سيخرج الرئيس السنغالي وحزبه "التحالف من أجل الجمهورية" والتحالف الذي أوصله للحكم "بينو بوكو ياكار" المعروف اختصارا ب بي بي ؛ اليوم إما مهزوما أو مهزوزا في اقتراع السنغاليين لانتخاب برلمانهم الثالث عشر منذ الدولة الوطنية.
الديمقراطية السنغالية لم تشهد تعايشا منذ نشأتها بين وزير أول معارض ورئيس غير ذي أغلبية؛ بل إن البرلمان الثاني عشر المنتهية مأموريته كانت المعارضة فيه تمثل عشره فقط.
اللوائح ال47 المتسابقة لكسب ود الناخبين الستة ملايين؛ هي ضعف عددها في انتخابات 2012 حيث كانت 24 لائحة فقط. ولشغل المقاعد ال 165 في الجمعية الوطنية؛ ظهرت في الأسابيع الثلاثة الماضية التي شكلت الحملة الانتخابية على طول البلاد وعرضها حالات تستدعي التوقف.
منها أن الرئيس السنغالي ماكي صال لم يتخل عن حلفائه طيلة الخمس سنوات الماضية، وهم الحزب الاشتراكي بقيادة تانور جينه وتحالف قوى التقدم بقيادة رئيس الجمعية الوطنية مصطفى انياس؛ وهو ما قرئ على أنه عدم قدرة على الاستقلال.
وقد يكون منها أن الرئيس ماكي رمى بوزيره الأول محمد بون عبدالله ديون؛ على رأس اللائحة الوطنية المشكلة من ستين نائبا يتوزعون على بضع وأربعين دائرة انتخابية؛ وهو إطار مغمور قضى دهرا مدير ديوان الرئيس ماكي صال أيام كان هذا الأخير وزيرا ثم ما لبث أن غاضبه داخل الحزب الديمقراطي السنغالي واختار معسكر وزير البر والبحر والجو حينها كريم واد؛ منخرطا في "تيار الملموس" الذي تشكل داخل الحزب الحاكم لإقصاء كل من تسول له نفسه الوقوف في وجه كريم واد؛ وكان من المنعة حيث أخرج ماكي صال من رئاسة الوزراء ثم من رئاسة البرلمان حتى أوصلوه إلى الشارع؛ وبعد التقاط ماكي صال لأنفاسه بعد انشقاقه القسري وفوزه على أبيه السياسي عبد الله واد؛ وبينما كان محمد ديون موظفا في الأمم المتحدة في أثينا صفح عنه رب عمله السابق واستدعاه للعمل معه؛ ويعتبر ترشيحه غير جماهيري بالمرة.
كما أن دخول تنظيم المسترشدين والمسترشدات القوي بزعامة القائد الروحي مصطفى سي وتحت يافطة حزب "بير" لمعترك الانتخابات بعد قطيعة دامت عقدين من الزمن لن يمر مر الكرام. ويجدر بالذكر أن الحضرات الدينية التي هي خزان انتخابي طبيعي مثل طوبى وكولخ وتيواون ومدينه گوناس وكامبرين كلها كانت ربعا للغزل السياسي والرسائل عبر الاختيارات ؛ حيث صعد في الموالاة والمعارضة مرشحون من أحفاد المشايخ بشكل غير مسبوق؛ رغم أن العادة المتبعة في عدم إصدار الشيوخ- الذين يسمونهم الخلفاء- لتوجيه انتخابي لم تخترق. وقد برز خلال الحملة الانتخابية وأسابيعها الثلاثة مرشحان هما الرئيس السابق عبد الله واد (91 ربيعا) الذي أراد من خلال تحالف "الكتلة الفائزة واتو سنگال" المؤلف من أحزاب وتيارات؛ الذي يقوده أن يلم شتات المعارضة؛ ويدفع بحزبه إلى الواجهة بعد أن وقذته المعارضة والبعد عن الحكم وشرد الكثير من قادته مبايعين القادة الجدد وأصدقاء الأمس أو في فترة نقاهة لم تطل. وأما الآخر فهو عمدة داكار خليفه صال الذي هو قيد الاعتقال بتهمة فساد؛ لكنه مرشح للانتخابات البرلمانية على رأس تحالف من المنشقين من الحزب الاشتراكي يطلق عليه "مانكوتاخاو" خليفه صال لم يفوت الفرصة للمطالبة من سجنه بتركه يخوض الحملة الانتخابية ولم يوفق في ذلك وقد لا يتمكن من التصويت لكنه سينال حصانة برلمانية بشكل شبه مؤكد ما لم تنتزع أو تعلق لمحاكمة أو حكم لاحقين.
