من بين المشاهير عالميا " كريستي براون " الكاتب والشاعر الأيرلندي، الذي ولد وهو مريض بالشلل وقد تعلّم الكتابة بقدمه اليسرى ، ونُشرت سيرته الذاتيةبعنوان قدمي اليسرى عام 1954 ، وهناك نماذج أخرى كثيرة ممن تغلبوا على ما أصابهم مثل الشاعر الإنجليزي "جون ميلتون " الذي كان كفيفًا عندما كتب ملحمته الرائعة " الفردوس المفقود ".
وحسب تقديرات المنظمات الدولية فإن شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة في عصرنا الحاضر ، أصبحت تمثل ما بين 10 ـ12% في كل مجتمع ، وقد دفعت هذه النسبة المرتفعة العديد من الدول المتقدمة الى العمل بجدية على تلبية الاحتياجات الخاصة للمعاقين ومساعدتهم على الخروج من العزلة بادماجهم بصورة طبيعية في المجتمع عبر تكوينهم وتاهيلهم والسماح لهم بتولي مختلف المهام والمسؤوليات .
وقدعكست القوانين العالمية والمحلية الخاصة بذوي الاعاقة تزايد الاهتمام الدولي بهذه الشريحة ، وسعت إلى منح المعوقين حماية قانونية وتم عقد العديد من المؤتمرات الدولية التي ناقشت قضايا المعوقين، وتوصلت إلى توصيات بحقهم ، وحددت مسؤولية المجتمع الدولي حيالهم .
وقد كانت البداية الفعلية من العام 1975م حيث صدر إعلان من الأمم المتحدة يقر صراحة: ب " وجوب احترام الكرامة الإنسانية للمعوقين، وحماية حقوقهم الأساسية ، أُسوة بأقرانهم في المجتمع، بغضِّ النظر عن مصدر أو طبيعة أو شدة إعاقتهم ".
بعد ذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1981م عامًا دوليًّا للمعوقين، وحثت الدول والشعوب على التوصل إلى حلول عملية لتأهيل وتكوين هذه الشريحة .
وفي عام 1983م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة "برنامج العمل العالمي للمعوقين" الذي أكد على حق هذه الشريحة في المساواة ، والمشاركة المتكافئة في أنشطة الحياة المختلفة ، كما تم التوقيع في هذه السنة على الاتفاقية الدولية الخاصة بالتأهيل المهني والعمالة للمعاقين ، وصدرت في هذه الأثناء عدة توصيات لكل الدول بخصوص التأهيل والمساواة في المعاملة بين المعاقين من الجنسين .
وفي نهاية عقد الثمانينيات الذي اطلقت عليه الأمم المتحدة العقد الدولي للمعاقين، تم إقرار الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في 20/ 11/ 1989م، التي خصصت المادة (23) منها للأطفال المعوقين، فمنحتهم حماية خاصة وحياة كريمة وضمنت لهم التعليم والتدريب بما يساعدهم على الانخراط في المجتمع والتمتع بأقصى درجة من الاعتماد على النفس .
بعد ذلك توالت المؤتمرات الدولية والإقليمية للإعاقة والتأهيل، فتم انعقاد المؤتر الدولي الأول خلال الفترة من 7 إلى 10 نوفمبر 1992م ، واختتم المؤتمر الدولي الثاني أعماله يوم 26/ 10/ 2000م، كماعقد المؤتمر العالمي لمجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل أربع دورات ، كان آخرها من 10 إلى 12 فبراير 2001م بالخرطوم .
وقد تأثرت موريتانيا كغيرها من الدول النامية بالاهتمام العالمي بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة ، واستأنست بالوثائق الدولية واستفادت منها في هذا المجال وخاصة تلك المواثيق التي تضمن لأصحاب الاعاقة نفس الحقوق والمزايا التي يتمتع بها غيرهم في البلدان المتقدمة ، فأصدرت قانونا مثاليا بالمقارنة مع الواقع الحالي لهذه الشريحة وهوالقانون رفم 043 /2006 الذي يلزم أي مرفق او مؤسسة تقدم خدمة عامة بتوفير مدرجات خاصة بالمعاقين ويساوي بين المعوقين وغيرهم في المسابقات والوظائف ، وينص على استحداث بطاقة خاصة بالمعوق تمكنه من الولوج الى مختلف الخدمات في الدراسة والتنقل والعمل ..
ومع أن هذا القانون ما زال ينقصه التطبيق ويحتاج الى مواءمة مختلف النصوص المعمول بها ، فقد صادقت بلادنا في خطوة أخرى متقدمة سنة 2009 على الاتفاقية الدولية الخاصة بالمعوقين، ووقعت كذلك على البروتوكول الخاص بهذه الاتفاقية الذي يعطي للمنظمات العاملة في هذا الميدان الحق في الاحتجاج والتقاضي في حالات اختراق الحقوق لشريحة اصحاب الاعاقة ، كما تم إنشاء مجلس وطني متعدد القطاعات لترقية وحماية الأشخاص المعاقين ، فضلا عن إلزام الجهات المعنبة باكتتاب 5% من أي اكتتاب يتجاوز 20 عنصرا، بالإضافة إلى تقديم منح مالية محدودة للمنظمات التابعة للفيدرالية الموريتانية للجمعيات الوطنية للاشخاص المعاقين .
