لم يستوعب الاخوة في المعارضة الدرس الانتخابي بَعدٌ، فالشجاعة تقتضي درجة من المكاشفة والمصارحة، والواقعية في التعاطي مع النتائج مهما كانت، بدلا من التصعيد ونقل المعركة الانتخابية من صناديق الاقتراع إلى ميادين التظاهر.
حقيقة، أجزم أن المعارضة ضيعت ما ميز مأمورية الرئيس من تهدئة سياسية وانفتاح وتشاور، في إنتاج خطاب سياسي قادر على صهر مختلف التوجهات والطموحات في إطار سياسي واحد ومقنع.
خطاب مقنع في تصوراته لمعالجة الاختلالات القائمة، يعالج الإشكالات الوطنية الكبرى، المتمثلة في الوحدة الوطنية والحكامة الرشيدة وبناء مؤسسات قوية.
تلك التصورات التي ينبغي أن تتسم بمستوى من العقلانية والموضوعية بعيدا عن المظلومية وبازار المزايدات والخطاب الاستفزازي التحريضي السلبي ونشر الكراهية وزرع الفتنة بين مكونات المجتمع.
وتستفيد في نفس الوقت من الظرف الاستثنائي، فلم تعرف العلاقة بين السلطة والمعارضة منذ استقلال الدولة الموريتانية مثل ما تعرفه اليوم من تواصل وتلاق بعد عقود من الصراعات والإلغاء.
الظاهر أن هذا الإخفاق في خلق خطاب سياسي معارض قد انعكس على الاهتمام الشعبي بالمعارضة كخيار سياسي سواء على مستوى المهرجانات والمسيرات والمؤتمرات، وتراجعت مصداقيتها لدى فئات واسعة من المواطنين، فبدا أن هناك فراغ سياسي كبير أصبح محل تنافس بين من يَصْلٌحٌ عليهم إطلاق هواة السياسة.
بمقابل هذه الإخفاق الكبير في العمل المعارض، تٌظْهِرٌ سنوات حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أنه نجح في تحييد أكثر الأسلحة فتكا بالنسبة للمعارضة، وأهمها تأثيرا عند المواطن الموريتاني.
فقرر الرئيس منذ الوهلة الأولى لتسلمه السلطة وضع سياسة اجتماعية فعالة، في أول استجابة لدعاة الوحدة الوطنية، بهدف تحجيم الفوارق المادية والاجتماعية بين فئات المجتمع عبر برامج أثبتت نجاعتها ووضع حد لمستويات الفقر، فأنشأ نظاما للتموين الغذائي للأسر الفقيرة استفادت منه آلاف العائلات، وبرامج صحية غير مسبوقة ومساكن ودعم التعاونيات الزراعية والنسوية، وبناء مئات القاعات الدراسية وتعميم الكفالات المدرسية.
وفي منحى آخر تم تفعيل مؤسسات الرقابة، من خلال دعم المفتشية العامة للدولة، ومنحها كافة الوسائل الضرورية للقيام بدورها ووضعت قوانين صارمة لمنح الصفقات ومعاقبة المسؤولين عن تبذير المال العام مهما كانت مرتبتهم ومكانتهم كما كانت استجابة حكومة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سريعة وفعالة في أغلب الأزمات التي عرفتها البلاد خلال السنوات المنصرمة من كوفيد إلى أزمة الأمطار للسنة الفارطة.
إنها إنجازات تلقفها الشعب الموريتاني ورد الجميل لصاحبها بأمانة وصدق عند أول استحقاق، فهل ستتحرر المعارضة مستقبلا من درجة الارتباك التي تعيشها تحضيرا لاستحقاقات المرحلة المقبلة؟