على مدار الساعة

السنغال: سونكو مناهض فرنسا والثائر في طريق الرئاسة

18 يونيو, 2022 - 16:52

الأخبار (نواكشوط) - عاشت السنغال أمس على وقع احتجاجات شهدتها العاصمة وبعض مدن الداخل، رفضا لعدم قبول المجلس الدستوري ملفات ترشح بعض قادة المعارضة، في طليعتهم عثمان سونكو المعارض الحاضر بشكل لافت في المشهد السياسي السنغالي، والإسم الأكثر تداولا الآن في البلاد.

 

 

ابن الوظيفة العمومية

من أبوين موظفين، رأى عثمان سونكو النور في 15 يوليو 1974 في مدينة "تييس" على بعد نحو 70 كلم شرقي العاصمة داكار، وترعرع أساسا في "كازامانس".

 

 

وكما تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس مختلفة، تابع عثمان سونكو تعليمه العالي في جامعات سنغالية متعددة، فقد حصل عام 1999 على شهادة "المتريز" في القانون العام من جامعة غاستون بيرج في سان لوي.

 

 

وفي نفس السنة تصدر فوجه في امتحان دخول المدرسة الوطنية للإدارة بالسنغال، وتخرج منها عام 2001، وانخرط في الإدارة العمومية السنغالية.

 

 

عمل سونكو بمصلحة الضرائب في "بيكين" ضواحي داكار، كأول منصب يشغله، وبالتوازي مع ذلك تابع دراسته العليا ليحصل في العام 2003 على شهادة في الدراسات المعمقة في المالية العامة والضرائب من جامعة الشيخ أنتا جوب.

 

 

وإلى جانب تلك الشهادات، يحمل عثمان سونكو شهادة الماستر في التسيير والمالية العمومية، كما أنه طالب في سلك الدكتوراه في القانون العام الاقتصادي والضرائب، بجامعة جان مولان ليون 3.

 

 

عمل سونكو وهو مفتش رئيسي للضرائب والمجالات، في بداية حياته المهنية كمدقق ضرائب، ورئيس قسم تدقيق الضرائب، ثم كمسؤول عن قطاع العقارات، كما كان مدققا داخليا مسؤولا عن صياغة مدونة الأخلاقيات لإدارة الرقابة الداخلية في دائرة الضرائب العامة.

 

 

بداية التمرد

بعد سنوات من العمل الإداري، شارك عثمان سونكو في تأسيس "النقابة المستقلة لوكلاء الضرائب والمجالات"، وشغل منصب أول أمين عام لها من ابريل 2005 إلى يونيو 2012، قبل أن يصبح لاحقا أمينها العام الشرفي من يونيو 2012 إلى أغسطس 2016.

 

 

خلال هذه الفترة بدأ سونكو في انتقاد الحكومة، واتهام الدولة بارتكاب انتهاكات في قضايا المالية العامة والميزانية، واتهام الرئيس ماكي صال أيضا بذلك.

 

 

وأمام تزايد الانتقادات والاتهامات، بدأ الكثير من السنغاليين التعرف على عثمان سونكو من خلال وسائل الإعلام المحلية، التي اهتمت كثيرا بتصريحاته.

 

 

وستزداد شهرته أكثر، بعدما تم تجريده من منصبه بموجب مرسوم موقع من الرئيس ماكي صال، يحمل رقم 2016-1239، وذلك بتهمة انتهاك حق التحفظ.

 

 

وكان سونكو قبل هذا التجريد بعامين، قد أسس حزبا سياسيا تولى رئاسته، وظن بعض منتقديه، أن ذلك لا يعدو انخراطا في موجة الأحزاب السياسية الشبابية التي تعرفها العديد من دول القارة الإفريقية حينها.

 

 

طموح قيادة السنغال   

شكل تأسيس عثمان سونكو حزب "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف اختصارا ب"PASTEF" عام 2014، البداية الفعلية لانخراطه في الحياة السياسية.

 

وقد واصل سونكو بعد فصله من الوظيفة العمومية، انتقاده الحاد للسلطة، وللبرلمانيين، الذين كثيرا ما اتهمهم ب"عدم الكفاءة"، و"عدم معرفة" القضايا التي يطرحونها، وب"التحكم فيهم عن بعد من طرف القصر".

 

 

وقد لقي خطابه صدى جماهيريا كبيرا، وتجسد ذلك بشكل عملي، في انتخابه لأول مرة نائبا في الجمعية الوطنية خلال انتخابات 2017 التشريعية.

