الأخبار (كيهيدي) – محمد، با، علي، سميكا، اسويدن، صال، محمد الأمين، انجاي، عبيد، ، كان، لكويري، صار، أسماء وألقاب لأشخاص تحكي سحناتهم قصة التعايش على هذه الأرض، وتفصح كناهم وألقابهم عن قدر التعدد على أديمها، وتروي حكاياتهم تاريخا من الوشائج والقربي والتنوع الثقافي، جمعتهم آصرة الأخوة مع عشرات شاركوا في اللقاءات التي نظمتها جمعية أيادي الأخوة، ونُثرت خلالها الحكايات والتجارب على بساط تشخيص واقع الوحدة الوطنية، وسبل تعزيزها، وآليات مواجهة تحدياتها.
لكل اسم من هذه الأسماء حكاية، وربما حكايات، تلخص في طياتها الكثير من تفاصيل حياة بسطاء هذا الشعب، وتعايش أعراقه بوئام وسلام طيلة عقود، بل قرون متطاولة، ولدى كل منهم تجربة أو تجارب تطبع نظرته للواقع، وتحكم استشرافه للمستقبل، وتحدد مستوى تفاؤله أو تشاؤمه من قادم الأيام.
من بوكي عروس نهر السنغال، إلى كيهيدي درة التنوع، وصورة موريتانيا المصغرة، كما يصفها سكانها، إلى امباني في عمق الريف الهادئ، كانت الحوارات تنساب بهدوء في أغلبها، مع نبرة حزن أو أسف بسبب ظلال ظلم حدث هنا، أو مظهر غبن قائم هناك، لا تلبث هذه النبرة أن تتبدد بسبب قصة انسجام، أو مظهر وحدة وأخوة، أو مفارقة لافتة في علاقات مكونات الشعب الموريتاني.
وعكس الأصوات المتصاعدة هنا أو هناك نصرة لعرق، أو دفاعا عن فئة، أو نزعة نحو انطواء، كانت الجمعية - كما يقول القائمون عليها - عنوانا للجميع، ومكانا لتلاقي الجميع، ومنبرا للجميع، تسعى إليهم حيث هم، رافعة خطاب التعارف والتآخي والتعاون، ومستخدمة في سبيل تحقيق أهدافها مختلف الوسائل المتاحة، وعلى رأسها نشر رسالة الأخوة والوحدة في صفوف الشعب الواحد، وإحياء قيم التعاون والتعاضد، والإرث العميق الممتد لقرون بين مكونات هذه الشعب، دون أن يؤثر فيه اختلاف اللغة، أو العرق، أو السحنة.
تجارب ملهمة
اختارت الجمعية ذات التجربة الرائدة في مجال بناء الأخوة والانسجام الاجتماعي، وتقوية قواعد الوحدة الوطنية، إبراز تجارب تصفها بالناجحة في مجال الأخوة، وذلك بهدف العمل على تعميمها، والاستفادة منها في مختلف مناطق البلاد، فجاءت هذه اللقاءات، التي تنوي الجمعية – كما يؤكد أمينها العام الإمام عبد الله صار – مواصلتها لتشمل المزيد من المناطق والولايات خلال المرحلة القادمة.
ويضيف الإمام صار، في حديث له خلال أحد اللقاءات أنهم يراهنون على قوة التجارب، وقابليتها للتكرار، وعلى صدق القصص، وأهمية التصارح والتصالح والتفاهم، وقبول التنوع، لبناء أسس وحدة وطنية صلبة، وتعزيز جسور الثقة والتآخي بين مختلف مكونات الشعب الواحد.
وشائج صامدة
اتفق المشاركون خلال اللقاءات التي امتد كل واحد منها عدة ساعات، على أن مقومات وحدة الشعب، وأسس تآخيه قوية جدا، وعصية على كل محاولات الهدم والاستهداف.
ويعدد المشاركون في اللقاءات ضمن هذه المقومات الإسلام الجامع لكل الشعب، والنصوص الشرعية الصريحة في الحث على التآخي والوحدة، ونبذ ما يثير الخلاف أو الفرقة، فضلا عن التاريخ المشترك، والذي لم يسجل وقوع أي حروب أو خلافات ذات طبيعة عرقية حتى في عصور ما يسمى بـ"السيبة" والفوضى، وغياب سلطة ناظمة، وسيطرة الإمارات التقليدية والقبائل.
كما يعددون منها الإدراك المتزايد – رغم التحديات – لوحدة الحاضر والمستقبل، والدروس المستفادة من التجارب المريرة للخلافات والصراعات سواء داخل البلاد أو خارجها.
ويقول المسن محمد الأمين كان، إن الصورة الغالبة الآن سواء في كيهيدي، أو في بقية مناطق البلاد تدعو للتفاؤل، وذلك على الرغم من الأحداث والقضايا التي تطفو على السطح من حين لآخر، فهي "عابرة، ووحدة هذا الشعب باقية".
ويقدم المسن كان شواهد على ذلك بعلاقاته شخصيا، سواء في الحي، أو في السلك الوظيفي، وكذا علاقات أسرته، معتبرا أن الأخوة والثقة هي أساس هذه العلاقة، والتي أضحت في مستوى يمكن أن يقارن بالعلاقات النسبية، فجميع أبناء الجيران يعاملونه، ويخاطبونه وكأنه عمهم أو خالهم المباشر.
فيما يتحدث الشاب سيدي المختار الناجي اطفيل عن ضرورة تجاوز المقومات النظرية إلى التطبيق العملي، وترميم الاختلالات ومعالجة الهزات التي تعرضت لها الوحدة الوطنية، سواء ما يتعلق منها بالممارسات الموروثة من حقب ما قبل الدولة الحديثة، أو التي وقعت بعد قيامها.
ويستعرض ولد الناجي اطفيل حكايات وتجارب من واقع علاقاته وطبيعة عمله حيث يدرس في لكصيبه، منبها إلى حاجة المناطق النائية، والطبقات محدودة الفرص في التعليم وفي التوعية بشكل عام لجهد خاص بها لبناء قناعات صلبة، وإقامة جسور ثقة بين الجميع.
وصفات ناجعة
واتفق المشاركون في اللقاءات على خلاصات وصفوها بـ"الوصفات" الضرورية لتقوية دعائم الوحدة الوطنية، وترسيخ الأخوة، وكذا على نشرها بين الناس، وزيادة الوعي بها.
وتصدرت هذه الوصفات زيادة معرفة الدوافع الشرعية، والدواعي الواقعية للأخوة والوحدة، واعتبار هذه القضية بالنسبة للمشاركين أولوية في الخطاب والممارسة، وتعميق التعارف والتآخي، والبناء على المشتركات.
تنوع وأمل..
كما ورد ضمن خلاصات المشاركين التأكيد على ضرورة الاعتراف بالتنوع، والابتعاد على الاستعلاء أو الإلحاق والتكبر على الآخرين، واستثمار الجوانب الإيجابية للتنوع، ومشاركة الجميع أفراحهم وأتراحهم، ومختلف مناسباتهم، مقدمين نماذج وتجارب لأحداث كهذه أدت دورا بارزا في تعزيز علاقة قائمة، أو تغيير نظرة كانت سلبية.
ورأى المشاركون أهمية نشر الأمل بين الناس، والتنبيه على ما تمتلكه وحدتهم من مقومات، وما يعتمد عليه انسجامهم من أركان قوية.