كلمة الإصلاح لاحظت في الأيام الأخيرة أن أغلب المسلمين انقسموا الآن إلى متشددين ومتساهلين في المنهج الإسلامي الصحيح.
فالمتشددون يرون أن المسلمين وعلى رأسهم سلطات الدول الإسلامية لم يـبق عندهم من الإسلام إلا اسمه أو ما أدمجوه فيه من التـقاليد والعادات حتى لا يميز بـينه وبـين غيره وأخيرا أسلموا زمامه إلى التبعية العمياء للغرب وقوانينه وتـقاليده، فلم يـبق آثار لتـنـفيذ الأحكام الإسلامية على عباد الله فوق أرضه ويخلصون قولهم أن على الشعوب الإسلامية ولا سيما شبابها أن يضحي في سبـيل إعادة الإسلام إلى أصوله الأصلية بإرجاع الدول الإسلامية إلى حركة وجهود أبناء الإسلام في القرون الأولى الثلاثة قبل أن يكون في الإسلام ملكا عضوضا ويعدون كل من يقوم بهذا العمل بما وعده الله به الشهداء من النعيم المقيم.
أما المتساهلون في الإسلام فيحولون هذه الأفكار إلى إرهاب خارج منهج الإسلام، وأن الإسلام لا يعني إلا الرحمة والمسالمة وأنه يجب نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة بدون أن يساهموا فعلا في ذلك ويعتـقدون أنه يكفي في ذلك إنشاء هيئات خاصة في الدولة تتحمل القيام بذلك.
وبما أن الله تبارك وتعالى شاء في قدره عندما خلق هذه البشرية (أن كل شخص بمفرده) سيمكث على هذه الأرض حسب أجله المقدر له في الأزل وبعد ذلك يتعامل مع الله مباشرة، ليجازيه على ما قام به من العمل في الدنيا حسب ما أعطاه له من العقل والقوة المادية ليسأله عن فعله طبقا لما بـينه له في كتابه العزيز من السير على الطريق المستـقيم سواء كان حاكما أو محكوما فإن أكثر البشرية لا تعمل على محدودية هذا الأجل.
وفي نفس الوقت شاء الله في قـدره نتيجة (لإذنه للشيطان) أن يعمل ما في وسعه لإضلال الإنسان وكسبه إلى السير على طريق الجحيم رغم وضوح ما جاءه من البـينات في الذكر الحكيم، فإن الأقـلية من الإنسانية هي التي سوف يحفظها الله ويشملها في الإضافة إليه في قوله تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعـك من الغاوين} سيحفظها من اتباع طريق المتـشددين في الدين الذين لاحظ فيهم الشيطان أن ضلالهم أقرب إليه من الانحراف باسم الدين إلى ما نهي الدين عنه بصراحة في آياته المحكمات وعلى رأس ذلك قـتـل الأبرياء بالتـفجير الأعمى في مظنة اجتماع أكبر عدد من أفراد المسلمين لا ذنب لهم إلا مجرد وجودهم في ذلك المكان من أرض الله، وهذا التجمع هو الذي حذر فيه المولى عز وجل المجاهدين المنطـلقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم من التعرض لهم يقول تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ } ويقول مثل ذلك لنفس المجاهدين في آية أخرى {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم بـبطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} الخ الآية.
هذه المعرة من قـتل المؤمنين سوف تلحق المجاهدين من غير علم منهم بقـتـل المؤمنين، أما إذا كان عن علم من المؤمنين وترصد وسبق إصرار، فمن أين يدخل هؤلاء المقاتـلون هذا العمل في الجهاد في سبيل الله والله يقول {ولا تـقـتـلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} وأين الحق من قـتل الرضع والأبرياء من المسلمين وهنا يقول الله في آخر آية {ومن يتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها}.
أما الجماعة أو الطائفة التي استـثــناها الله من غواية الشيطان فهي التي تخـتـلف عن سير المتساهلين في الإسلام وعلى رأسهم السلطات التي مكن الله لها في الأرض ولم تـلـتـفت إلا على القوانين والمواثيق التي تصدرها الأمم غير المسلمة، مع أن القرآن دائما يصدع في آذان هؤلاء الحكام ومن يسير في فـلكهم من أبناء المسلمين وحتى العلماء الذين أعطاهم الله العلم موهبة منه وفضلوا أن يكونوا علماء بلاط وليسوا ربانيـين بما تعلموا من العلم: الجميع يستمع إلى المولى عز وجل وهو يقول لنبـيه {وأن أحكم بـينهم بما أنزل الله ولا تـتـبع أهوائهم واحذرهم أن يفـتـنوك عن بعض ما أنزل الله} الخ الآية، ويقول {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تـتـبعوا من دونه أولياء قـليلا ما تذكرون}.