 

 

وتمهيدا لانتخابات 2019 الرئاسية، أصدر عثمان سونكو في يناير 2018 كتاب "البترول والغاز في السنغال. النهب المزمن"، اتهم فيه بشكل مباشر الرئيس ماكي صال ومحيطه ب"سوء إدارة الموارد الطبيعية" للبلاد.

 

 

وفي 16 سبتمبر 2018، تقدم عثمان سونكو بملف ترشحه لانتخابات 2019 الرئاسية، وذلك للمرة الأولى في تاريخه، وقد كان مفاجأة السباق الرئاسي حيث حل ثالثا بنسبة 15% من أصوات الناخبين.

 

 

لكنه اتهم السلطة ب"تزوير الانتخابات"، وقال إن المعركة مستمرة، من أجل تغيير ما يعتبره نهجا لا يستجيب لتطلعات السنغاليين.

 

 

تهمة الاغتصاب

في 3 من مارس 2021 مثل سونكو أمام محكمة في العاصمة داكار، للرد على اتهامه ب"اغتصاب متكرر" و"تهديدات بالقتل" لشابة تعمل في صالون للتجميل، وهي التي تقدمت برفع شكاية ضده.

 

 

وقد رفض كل التهم الموجهة له، واعتقل لأيام قبل أن يفرج عنه بحرية مؤقتة، على وقع احتجاجات واسعة عرفتها داكار وبعض مدن الداخل رفضا لاعتقاله، وأسفرت عن قتلى وجرحى وخسائر مادية كبيرة.

 

 

وقد دعا سونكو بعد خروجه إلى مواصلة الاحتجاج بطريقة سلمية، وأكد أن السلطات السنغالية تريد من خلال "هذه التهم تشويه سمعته"، لكن "الشعب يدرك حقيقة الأمور".

 

 

وقد هدأت الأمور، وظل سونكو يتمتع بحرية مؤقتة، لكن تلك التهم الموجهة إليه كانت من ضمن الأسباب التي رفض على إثرها ملف ترشحه للانتخابات التشريعية المقررة نهاية يوليو المقبل.

 

 

عين على رئاسيات 2024

ينشط عثمان سونكو منذ خسارته في رئاسيات 2019 بقوة من أجل التهيئة لأن يكون خليفة لماكي صال في انتخابات 2024، التي لا يسمح الدستور للرئيس الحالي بالترشح لها.

 

 

ويشكل تحالف "يوي أسكان وي" الذي يقوده إلى جانب عمدة داكار السابق الخليفة صال - الذي يعد أحد كبار معارضين ماكي  صال، وقد سجن بتهمة فساد خلال تسييره بلدية داكار عام 2009، وخاض انتخابات 2017 التشريعية فانتخب من داخل السجن، ما يؤشر على قوة شعبيته - أحد مظاهر الاستعداد للرئاسيات المقبلة.

 

 

ويثير رفض ترشح سونكو الآن للانتخابات التشريعية، مخاوفه وأنصاره من أن يرفض كذلك ترشحه لرئاسيات 2024، التي أعلن في وقت سابق أنه سيترشح لها، ويشكل في الوقت الحالي، أحد أبرز الأسماء المرشحة من طرف الشارع السنغالي للفوز فيها.

 

 

ومقابل تلك المخاوف يقول سونكو إن ماكي صال يسعى لتغيير الدستور من أجل ولاية رئاسية جديدة، فيما يلتزم الرئيس الصمت حتى الآن بشأن نهاية ولايته الثانية التي ستتزامن مع بدء البلاد في إنتاج الغاز.

 

 

مناهضة الحضور الفرنسي

لا يخفي عثمان سونكو موقفه المناهض للحضور الفرنسي في إفريقيا، ويعتبر وجودها من أجل "نهب الثروات" الكبيرة التي تتوفر عليها القارة.

 

وسبق أن اتهم الرئيس السنغالي ماكي صال بأنه "رجل فرنسا"، وانتقد زيارته لروسيا ولقاءه في سوتشي رئيسها فلاديمير بوتين، معتبرا أنه يحاول بذلك "فك الحصار عن أوكرانيا، في حين أنه يفرض حصارا على مالي".

 

ويوجه سونكو في خطاباته من حين لآخر رسائل إلى فرنسا والقوى الخارجية بشكل عام بشأن "البقاء خارج الشؤون الداخلية للأفارقة، والسنغاليين بشكل خاص".

 

وسبق أن دعا فرنسا مرات عدة إلى "إنهاء عهد الوصاية" واختيار القادة محل الشعوب"، معتبرا أن "إفريقيا الجديدة، والشباب الإفريقي، والنخب الإفريقية، والجاليات الإفريقية في الخارج ترفض استمرار ذلك".