لقد انبثقت فكرة هذا التشاور من رحم تعهدات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ونضجت واختمرت تحت رعايته ومتابعته المباشرة، طبقا لتعبير معالى وزير الداخلية السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين؛ فارس ومهندس هذا العرس الديمقراطي الكبير الذى جاء تكريسا لفلسفة الرئيس فى تجذير خيار النهج الديمقراطي الحضاري، وتجسيد روح الحكامة السياسية الدستورية القائمة على مد جسور التلاقي وخلق مساحات التواصل بين فرقاء المشهد السياسي الوطني؛ تهدئة وانفتاحا يتخذ من الحنكة والحكمة أسلوبا ومن الرزانة والرصانة منهجا ومقاربة.
إن مخرجات هذا التشاور تشكل نصرا سياسيا ثمينا وفتحا ديمقراطيا مبينا؛ أثمر جملة من المكاسب الرائدة والتوصيات الواعدة الممهدة لتعزيز منظومة الإصلاحات السياسية والمؤسسية، وترسيخ قيم الثقافة الديمقراطية؛ ضمانا لشفافية وتطوير وترقية آليات التمثيل والانتخاب فى كل أبعادها القانونية والإدارية والتنظيمية واللوجستيكية، من خلال ما اشتملت عليه بنود الوثيقة النهائية لمخرجات التشاور المنظم بين وزارة الداخلية واللامركزية والأحزاب السياسية حول التحضير التشاركي للانتخابات النيابية والجهوية والبلدية: 2023، سعيا إلى تنظيم "انتخابات توافقية جامعة وشفافة ونزيهة"...
لقد كان وزير الداخلية واللامركزية السيد محمد أحمد ولد محمد الأمين فارس المرحلة ومهندس التشاور، وأثبت بجدارة واستحقاق أن الرئيس أعطى القوس باريها، وأبان طيلة مراحل هذه التجربة عن رؤية عميقة ومقاربة مستنيرة؛ تنم عن دقة فهمه وسعة إدراكه وعمق خبرته وطول مراسه، وتعاطيه مع الفرقاء بأريحية ورباطة جأش وهدوء ووقار، لقد جمع الرجل العديد من الخصال والخلال، وأوتي فصاحة المقال وحصافة الجدال، وحكمة الحجاج وحنكة السجال؛ مستلهما تراثا إداريا باذخا ومسيرة مهنية حافلة بالعطاء والتضحية والتفاني فى خدمة الصالح العام.
وقد عبر الساسة وقادة الرأي وممثلو الأحزاب وفرقاء المشهد السياسي عن إشادتهم وتثمينهم لمخرجات هذا التشاور الوطني الذى يستجيب لتطلعاتهم وطموحاتهم؛ نحو تحقيق مكاسب سياسية وطنية، ستسهم فى تعزيز وترقية النظام الديمقراطي للبلد، منوهين بما ساده من روح الانسجام والتفاهم ومناخ الإجماع والتوافق حول القضايا الوطنية الجوهرية، فضلا عن ما اشتملت عليه مخرجاته من ضمانات سياسية كفيلة بترقية الحياة الديمقراطية، وإشاعة قيم ومبادئ الإنصاف وتوسيع وتنويع قاعدة التمثيل؛ عبر استحداث لائحة وطنية للشباب من الجنسين، وإشراك ذوى الاحتياجات الخاصة في التمثيل البرلماني لأول مرة، وتمكين الجاليات فى الخارج من انتخاب نوابها من بين منتسبيها بشكل مباشر تصحيحا للخلل المعمول به سابقا، فضلا عن مساهمة الدولة فى تمويل الحملات الانتخابية وإشراك الأحزاب السياسية فى جميع مراحل التحضير للاستحقاقات الانتخابية، وغير ذلك من الإجراءات الصريحة والصارمة الهادفة إلى ضمان تحقيق الشفافية فى جميع مراحل الحياة السياسية ومسار الحملات الانتخابية.
شكل هذا التشاور اختبارا كبيرا نجحت فيه نخبنا السياسية بهذا الإجماع المنقطع النظير، وبرهنت على سعيها إلى تجذير خيار النهج الديمقراطي، والتعالي على المصالح الأنانية والابتعاد عن العقلية لبراكماتية الساعية لتحقيق مكاسب آنية، فاللحظة تحتاج إلى نخبة وطنية تواكب تحولا ديمقراطيا، وتصوغ مشروعا توافقيا لتطوير البلد وتقوية حكامته السياسية، وبفضل الله ونظرا لمواكبة رئيس الجمهورية لهذا التشاور وتأطيره، تجاوبت النخب السياسية معه ولعبت دورها التاريخي المنتظر منها، وبذلك تم كسب الرهان السياسي، وتحول الحدث إلى عرس ديمقراطي حضاري، يمهد لعهد جديد من قيم التلاحم والتآز وتعزيز الوحدة الوطنية؛ على أسس الإنصاف والعدالة والمساواة وتكريس دولة القانون والمؤسسات، وترسيخ الإصلاحات الدستورية والتشريعية وتفعيل آليات الرقابة والشفافية، وتحديث أساليب الحكامة السياسية، للوقوف سدا منيعا في وجه المحاولات اليائسة للنيل من لحمتنا الوطنية، والتصدى الحازم لخطاب التطرف والكراهية بفكر ثاقب ورأي صائب، يؤسسان لقيم الحوار والتشاور، باعتبارها أنجع السبل لتحقيق مصالح الإنسان وتنمية الأوطان.