على مدار الساعة

الحرام لا يحرّم الحلال

28 يونيو, 2023 - 18:27
أحمد يعقوب – أستاذ جامعي

من المعروف لدى العامة والخاصة أن الأشياء بطبيعتها كما خلقها الله لا يتعلق بها حكم من أحكام الشرع، فحكم الشرع هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، وما ليس بفعل للمكلفين مما خلق الله في هذا الكون البديع من جواهر وأعراض ليس له محل من الحكم التكليفي الذي يعني الاقتضاء أو التخيير في الفعل أو الترك. ومن ثم لا يمكن أن نحكم على شكل أو لون بأنه ممنوع أو حرام إلا باعتبار مقاصد المكلفين وأسباب ومآلات إقدامهم على استخدامه أو إحجامهم عنه.

 

ولتذكير من نسي أقتبس هذا التعريف المولد عن طريق الذكاء الصناعي لقوس قزح بأنه: "ظاهرة بصرية طبيعية يرى فيها الرائي قوسا دائريا من الألوان، باللون الأحمر من الخارج والبنفسجي من الداخل، ويتم إنتاج ألوان هذا القوس بالطريقة التي ينكسر بها ضوء الشمس وينعكس بواسطة قطرات الماء؛ فعندما يصطدم ضوء الشمس بقطرة ماء في زاوية 42 درجة، تنكسر الألوان المختلفة بزوايا مختلفة".

 

وقوس قزح ظاهرة طبيعية جميلة ورائعة، وكانت ولا تزال مصدرًا للدهشة والإلهام للناس لعدة قرون. وفي العديد من الثقافات، يُنظر إلى أقواس قزح على أنها رموز للأمل، ثم صارت في العصر الحديث رمزا للتنوع قبل أن يختطفها المختطفون وتصبح رمزا ملوثا سمعيا وبصريا بشوائب شوهت ألوانه الجميلة المرتبة. ولكن ذلك لا يعني امتلاك أي كان لهذا الشعار ولا حقه في حرمان الآخرين منه، فلا يمكن أي تسمح العادة ولا الشرع لشخص أو مجموعة أشخاص - مهما بلغوا من السوء - أن يحرموا البشرية وأصحاب النوايا الحسنة من استخدام مظهر طبيعي أو شكل هندسي استخدمه صاحب فكر ضال أو فعل منحرف شعارا لفكرته أو لفعلته.

 

وعند ظهور رمز أو شعار مثل هذا أرى أنه لا بد أولا من استصحاب الأصلين الذين هما الإباحة، وحسن القصد من أي شخص يتصرف فيما سخر الله له حتى يثبت العكس، ومراعاة ظاهر الحال الذي يبدو منه للوهلة الأولى أن عرض حروف ملونة في مؤسسة تعليمية أولية من قبل أساتذة ومعلمين وإداريين ليس هو المكان الذي يلجأ إليه من يلجأ لترويج أفكاره الإيجابية أو السلبية. ولا بد من النظر في الواقع الذي نحمد الله عليه وهو أن مثل هذه الانحرافات وإن كانت معضلة قائمة في كثير من البلدان الغربية التي أصبح فيها هؤلاء لهم عدة وشوكة وجماعات ضغط ومتعاطفون، فإنها في كل أو جل البلدان الإسلامية ليست مسألة رأي عام على الأقل.

 

ومع النظر في مآلات استخدام مثل هذه الأشكال والألوان الملوثة وتوقع مدى إضرارها بالفرد أو بالمجتمع قبل الحكم عليها أو على مستخدمها، لا بد من الالتفات إلى مآلات إنكار ما ثبت أنه منكر باليد وباللسان وبالقلب. وأخوف ما أخافه أن تكون ردات الفعل والاستنكار المبالغ فيها تعلم الجاهل وتذكر الناسي ببعض المنكرات الغربية.

 

هذا عن الكبار وأما عن الصغار فلا يهمهم كل شيء مما سبق، وما تعلقت براءة الأطفال بألوان قوس قزح الزاهية إلا لجمالها البديع وحسن تناسقها الفريد، وإن لم يروها بشكل مباشر، وما نناقشه في هذا المقال من أحكام شرعية ومن إيحاءات رمزية وتعبيرات مجازية ليس له مكان في عقل ولا في فعل الطفل البريء.