ومع ذلك فإن شريحة المعوقين لاتزال عرضة للتهميش والتجاهل من طرف الهيئات المختصة ، لأن القوانين ما زال ينقصها التطبيق ، والدولة لم تتكفل سوى ب 55 طفلا معوقا ، كما أن القطع الأرضية الممنوحة للأشخاص المعوقين لم تتجاوز 200 قطعة أرضية فقط ، من الأراضي الموريتانية المترامية الأطراف ، والتمييز الإيجابي ، الذي كثر الحديث عنه لم يتجاوز اكتتاب 100 فرد من المعوقين في الوظيفة العمومية ، ولم نر في الأفق ما يبشر بتمييز ايجابي لتمثيل أفراد هذه الشريحة في البرلمان لطرح قضاياهم والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم بعدد يوازي مستوى نسبتهم في المجتمع المقدرة ب 10 ـ12% .
ومع ذلك فإن الدولة تبقى دائما مطالبة بموجب كافة العقود الاجتماعية ، أن تولي عناية قصوى لذوي الاحتياجات الخاصة مهما كانت نوعية إعاقتهم ، وأن تتعامل معهم باحترام وتقدير، وتسمح لهم بتولي مختلف المهام والمسؤوليات ، وتقدِّم لهم ما تستطيع من مساعدة ، بغية تأهيلهم وتدريبهم على العمل المناسب لنوعية الإعاقة ، باعتبارهم أصحاب حقوق ، وباعتبارهم أشخاص أصحاء يمكن إعادة دمجهم في الحياة النشطة ، كما يجب على المجتمع أن يشد على أيديهم ، ويفرح لنجاحهم ويشجعهم على التغلب على الصعاب ويحثهم على المضي قدماً في اتجاه التنمية والعمل والبناء والتألق ، لا أن ينظر إليهم نظرة الشفقة والعطف .
وفي هذا الصدد يقول أحد الشعراء :
لا تقل إني معـــــــــــــاقْ مُدَّ لي كفَّ الأخـــــوّةْ
ستراني في السبـــــــــاقْ أعبرُ الشوطَ بقـــــــوة
ما العمى أن تفقدَ العينُ الضياءْ العمى أن تفقدَ النفسُ الأمــلْ
والذي يسمعُ أصوات الرجـــاءْ لا يبالي إن عرَى السمعَ كلل
رُبَّ طفلٍ مُقعَدٍ ليس يسيرْ ذِكرهُ يسبحُ مابينَ الغيوم
وأمانيْهِ إلى الشمس تطيرْ ومـراميهِ تناجيها النجـومْ
وإذا كانت منظمة الصحة العالمية قد نظرت إلى الإعاقة من زاوية بعينها وعرفتها على أنها : " قصورٌ أو خَللٌ في القُدرات الجسميَّة أو الذهنيَّة، تَرْجِعُ إلى عواملَ وراثيَّة أو بيئيَّة تُعيقُ الفردَ عن تعلُّم الأنشطة التي يقوم بها الفردُ السليم المشابِه في السنِّ، وقد تنشأُ الإعاقة بسبب خَلَلٍ جَسَدي أو عَصَبي أو عَقْلي ذي طبيعة فسيولوجيَّة أو سيكولوجيَّة، تتعلَّق بالتركيب البنائي للجسم " فإنَّ الإعاقة في نظَر الإسلام هي وصف لمَن لم يستعمل حواسه وجوارحه في الوصول إلى الله تعالى والإيمان به، وليس من ابتُلي بإعاقة عقلية أو سمعية أو بصرية .
وذلك لقوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
وقوله جل من قائل: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ .
وبما أن للإسلام تصورا شاملاً للإنسان فقد رفضٍ كل أنواع التمييز وعدم القبول لهذه الفئة الكريمة من البشر، بناءً على اختلافهم في القدرات أو الأشكال ، كما رفض النظرة القاتمة المتأفِّفة ، والمتجاهِلة التي يتميز بها البعض تجاه ذوي الإعاقة ، وبدلا من ذلك فإن الإسلام يرى دائما أن الإنسان إذا ما أصيب بإعاقة جسدية أو نفسية ، فهو مدعو لأن ينظر إلى بقية ما فيه من قيم ومعانٍ وقدرات ، وهذه الدعوة بحد ذاتها تحرير للمعاق ، فلم تكن الإعاقة حاجزاً أبداً إلا في عقول الأغبياء الذين لايدركون أن الإعاقة تكون في تفكير الضعفاء لا في الجسد الذي حرمه الله من إحدى نعمه ، " لأن الله إذا أخذ نعمة من عبده أبدله غيرها "
إن يأخذ الله من عينيَّ نورَهما ففي لساني وسمعي منهما نورُ
ومع ذلك فإن من بدهيات التنمية الشاملة أن المعوق يستطيع في كل الأوقات أن يعيش حياة منتجة وحافلة ، وذلك بالتدريب الملائم والحوافز الخاصة والتأهيل المستمر، فقد ثبت عبر التاريخ أنه قادر حقيقة على الإنتاج ، وعلى المردود التنموي في الكثير من الحالات إذا ما أحسن توجيهه وتدريبه والنظر إليه بشكل علمي متحضر ضمن دائرة المنتجين والمبدعين ، اعتمادا على معادلة الحقوق والواجبات وتنمية الحواس السليمة للاستفادة منها في اكتساب الخبرات المتنوعة والمعارف المختلفة .