يصادف الاثنين العاشر يوليو في موريتانيا الذكرى 39 لدخول العسكر عنوة المشهد السياسي. ففي 10 يوليو 1978 ذاق العسكريون طعم ممارسة السلطة، وآثر بعضهم التخلي عن بزته العسكرية، والتمسك بكرسي الرئاسة.
وقد شكل 10 يوليو 1978 نقطة تحول في تاريخ موريتانيا، حيث شاركت في حرب الصحراء إلى جانب المملكة المغربية.
وهي الحرب التي سرعان ما وجدت فيها نفسها "الحلقة الأضعف" تحت تأثير ضربات جبهة البوليساريو المدعومة بالقوة والسلاح من طرف الجزائر.
إن العرض المتتالي للأحداث حسب تاريخ حدوثها، يشير إلى أن صباح الاثنين المشؤوم 10 يوليو 1987، تم توقيف واقتياد الأستاذ المختار ولد داداه، وأعضاء حكومته، وأعضاء المكتب السياسي لحزب الشعب الموريتاني، واحدا تلو الآخر من منازلهم القريبة من بعضها البعض، في بلدة صغيرة لا تزال موجودة اليوم.
وقد حصل ذلك بينما كان المختار ولد داداه يستعد للتوجه إلى العاصمة السودانية الخرطوم للمشاركة في قمة لمنظمة الوحدة الإفريقية.
وقد أخبر رئيس الدولة من طرف الملازم مولاي هاشم بأن القوات المسلحة سحبت منه الثقة، حيث اقتيد إلى معسكر للهندسة العسكرية يقع خارج المدينة، وكان في استقباله القائد ٱتي هامات، قائد وحدة الهندسة العسكرية ٱنذاك.
وبعد ذلك تمت خلافة المختار، وإصدار البيانات والتصريحات: "إن القوات المسلحة قررت في نهاية المطاف إنقاذ الشرعية الوطنية، إدراكا لمسؤوليتها تجاه السلطة، أو بالأحرى من سلبوا السلطة، وإنقاذا للبلد والأمة من الخراب، وتقطيع الأوصال، وللوحدة الوطنية، وكينونة السلطة".
وهكذا فقد أزيل الدستور، والحكومة، والجمعية الوطنية، وأخذ المجلس العسكري كل الصلاحيات، إلى حين إنشاء مؤسسات ديمقراطية، ودعا المواطنين لالتزام الهدوء، والانضباط، والانصياع للتعليمات التي توجه لهم عبر الإذاعة.
وقد ترأس اللجنة العسكرية العقيد المصطفى ولد محمد السالك، وهو ضابط سام ينحدر من مدينة كيفة عاصمة ولاية لعصابة، الواقعة شرقي البلاد. وقد أعلن المجلس حظر التجوال من السادسة مساء، وحتى السادسة صباحا.
نهاية فوضى سياسية واقتصادية
في حوار إذاعي بث مساء 10 يوليو 1978 برر الرئيس الجديد للدولة الانقلاب الذي لم تسل فيه دماء بأنه "طريقة ستميز التطورات العسكرية، والسياسية التي ستعرفها موريتانيا خلال عديد السنوات".
ولتعليل هذا الخروج من الثكنات، فإن العقيد تحدث عن "الركود الاقتصادي، والخطر اليومي للثورة أو الانتفاضة الشعبية، جراء الإفلاس، الذي يتهدد البلاد".
وقد وقفت المملكة المغربية إلى جانب موريتانيا، وهو ما يؤشر على عزمها على الحفاظ على دعم البلاد ما بعد تغيير النظام.
39 عاما من حكامة الضباط وتدوير السياسة
تبلغ مساحة موريتانيا 1.03 مليون كلم مربع، ويبلغ تعداد سكانها 3.5 مليون نسمة، وهي رمزية خاصة للحياة السياسية في هذا البلد الواقع بين غرب إفريقيا والمغرب العربي.
إن حضور الضباط السامين والجنرالات، وتدويرهم للسياسة، جعلهم يخلعون البزات العسكرية، بعد خطاب "بول" مايو 1990، الذي ألقاه الرئيس الفرنسي افرانسوا ميتران الذي فرض التعددية السياسية، كمرادف للديمقراطية.
ولتحليل النتائج المترتبة على ذلك التاريخ المشؤوم في أعقاب التطورات التي شهدتها البلاد، يستنكر المدير السابق للوكالة الموريتانية للأنباء موسى ولد حامد "الانفجار الحاصل في الساحة السياسية للأفراد غير المستعدين لممارسة سلطة الدولة. ويستخدم هؤلاء أداة واحدة لأغراض لا علاقة لها بأهداف التنمية، وهي الزبونية، والقبلية، والجهوية".
فمن ولد محمد السالك إلى ولد لولي مرورا بولد هيدالة ظلت دائرة الأنظمة العسكرية الاستثنائية تدور، وقد أعقب ذلك عهد سلطة أخرى أخذت التعددية كرهان للبقاء.
إن الإطاحة بنظام ولد الطايع من طرف العقيد اعلي ولد محمد فال فتح الباب أمام مرحلة انتقالية 2005 ـ 2007، تميزت بجملة من الإصلاحات في مجال ترسيخ الديمقراطية، بما في ذلك مبدأ التناوب السلمي على السلطة من خلال تحديد مأموريتين للرئيس من أجل تجنب احتكار السلطة.
وسيلي المرحلة الانتقالية تنظيم أول انتخابات تعددية ديمقراطية وحرة تعرفها البلاد منذ استقلالها، حيث فاز فيها سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وبذلك عاد المدنيون إلى السلطة في موريتانيا.
وقد شرع ولد الشيخ عبد الله في تجسيد خطوات جريئة في مجال تعزيز الوحدة الوطنية، من خلال فتح المجال أمام عودة الموريتانيين المبعدين في السنغال منذ نحو عقدين من الزمن.
غير أن عودة المدنيين إلى السلطة في موريتانيا لم تمكث طويلا، حيث أوقفت من خلال انقلاب عسكري آخر في 06 أغسطس 2008، قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، الذي كان قائدا لكتيبة الأمن الرئاسي حينها.
بداية جديدة للماضي
يقول موسى ولد حامد إنه "منذ 06 أغسطس 2008، استمر الواقع دون أمل في التغيير، وهو ما انعكس سلبا على الطبقة السياسية، وأضحت الجهات الفاعلة لا تهتم إلا بمصالحها الشخصية، وصار الاستعداد لتقديم التنازلات وللخنوع قائما مقابل الاستفادة من الكعكة".
ويقدم إدوم ولد محمد القيادي بالمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وهو عبارة عن تنسيقية معارضة واسعة، 10 يوليو 1978 بأنه "تأريخ يرمز لولوج العسكريين الساحة السياسية بالقوة، وممارسة السلطة التي لم يتركوها منذ ذلك الوقت".
ويستنكر العديد من الموريتانيين "وضعية بلد يقبع تحت أحذية قلة عسكرية لمدة 40 عاما".
وتأتي الذكرى 39 للعاشر يوليو 1978، في سياق سياسي يتميز بالاستعداد لإجراء استفتاء على الدستور يرتقب تنظيمه في 05 أغسطس القادم.
وسيجرى الاستفتاء الدستوري استنادا إلى المادة: 38 من الدستور المثيرة للجدل، وسط مخاوف من إغلاق الباب أمام أي انتقال للسلطة، لكن المؤكد أن العسكريين ليسوا مستعدين لترك السلطة لمدنيين منتخبين ديمقراطيا.
نقلا عن LE 360 المغربي.
ترجمة الأخبار.