب فوجده قليلا وفقيرا فقال كما هو عازم عليه، وهو استرجاع الأموال من جميع رجال الأعمال، ولا سيما قرباء معاوية، وأمثالهم، لينفقها في مصالح الشعب، فقال من قلبه تصريحه المشهور، إنه رئيس الفقراء. وهو فعلا آنذاك كان فقيرا بالنسبة لزملائه.
فأرجع الأموال بنصف صلاحيته للرئاسة الشرعية بما أودع الله فيه منها، وهي شجاعة الرجولة وتنفيذ العزم والتوكل على الطبيعة الخاصة به إن لم يحضر التوكل على الله.
فالرئاسة الشرعية لا بدلها من الآتي:
أولا: الحكمة والثقافة والتشاور:
ثانيا: العزم والرجولة والشجاعة الطبيعية،
فهو تلبس بالآخرين ولا مكان عنده للأولين.
وقام فعلا بإخلاص ببناء المنشآت التحتية في جميع الوطن وبنى منشآت عملاقة لولا هو لما وجدت الآن.
فبضرباته الأولى القاتلة، خافه منها المقاولون الذين كانوا لا ينفذون من تعهداتهم إلا سحب ما في الفواتير كبيرة الحجم قليلة التنفيذ، كما أن سمعة الدولة في زمنه طارت في الأفق مشرقة ومغربة بمعنى أنه في مأموريته الأولى لم ينس الإيعاز العسكري "إلى الأمام سر..".
وهذا الإيعاز يحتاج أن نترجمه كسابقه إلى جميع حكوماتنا الأميين، وعجمة مدارسهم في لغة دستورهم، وتلك معجزة خاصة في دولتنا من حقها أن تقود خصوصيتنا في المتاحف الدولية.. فترجمة الإيعاز بلغة الرئيس والحكومة: آنذاك "دفاه مارش...".
ومنه نعود إلى حياة عزيز في "كزرته" الأولى والثانية، ومأموريته الأولى، فقد قسم خيرات الدولة آنذاك ثلاثة أقسام؛ قسم للشعب، وقد تقدم ما ترك به من آثار ماثلة للعيان لصالح الشعب.
وقسم لإنشاء رجال أعمال جدد، يمكن سحب الأموال من أنابيبهم المالية دون إزعاج إلى حسابه هو الخاص على المدى القريب والبعيد.
فالإنسان لا حدود لأمله في حياته الدنيا.
وهذا القسم المنزوع من القسم الثاني، هو القسم الثالث، بمعنى قسم للشعب وقسم لرجال الأعمال، ويتولد منه قسم خاص به: أمه الصفقات، وأبوه الضرب بيد من حديد لغير رجال أعماله الجدد، ولو كانوا من أقرب المقربين إليه.
وتلك خصلة فيه، فطبيعته إذا غضب، فكأنه في الآخرة لا نسب ولا صداقة بينه مع أي أحد ذكرا كان أو أنثى إلا عن طريق المادة.
فلو كان يترك قريبا لقرابته لترك ابنة عمه السيدة: خت.
ويلاحظ هنا أنى لم أذكر ما تخلل حكمه من سلطة اعل وسيد رحمهما الله. فاعل رجل منزو لا يتطلع لأي رزق إلا الرزق الذي يقال عن الضب.. وقد جاءه منه كثير صدفة دون أي مقابل إلا بالعمل بالسكينة دون ازعاج لأي أحد فحتى في مهنة مسؤوليته يترك الإزعاج لغيره من غير أي تدخل.
فوظيفته التي دامت أكثر من عشرين سنة جعلها مثل: شمامة: خذ خيرها ولا تزعج أى أحد بسببها. فأهل المهنة: مكفى سعيد.
أما سيد فكانت خبرته الاقتصادية وعفافه عن المال العام يمكن أن يخلق بها طريقة تنموية مدنية يعيش فيها الشعب بكل هدوه ولكن حرص الجنرالات على استرداد انقلابهم لم يترك لاعل ولا سيد أثرا لرئاستهما.
وأعانهم على ذلك وجود كتيبة من النواب مثقفة تجيد الكلام وتبلغ هدف القيادة المؤمل فيها كل الخير بمعناه الدنيوي، كل ذلك عجل بما نفذه عزيز وحده في أمانته الرئاسية، فبدلا من'الحجاب عليها شربها على نغمات عزف الكتيبة النيابية.
وإلى هنا ينتهي مجال عمل الرئيس عزيز الأول في مأموريته بخيره الكثير وشره القليل الذي تخلله شربه لأمانته.
ومن هنا يبدا الرئيس عزيز مأموريته الثانية، وقد وقفت له الرئاسة على أربع وقد ذاق "طعيمتها" بكل جوارحه.
وإلى الحلقة القادمة بإذن الله