نحتفى بلغة الضاد ونحتفل بيومها العالمي؛ فتغمرنا مشاعر الزهو والخيلاء، وتتملكنا أحاسيس الفخر والكبرياء مترعة بنشوة الانتماء ومضمخة بحظوة الولاء لهذه اللغة العظيمة:
هام الفؤاد بروضك الريان
أسمى اللغات ربيبة القرآن
لغة حباها الله حرفا خالدا
فتضوعت عبقا على الأكوان
فلا يملك المرء إلا أن ينشد في هذه اللحظة التاريخية الفارقة:
سجل
أنا عربي
أنا اسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
جذوري
قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتح الحقب
إن اللغة العربية ذاكرة الأمة العربية الإسلامية ورمز كيانها وأيقونة ثقافتها وصمام لحمتها القومية، فالعلاقة بينهما علاقة عضوية وثيقة؛ فهي الترسانة الثقافية التى توحد الأمة وتحمى وجودها وتحافظ على سيرورتها التاريخية وكينونتها الحضارية:
أنا ما برحت تألقا وسنا
لغة العروبة والبقاء هنا
عودوا إلى صدرى أوحدكم
أنا أمكم.. أم اللغات أنا
وسلوا الحضارة.. أي ساطعة
فى الفكر لم أصلح لها سكنا
اللغة فكر ناطق.. والتفكير لغة صامتة، واللغة عموما هي ظاهرة ألسنية وأنتروبولوجية فريدة؛ واللغة عندنا - نحن العرب - هي معجزة الله الكبرى التى أنزل بها كتابه المجيد.. إنها لسان معجز التنزيل القرآني ولغة البيان النبوي ووعاء المعرفة والفكر الإسلامي؛ جمعت بين سحر البيان وفصاحة اللسان وأصالة المحتوى والعنوان ورصانة الحجة والبرهان.
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم وحملوا معه لغة القرآن الكريم العربية، فاستعربت شعوب كثيرة بالإسلام، وقد مر حين من الدهر كانت العربية هي اللغة الحضارية الأولى في العالم.
وغدت العربية تحمل رسالة عالمية بمفاهيمها وأفكارها، واستطاعت فى ظرف وجيز أن تكون لغة حضارة إنسانية شاسعة؛ اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية وربان سفينتها واعتبروها جميعا لغة حضارتهم وثقافتهم؛ واستطاعت بذلك أن تصبح لغة العلم والسياسة والفكر والعمل والتجارة والتشريع والفلسفة والمنطق والأدب والفن:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتى
أيهجرنى قومى عفا الله عنهم
إلى لغة لم تتصل برواة..؟!
تلك صرخة مدوية موجهة لكل المثبطين، وصيحة قوية فى وجه المشككين بمكانة لغتنا العربية ومقوماتها الذاتية وقدراتها المعرفية.. إنها لغة خالدة خلود الحياة على هذه الأرض؛ فهي محفوظة بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم؛ سر بقائها وعنوان بهائها وملهم عطائها ومصدر نقائها.
لا عيب فى العربية ولا عجز فيها؛ فقد تحولت من لغة تراث وحضارة إلى لغة علم وإدارة، وتم اعتمادها وترسيمها فى جميع المحافل الدولية؛ غير أن العيب والتقصير هو فى بعض أبنائها من المثقفين المتعلمين بلغات أجنبية، هؤلاء الذين وصفهم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بقوله: "إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصى الثقافة فحسب، بل فى رجولتهم نقص كبير ومهين..!".
يا وعاء الدين والدنيا معا
حسبك القرآن حفظا وأدا
بلسان عربي نبعه ...
ما الفرات العذب أو ما بردى
عيدا مجيدا لغة الضاد.. فخر الآباء والأجداد.. وذخر الأجيال والأمجاد.
كل عام وأنت تبحرين فى عوالم الإبداع ومداءات الإنجاز، وتحلقين فى فضاءات البلاغة وأسرار الإعجاز.