تقتضي مسلمات وأدبيات الحقل السياسي أن يلتزم الأفراد بقرارات الهيئات، والتيارات والتنظيمات الحزبية التي ينتمون إليها، أو يدعمونها ، بعد أن تتخذ هذه القرارات شكلها النهائي، حتى ولو كانت لا تنسجم مع توجهاتهم، وقناعاتهم وتخالف آراءهم، إذ يوجد في كل تنظيم أو تكتل سياسي أجنحة و تيارات وخلافات بين أعضائه، تظهر للعلن، ويرحب بها الجميع بل يشجعها، باعتبارها ظاهرة صحية في المجتمعات الديمقراطية.
بل يشهد التاريخ السياسي المعاصر للأفراد والمجموعات بالاختلاف داخل الحزب الواحد وداخل التوجه الواحد، سواء كان أغلبية حاكمة أم تكتلا معارضا ، وذلك قبل أن يحسم القرار في موضوع أو قضية معينة ، بحيث تتدافع الأفكار والأطروحات والرؤى المقدمة لإخراج الموقف واتخاذ القرار النهائي من ذلك الموضوع.
وما إن يتخذ القرار حتى يتحول الجميع مدافعين عن ذلك الموقف، بغض النظر عن مدى استجابته وانسجامه مع آرائهم وأطروحاتهم المقدمة لعلاجه.
غير أن المستغرب في حالة الأغلبية الحاكمة في موريتانيا أن تتم الموافقة والتوقيع من طرفها، مع بعض الأطراف السياسية الأخرى بالبلد إثر حوار شامل، وتشرع الحكومة في تنفيذ مخرجات ذلك الاتفاق المتمثلة في تعديلات دستورية يتم إقرارها عن طريق الاستفتاء، وتبقى هذه الأغلبية الحاضر الغائب مترددة في دعمها لتلك التعديلات الدستورية، فلم يسجل حتى الآن ونحن على أبواب الاقتراع ونهاية مرحلة التسجيل في الإحصاء الانتخابي، لها أي تحرك ذا أهمية في اتجاه التحسيس بأهمية هذه التعديلات، ويستوي في ذلك أغلبية الأحزاب والمجموعات والشخصيات الداعمة إلا من رحم ربك.
إن هذا التردد الذي تعيشه الأغلبية الداعمة قد يفهمه البعض على أنه معارضة ضمنية صامتة للتعديلات الدستورية، يسعى أصحابها لخداع الرئيس والحكومة وإيهامهم بأنهم يشتغلون في الوقت الذي لم يحركوا ساكنا.
غير أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قالها صراحة أنه لا مكان للمترددين بين صفوفنا، ولا إكراه في التصويت، وباب الحرية مفتوح ولكل الحق في اتخاذ ما يشاء من المواقف، ولكن ليس له الحق في خداعنا .
كان الأجدر بأحزاب الأغلبية وشخصياتها الحذو والاقتداء بالوزير الأول يحي ولد حدمين، الذي نزل وينزل هذه الأيام إلى أعماق الشعب الموريتاني، والاتصال مباشرة بالمواطنين وشرح لهم مضامين وأهمية التعديلات الدستورية وحثهم على التسجيل والتصويت بنعم.
ولاشك أن المتردين سيتحملون مسؤولية ترددهم وتقاعسهم عن دعم هذه التعديلات، التي تبشر بميلاد جمهورية جديدة ترتكز على أجهزة إدارية لامركزية محلية منتخبة، تحقق التنمية وتقرب الخدمات من المواطنين، وبرلمان واحد تنساب فيه حركية القوانين ويعكس الإرادة المباشرة للشعب.
جمهورية تتكافأ فيها الفرص وتسود فيها المساواة والعدالة.