ظاهرة الغش في الامتحانات من أخطر ما يواجهه التعليم اليوم، لما تمثله هذه الظاهرة من تزييف لحقيقة مخرجات التعليم وتدمير لقيم المجتمع، فالغش عبارة عن متلازمة ثلاثية معروفة، تتكون من الكذب والسرقة وخيانة الأمانة، تبدأ في الامتحانات، وتنتهي إلى كل مناحي الحياة.
ويعود وجود هذه الظاهرة وتفشيها إلى عدة أسباب من أهمها: إحساس الطالب بضعف قدراته وعدم تقديره المسؤولية، أو الخوف والقلق من الامتحانات، وتهاون المراقب، مما يجعل الفرصة سانحة للغش، بالإضافة لرغبة الطالب القوية في الحصول على درجات عالية أو خوفه المزمن من الرسوب، وضعف الوازع الديني عند البعض، وهناك من يلجأ إلى الغش حبا للمغامرة والتحدي.
ويعتبر كثير من الناس استخدام الهاتف النقال أخطر أنواع الغش، نعم لا خلاف أنه وسيلة تساعد على الغش، لما يوفره من إجابات جاهزة وكم كبير من المعلومات الواردة والصادرة، ولكن الواقع والحقيقة أن استخدام الهاتف أثناء الامتحان ليس أخطر أساليب الغش، بمعنى أن أي مراقب يقظ قام بدوره على الشكل المطلوب سيكتشفه بسرعة، ويصادر الهاتف، زيادة على ذلك هناك تحد كبير تسببه كمية التوتر والهلع الكبيرين التي يصاب بها مستخدم الهاتف تعيق الاستفادة منه بشكل جيد، مما يجعل الطالب يرتكب أخطاء عديدة أثناء الكتابة من الهاتف، هذا في أحسن الأحوال.
إن أخطر أنواع الغش وأكثرها احترافا وظلما بينا للتنافس بين الطلبة هي ظاهرة تتعلق بأوراق الإجابات الجاهزة، التي تُعالَج خارج قاعات الامتحان من طرف "أساتذة" أو طلاب جامعيين مقابل مبالغ مادية معتبرة، حيث تضم الإجابة النموذجية، يكتب عليها اسم ورقم المستفيد، لا ينقصها سوى التسليم والتوقيع بعدها.
تبدأ العملية بجلب من يقوم بالإجابة نيابة عن الطالب الممتحَن، ثم بعد ذلك يبحث عن أفراد من "الأمن" للتعامل معهم لتأمين خروج الموضوع، إن هم فشلوا في تسريبه عبر الهاتف، ثم بعد ذلك تأمين دخول ورقة الإجابة، والمرحلة الأخيرة والحاسمة هي البحث عن المراقب في تلك القاعة لإقناعه بقبول الورقة أو عدم إرفاق أي ملاحظة أو تقرير عنها، إن هو اكتشف عدم شرعيتها، هذا إن تمكن المراقب من رصدها أصلا.
هناك ثغرة أخرى تساهم في حَبك العملية، حيث يبدأ التخطيط من اليوم الأول، يقوم بعض الطلاب بإخراج كم هائل من أوراق الإجابة غير المستخدمة بحجة أنها تسويد، والتي يكون مكتوبا عليها بكالوريا لتلك السنة لاستخدامها في الأيام الموالية للمواد الأساسية، نسمع عن هذه العملية سنويا، ويُتحدث عنها باستمرار في أوساط الطلاب ووكلائهم.
أحد المراقبين حكى لي شخصيا أنه شاهد مجريات مماثلة لهذه العملية، أثناء رقابته للباكلوريا في إحدى الولايات الداخلية، التي يقصدها كثير من الباحثين عن الغش، وقد أحبط هذا المراقب السنة الماضية محاولة إدخال 12 ورقة إجابة في مادة الفيزياء، عولجت خارجيا، وتستحق العلامة الكاملة.
المثير في الأمر أن الطلاب الذين كانوا مستفيدين من هذه الأوراق لم يكن باستطاعتهم التمييز بين الرياضيات والفيزياء، ليكتشف المراقب بسرعة أن جميع تلك الأوراق كتبت بخط يد واحدة، وبدون أي محو، وباستخدام أوراق تبدو عليها آثار الطي، أخرجت من القاعة في اليوم الأول للامتحان، ليكتشف بعد ذلك عملية معقدة، تتبع سلسلة من الخطوات المدروسة، هدفها تسريب المواضيع وحلها، وإعادتها إلى الأقسام بواسطة عناصر أمنية.
تنتشر مثل هذه الظاهرة في المراكز القريبة من نواكشوط، وتشارك فيها مجموعات تربوية وأمنية، وتُنشَأ من ورائها إمبراطوريات مالية كبيرة.
إننا أمام تحد كبير من أجل إصلاح منظومتنا التعليمية، وهذا التحدي يتجسد في ظاهرة الغش والأساليب المتبعة فيها، والتي تتطور يوما بعد يوم، وتؤثر على مخرجات تعليمنا بشكل كبير، وبالتالي التأثير على المجتمع ومن يتولون الشأن العام فيه؛ مما يستوجب من جميع المصلحين التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة ومحاربتها.