فهؤلاء السلطات في جميع أنحاء العالم الإسلامي والشعوب التي دجنوها في حظائرهم سواء بالحركات السياسية المسماة الديمقراطية أو بتبعيتها للملوك والأمراء في استيلائهم على كل من يتحرك في سلطاتهم والقبض من يد من حديد في مكان الملوك والرؤساء بسلطاتهم العسكرية والمحاكم الصورية فكل هؤلاء معلوم عند الجميع وعند المتـشددين في الدين أنه سوف ينـتـهي بمجرد أن تـبلغ الروح الحلقوم للجميع فـتـنتهي السلطة الدنيوية، ويـبقى هنالك سلطات عذابها لا يموت فيه الشخص ولا يحيي.
ومعنى ذلك أن أكثـر البشرية الآن من المسلمين فوق الأرض فريقان (وعندهم ثالث آخر) ففريق أدرك الشيطان عدو الإنسانية جمعاء ما يضلهم به فذهب أمامه في تزيـين إسلام يخالف ما يطلبه الإسلام من المسلم وفريق هبطه عن فعـل ما يطلبه الإسلام أيضا من المسلم طبقا لما وهبه له من الاستطاعة، (وهناك ثـلة قـليلة بين هؤلاء وهؤلاء تبحث عن الاستـقامة في الدين) لم تـكن لها سلطة فتجاهد الشيطان على القيام بما يجب عليها في تـلك السلطة ولم يستطع الشيطان أن يجرها إلى الغـلو والتـشدد في الإسلام ليهبط بذلك عملها فيما تـظن أنه الطريـق المستـقيم.
فالله تبارك وتعالى يقول: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استـقاموا تـتـنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كـنـتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تـشـتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم}.
وكلمة الإصلاح هنا تطلب من جميع من يعنيهم أمر الإسلام الذي يظن أهله أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون أي ملاقو الله لمناقشة مضمون هذه الآية التي توضح استـقامة هؤلاء الذين تـتـلقاهم الملائكة بهذه البشرى نـتيجة لاستـقامتهم التي تعنى تـنـفيذ أوامر الله طبقا لما جاء في كتابه المحفوظ بين دفتي المصحف وفي قـلوب المؤمنين وطبقا كذلك لما بـينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته من توضيح لهذا الإسلام ـ أن يـبحثوا عن الاستـقامة في الدين لنيل هذه البشرى من الملائكة.
فالآية تبدأ باسم الموصول المؤكد بـ"إن" والذي يستوي فيه كل من بلغ الحلم من الرجال والنساء وبلغته هذه الرسالة واستـقام عليها كما هي لا تـشدد ولا تساهل بمعنى أنه لم يحد قيد أنملة لا يمينا ولا شمالا عن حقيقة ما جاء في هذه الرسالة تصديقا وتـنـفيذا وإذا حاد عنها تاب قـبل موته ومات منـفذا لها وما جاء في هذه الرسالة المطلوب الاستـقامة عليه من المسلم واضح تمام الوضوح سواء في علاقة المرء مع ربه أو مع أهل رحمه أو سلطته أو جيرانه أو أهل مساكنـته مسلمين أو غير مسلمين إلى آخر ما هو معروف من التوجيهات في القرآن والسنة.
وكذلك مسؤولية كل من مكن الله له في الأرض أو أعطاه الله علما وحكمة كل ذلك مسطر في الكتاب ماذا عليه أن يعمل فيه فإذا اعتذر عن اعوجاجه سواء كان متـشددا أو متساهلا فيقول له تعالى {يعتـذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتـذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيـب والشهادة فيـنـبـئـكم بما كـنـتم تعملون}.
فعندما كان الوحي ينزل كان يوجه اعوجاج أعمال المسلمين ويخبر به رسوله الذي لا يعلم من الغـيب إلا ما علمه الله وعند انـتهاء الوحي وكمال الدين بقي القرآن يوجه المسلمين.