والغريب أن القانون الانتخابي السنغالي تضمن فقرة احتياطية ذكية تشير إلى أن الناخب بإمكانه التزود بخمس بطاقات اقتراع فقط من ضمنها بطاقة الاختيار؛ حتى يتجنب حمل البعير الناجم عن كثرة عدد اللوائح المرشحة؛ وهو ما سينفع في تخفيف نسبة البطاقات اللاغية وييسر عملية الاختيار بحد ذاتها.
الانتخابات التشريعية اليوم في السنغال ستحدد ميزان القوى لرئاسيات 2019 بل هي رئاسيات سابقة لأوانها لأن من بين المترشحين للنيابيات في صفوف المعارضة من هو مرشح رئاسي محتمل.
ماكي صال يضع في حصيلته منذ 2012 خطة السنغال النامي التي رسم لها أفق عشري وتتسم بالمصداقية لدى المانحين وبالطموح؛ حيث يراد منها الاكتفاء الذاتي الغذائي في حدود 2019 وتشييد مدن وطرق وجامعات حديثة قد تغير البلد.
لكن خصومه يأخذون عليه زيادة في المديونية و استبدادا بالرأي ووجلا مفرطا من الخصوم منعه من الوقوف وحده؛ ربما في انتظار الغاز وعائداته في أفق 2021.
وصلت نسبة تسلم بطاقة الناخب منذ يومين إلى 78% وقد استلم المجلس الدستوري ملتمسا استفهاميا من الرئيس ماكي صال منذ أيام؛ سرعانما ردت عليه المؤسسة بالإيجاب مما يخول للمصوتين الذين لم يسحبوا بطاقات تعريفهم المستحدثة بيومتريا ويزيدون على عشر الناخبين؛ اصطحاب الوثائق القديمة لأداء واجبهم.
وقد تكون استطلاعات الرأي الوحيدة من نوعها في شبه المنطقة ذكرت شيئا من التقارب في داكار بين التحالف الحاكم وتيار عمدة داكار المرشح من سجن ربيس وعبد الله واد المهادى؛ دون أن يتجاوز أحدهم حاجز الأغلبية المطلقة.
فمن الوارد إذن ظهور حكومة تعايش على الطريقة الفرنسية في السنغال لأول مرة في تاريخ الديمقراطية الأعرق في غرب إفريقيا. غابت الأحزاب عن المعترك وحلت محلها التحالفات؛ وكانت الحملة باهتة رغم استعراضيتها؛ وشابها عنف لفظي واحتكاكات، وتبقى بلاد التيرانگا عصية على النكوص في تقاليدها الديمقراطية التي جعلت منها قبلة اللاجئين وغير الآمنين من دول الجوار كلما ادلهم ليل الحرية فيها.
ربما لأن باريس تنظر إليها بعين الرضى؛ وربما لأن سماحة الشعب السنغالي وكرهه للترحال وقدرته على التحمل حيث المثل السائر لديهم "طريق العافية لا تختصر مهما طالت" (يونو چاما صوريول) أمور أرخت سدولها على حرية منتزعة وتقليد ديمقراطي صار مع مرور الوقت ناضجا غير مفتعل.