من المعلوم أن هذ العنوان مبناه التحذير الضمني في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم لأمته من اتباع سنن الذين من قبلنا، وقد عينهم هو صلي الله عليه وسلم بأنهم اليهود والنصارى ومعلوم كذلك أن هذا الاتباع الذي حذرنا منه يعني به خطورة سلوكنا لحياة من قبلنا، وهذه الخطورة ستظهر أمامنا فور مفارقتنا للحياة.
فالإنسان ما زال حيا إذا كانت معصيته فيها كبر أي إظهار كبر على الله وعلى الانسان من أي شخص فإن الله يقصمه في الدنيا قبل أن يميته إماتة عادية ليظهر فيها للناس أن الإنسان مهما بلغ من الملك الدنيوي والطاعة له من الجميع، فإن الله لم يخلقه إلا ضعيفا في الحقيقة لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
ففي الحديث القدسي "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني أدخلته ناري"، وفى رواية "قصمته ولا أبالي".
وقد جسد الله فعله هذا لأهل هذا النوع من المعصية في شخصية قارون وفرعون وهامان، وقد شاهدنا نحن فعل الله في هذا النوع من أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتكبرين الطغاة.
فالجميع يعرف أن ارتكاب الشخص لحرمات الله كثير وقوعه ومنه الموبقات ولكن الله يفرق بين عقوبة المتكبرين فيهلكهم علانية فى الدنيا ويؤخر الآخرين إلى يوم تشخص فيه الأبصار إلى آخر الآية.
فمتاع الدنيا كلها سراب بقيعة.
يقول تعالى {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} إلى آخر الآية التي ختمها بقوله {ذلك متاع الحياة الدنيا} وقال في آية أخرى أن متاع الدنيا قليل: {وما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل}.
فكما يعلم الجميع، فكم كان في عداد المسلمين من أمة محمد صلي الله عليه وسلم من طاغية أخاف الناس وخافته الناس وتكبر وتجبر وبعد قليل رأته الناس رأي العين وهو يموت في أسوأ حالة لا تقع للمسكين الذي لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا.
إذن: التكبر نوعان نوع يظهر للإنسان في الدنيا معاملة الله لأهله، وقد تقدم أنه تكبر على أوامر الله وإظهار ذلك للناس، وتكبر على أوامر الله بعدم فعلها بمعنى امتناع الإنسان عن فعل ما أمره الله به جهلا أو تجاهلا أو عنادا مثل تكبر إبليس عليه لعنة الله.
فالمتكبرون من الأمم السابقة قصمهم الله بعذاب من عنده مباشرة، كما هو المثال أعلاه، وأما متكبرو أمة محمد صلي الله عليه وسلم فيقصم المتكبرين منهم بما جاء في سورة الأنعام يقول تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} كما شاهده الجميع في موت بعض الطغاة. وهذا كله يعني أن متاع الحياة الدنيا بالنسبة لأي إنسان مهما كان وضعه في الدنيا لا يعول عليه لأن الله جعل كل حياة الدنيا مهما طالت مثل ما يعطي للتلميذ من تحديد الوقت ساعة الامتحان التي لا يترك فيها تجاوز دقيقة واحدة يقول تعالى: {هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، وفي نفس الوقت {إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} فتكبر طغيان الشيطان بعدم امتثاله لأوامر الله فالطغيان المادي جهارا نهارا على مخالفة أوامر الله بدون أي نية في الرجوع عنها، هو نفسه طغيان حكام المسلمين ومن شايعهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل القضاة والمحامين وكل مسلم قلد في حياته من قبلنا تاركا أحكام القرآن تتلى عليه وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه يقو ل له تعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} ويقول تعالى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}.
فيقول لسان حال قولهم وفعلهم فإن اختلفنا تحاكمنا على دستورنا وهو أقدس مرجع لامتنا في الاتباع فإن لم نجد فننظر مقابله من دساتير من قبلنا اليهود أو النصارى معمولا بها أو معدلة.
وهكذا، يعرض عن أحكام الله إلى غيرها إما لعدم مبالاته بأنها من منهيات الله لأنه فيه فرق كبير بين من يعتقد أن ما يقوم به من قول أو فعل مخالف لأوامر الله فيتوب منه بعد ما يقع فيه بجهل أو جهالة، فالجهل عدم معرفة حدود الحرام من غيره، والجهالة تقال لمعصية العارف بالحرمة ولكن أجهلته نفسه وطوعته لفعل الحرام، وهذا دائما ينقذه الله بالتوبة التي أكدها لمثله يقول تعالى: {إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم} إلى آخر الآية.
ولكن البلاء في فعل الطغاة غير المتجبرين على الناس ولكن متجبرين على الله برفض العمل بأوامره كما فعل إبليس الذي واجه الله بمعصية عدم تنفيذ أوامره فقال {لم أكن لأسجد} جوابا لله في قوله تعالى {مالك أن لا تكون مع الساجدين} فأعطاه الله مهلة عمر الدنيا ولكن يقال له بعد ذلك {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} فالقدوم على فعل الله بما حرم عنادا أو تجاهلا فقد أعده الله من الغافلين: يقول تعالى: {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأويهم النار بما كانوا يكسبون}.
فعدم التعويل على لقاء الله والوقوف أمامه على انفراد وترك ما وصفه الله به أمثاله بعد موته، وهو قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} إلى آخر الآيات {لهو الخسران المبين}.
وبناء على هذه الحقائق أعلاه فسنبين لولاة أمورنا المسلمين خطورة هذا الطغيان المادي على الله والمعمول به في الدنيا والمتمحض في اتباع سنن من قبلنا من تشريع أصبحنا نعتقد في امتثاله أكثر من اعتقادنا في قوله تعالى: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا}.
والتفصيل في هذا الكتاب موجود عندنا مثل تفصيل أحكام العبادة يقول تعالي: {كتب عليكم القصاص} ويقول تعالى: {كتب عليكم الصيام} {وأتموا الحج والعمرة لله} ويقول في معاهدة الجهاد: {وأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم}.
فمن استمع للمحاكمة الجارية لتتبع قضاتنا ومحامينا لكل ما جاء في قوانين من قبلنا حتى التغييرات في دساتيرها ويستمع إلى تقديس الدستور المكتوب تحت ظل وجود كلام الله الذي ينطق علينا في كل كبيرة وصغيرة بالحق يقول تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} ترثى نفسه وهو يشاهد من يموت منهم قادما على الله منفردا كما قال تعالى {ولقد جئتمونا فرادى} إلى آخر الآية.
وإلى المقال الموالي في الموضوع إن شاء الله.