تُعرف المشاريع بأنها مجموعة من الأنشطة المترابطة غير الروتينية التي يقام بها لتحويل وضعية غير مرغوبة إلى وضعية مرغوبة، في زمان ومكان محددين، وغالبا ما تكون مدة المشروع مساوية لعهدة انتخابية وهذا ما يفسر اهتمام الساسة بها بالإضافة لانسجامها في الغالب مع أهداف الاستراتيجيات الوطنية والبرامج الانتخابية، فهي روافع حقيقية للجهد التنموي في الدول النامية بشكل عام وبلادنا بشكل خاص، فمعظم الوزارات تعتمد بشكل رئيسي على المشاريع في تنفيذ برامجها.
تمر دورة حياة المشروع بأربعة مراحل أساسية هي البدء والتخطيط والتنفيذ والإنهاء ففي المرحلتين الأوليتين يتم فيهما تحديد المشروع ومتطلباته وأهدافه كما توضع استراتيجية التنفيذ وطريقة الانجاح، بينما يتم تنفيذ الأنشطة في المرحلة الثالثة، أما الرابعة فتهتم بالتقييم واستقاء الدروس والعبر للمستقبل.
لا يخفي على أحد اليوم حجم الإحباط والتململ الذي يصيب القيادات العليا في البلد بسبب تعثر جهود التنمية نتيجة فشل المشاريع والبرامج الإنمائية في تحقيق الأهداف المنوطة بها، بالرغم من توفر موارد تقدر 1,4 ترليون اوقية قديمة ووجود ما يزيد على مائة مشروع وبرنامج تغطي معظم القطاعات الحيوية في البلد.
بدأت الجهات العليا مؤخرا سلسلة من الإجراءات تمخضت عن إنشاء إدارة مختصة بالمتابعة، ولقاء الوزير الأول ثم رئيس الجمهورية شخصيا بمنسقي المشاريع، وإجراء تشخيص لوضعية محفظة المشاريع الممولة خارجيا.
نتفهم عجز بعض الحكومات عن توفير وعودها بتوفير الخدمات والاحتياجات الرئيسية لشعوبها بسبب نقص الموارد وقد تفلس دولها أحيانا، لكن أن يكون العجز في ظل امتلاء خزائن الدولة بالمنح والقروض فأمر يصعب تقبله حقيقة.
من المفارقات العجيبة أننا نركز على إرشادات البنك الدولي في حين أن المُمول الرئيسي لجهود التنمية في البلاد هو الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بواقع الثلث متفوقا بذلك على البنك الدولي، وأن الصناديق العربية والإسلامية تتجاوز عتبة النصف على حساب بقية دول وهيئات العالم.
أسباب التعثر
لا شك أن أهم أسباب تعثر المشاريع تعود لمشاكل هيكلية وأفقية تعاني منها الحكامة في البلد بشكل عام وستجدها عقبة في كل مناحي الحياة وهي شرُ نتعايش جميعا معه بصورة أو بأخرى، لكن ما سنركز عليه هنا هو الأسباب الخاصة المتعلقة بتعثر المشاريع التنموية.
من الملاحظ أن الاهتمام يقتصر فقط على مرحلة الإنجاز على حساب بقية المراحل واعتبار الأخيرة مجرد مراحل صورية يفرضها الشركاء ويتعامل معها على ذلك الأساس، ويُعد ذلك نقطة ضعف معظم مشاريعنا، فتجد أن الخبراء المكلفين بالدراسات الأولى يتسكعون في الدوائر الحكومية عاجزين عن لقاء المسؤولين المعنين وإن نجحوا وتحصلوا على موعد فلن يتجاوز دقائق معدودة، وهذا ما يدفع الخبراء لإنجاز تلك الدراسات حسب بما توفر والاكتفاء بذكر أسماء شهود الزور، إن إهمال تلك المراحل يؤدي إلى تصميم مشاريع لا تستجيب لتطلعات المستفيدين وأولياتهم ولا تحل مشاكلهم ولا تتجنب أخطاء الماضي، وبالرغم من ذلك فسيتم التوقيع على معاهدة التمويل وإجراء المصادقات الضرورية دون الاكتراث لنجاعة المشروع ويعود ذلك حسب اعتقادي لغياب المسؤولية المباشرة، فوزارة الاقتصاد تعتبر نفسها مجرد وسيط بين المُمول والوزارة المستفيدة والأخيرة ترى أنها مجرد عنوان مؤقت، حيث سيتم تعيين وحدة تنسيق مستقلة ستحصد النتائج، بينما تكون حصيلة الوزارة مجرد أتعاب التحضير، لذلك تفضل التركيز على مهامها الرئيسية.
غالبا ما يميل المٌمول للاهتمام بالأنشطة الناعمة كالدراسات والاستبيانات ويرصد لها موارد معتبرة، بينما يكتفي الطرف الوطني بالتوقع على البياض وعند التنفيذ يبدأ التململ والشكوى من قلة إدراج الأنشطة كالبنى التحتية والاقتناء؛
من الأسباب الرئيسية أيضا قلة خبرة وضعف مهنية وإمكانات مؤسسات المقاولة الخاصة، حيث تعجز غالبا عن إنجاز المقاولات في الآجال المحددة وبالجودة المطلوبة، ويعود ذلك لمناخ الأعمال غير الصحي السائد، والذي يسبب نفور المقاولين الجادين؛
إن غياب المتابعة الجادة وضعف أداء مجالس التوجيه يدفع وحدات تنسيق المشاريع للاهتمام بأنشطة بعينها قد تكون ثانوية على حساب أخرى مهمة لدواعي معروفة؛
من أهم أسباب التعثر أيضا ضعف أداء اللجان الوطنية لتمرير ومراقبة الصفقات العمومية حيث تعتبر عقبة كأداء أمام تنفيذ المشاريع في الآجال المحددة.
نصائح وإرشادات:
- الاهتمام بكافة مراحل المشاريع لتجنب الاختلالات الملاحظة؛
- إنشاء إدارات متخصصة معنية بمتابعة المشاريع من البداية وحتى النهاية في الوزارات التنموية الهامة؛
- تعزيز الجهود المقام بها في مجال إصلاح مدونة الصفقات العمومية؛
- إعطاء العناية لاختيار مجالس توجيه المشاريع؛
- تعزيز التنسيق بين وزارة الاقتصاد والوزارات المستفيدة؛
- فرض إجبارية مصادقة وزارة الاقتصاد على دراسات الجدوى الاقتصادية والدراسات التقييمية النصفية والنهائية؛
- تصنيف مؤسسات المقاولة الخصوصية حسب قدرة الإنجاز وإدراج لائحة سوداء للمؤسسات المتعثرة؛
- اختيار المنسقين حسب معايير الكفاءة والابتعاد عن الترضيات السياسية.