ومن هنا أخاطب المتـشددين هل من الاستـقامة على دين الله التي يتـنزل فيها الملائكة على كل فرد ليبشروه بعدم الحزن والخوف من عذاب الله إلى آخره كيف يكون ذلك مع قـتـل الأبرياء بتـفجير أعمى صاحبه الذي يموت فيه لا يعرف من قـتـل إلى آخره، وأين الاستـقامة من قـتال مسلمين نـتيجة الاختلاف معهم في رأي مأمور في القرآن أن أي خلاف بين المسلمين عليهم أن يردوه إلى حكم الله بمعنى إلى ما قال الله فيه وبعد ذلك يقول المحكوم عليه سمعـنا وأطعنا إلى آخر كل ما يقوم به المتـشددون من الأفعال لا يوجد مضمونها في القرآن ولا في السنة.
وكذلك فإني أقول للمتساهلين سواء كانوا حكاما أو محكومين سائرين على طريق حكامهم هل هناك مكان لطمعهم في نزول الملائكة عليهم لتبشرهم بعدم الحزن والخوف من الله إلى آخره وهم غارقون في الدنيا وأساليـبها وما لهم في الآخرة من خلاق.
فمن نظر إلى تحرك الشعوب الإسلامية تحت قيادة حكامها وهي تصول وتجول في محدثات الدنيا فارغا أفـئدتها من عرض أي تحرك أو إظهار شعور من إسناد ذلك إلى ما أمر الله به في الإسلام، يدرك أن شرط الله للمسلمين في تـنزل الملائكة عليهم بعدم الخوف والحزن ــ وهو الاستـقامة على أمر الله ونهيه ـ يصعب الحصول عليه إلا عن طريق الاستـقامة: وعندنا نحن هنا في موريتانيا من النشاط والتحرك ما يـبعـد تحقيق ذلك الشرط.
فحكام المسلمين المتساهلين في تطبـيق الإسلام على شعوبهم وعدم فصلهم بـين علاقة المسلم بأخيه المسلم بل تبـعـيتهم لأعداء الإسلام والخضوع لهم يـبـعدهم كثيرا عن الاستـقامة في الدين.
فـليس عند هؤلاء المتساهلين في أوامر الإسلام ونواهيه في مكافحة المتـشددين إلا أن عليهم أن يـبيحوا أوطانهم ويحولوا أموالهم لأعداء الإسلام لقـتـل المتـشددين في الإسلام بدعوى الإرهاب ويظنون أن ذلك سيقضي عليهم.
فطموح الشباب للتحدي والوصول إلى الهدف الذي يعتـقدونه لا يرده التخويف بالقـتـل فقط ولاسيما من قادة وشعوب لا تخفي بعدها من تطبـيق الإسلام ولا البحث عن الطريق المستـقيم في الإسلام لسلوكه بل يكتفون من علمائهم بأن يصدروا فتاوى تحرم التـشدد في الإسلام ولا يقـبلون من علمائهم الفتاوى المحرمة للتساهل في تطبيق الإسلام من أحكام وتحقيق عدالة إلى آخره.
ولذا فإن أكبر روافد للتـشدد في الإسلام ومقارعة حكام دوله ومن يسير في فـلكهم من الشعوب هو ما قامت به العربية السعودية من استدعاء عدو الله وعدوهم "اتـرمب" من قمم خليجية وعربية وإسلامية ليذلوا بذلك جميع دول الإسلام وليركع الجميع أمام اترامب: فلا شك أن شباب أي دولة حضرت لذلك الركوع المؤذن بـبداية قــتل أعداء الله للمتـشددين في الإسلام سيدعوهم ذلك إلى إذكاء جذوة الجهاد في نفوسهم ضد دولهم وأصدقاء هذه الدول من أعداء الإسلام.
فإذا كان شباب المسلمين شوه الإسلام بوصفه بالإرهاب، فإن رؤساء وملوك وأمراء الدول هي أكبر مـشوه للإسلام بوصف دوله وحدها بالتبعية لأعداء الإسلام.
فعلى المتـشددين أن يقرؤوا قوله تعالى {تـلك حدود الله فلا تعـتـدوها} الخ الآية ويقرأ الرؤساء {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} الخ الآية.
وإذا كان هذا القـتـال الحالي بين المتـشددين والمتساهلين هو إرهاب فإنـنا نرجو أن يحوله الله إلى إرهاصات آخر جهاد بين المسلمين وأعدائهم من اليهود، وعندئذ سوف تـقوم به الجماعة الناجية لأنه لا جهاد إلا تحت راية شرعية، وهذه الفرقة لا يضرها من خانها أو خذلها إلى يوم القيامة وعنـــدئـــذ {يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء} إلى قوله تعالى {وعد الله لا يخلف الله وعـده ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.