بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس السادة أعضاء المحكمة الموقرة
كما تعلمون فقد تعهدت محكمتكم الموقرة بهذا الملف تعهدا قانونيا صحيحا بعد إحالته إليها من طرف ديوان التحقيق وتأكيد تلك الإحالة من طرف غرفة الاتهام والمحكمة العليا، وكما تعلمون أيضا فإن عموم الشعب الموريتاني وكافة شعوب المنطقة ينتظرون حكم محكمتكم الموقرة بفارغ الصبر في هذا الملف الذي سلك منذ البداية مسلكا فريدا من نوعه، فقد بدأ على مستوى ممثلي الشعب الذين توجوا عملهم بتقرير اقتصر فيه دور السلطة التنفيذية على مجرد إحالته للقضاء وإقالة المسؤولين المشمولين فيه بصفة متزامنة تشبثا باستقلال القضاء وتمكينا له من بسط سيطرته على جميع جوانب الملف باعتباره المعني الأول والأخير بتطبيق القانون وإقامة العدل فيه، لذلك بدا جليا منذ الوهلة الأولى إحجام كافة وسائل الإعلام الرسمي عن الخوض في هذا الملف تماما كما الحال بالنسبة لجميع الأحزاب السياسية من داخل الأغلبية الحاكمة أو خارجها مما شكل رافعة أخرى لمبدإ فصل السلطات واستقلال القضاء .
سيقول البعض بأنه لا تمكن محاكمة رئيس الجمهورية السابق من طرف محكمتكم الموقرة، معتمدين في ذلك على قراءة عجيبة وغريبة للمادة 93 من الدستور، متجاهلين حقيقة جوهرية وهي أن الأفعال المنسوبة للرئيس السابق لا علاقة لها بوظيفته، بل هي أعمال منفصلة تماما عنها، مما يعني أنها غير مشمولة بالحصانة التي يتدثر بها ويختبئ خلفها خوفا من مواجهة حقيقة ما نسب إليه، فكيف يمكننا على سبيل المثال، أن نعتبر أن تسخير ممتلكات شركة سنيم لبناء منتجع خاص للرئيس السابق في مقاطعة بنشاب يعتبر ممارسة لصلاحياته الدستورية؟ أو أن المتاجرة بالعملات الصعبة والاحتفاظ بها خارج الدورة الاقتصادية للبلد هو كذلك ممارسة للصلاحيات الدستورية للرئيس السابق؟ وكيف يمكن القول إن إصدار الأوامر للمدير العام السابق لشركة سنيم بتوظيف صهر الرئيس السابق خارج الضوابط القانونية المرعية هي كذلك ممارسة لصلاحياته الدستورية، وأن إلزام خيرية سنيم بشراء الأعلاف الفاسدة هو أيضا من صميم الصلاحيات الدستورية للرئيس السابق؟
سيقولون أيضا إن الدولة لا يمكنها أن تتنصب طرفا مدنيا في هذه القضية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إلقاء نظرة ولو خاطفة على المادتين 2 و3 من الإجراءات الجنائية، والمادة 18 من قانون الالتزامات والعقود التي كرست هذا الحق بشكل لا لبس فيه.
لقد توصلت المصالح المختصة في الدولة والمؤسسات التي تضررت من الجرائم المقترفة في حقها من طرف الرئيس السابق وصهره، إلى أن الضرر الذي لحق بها هو ضرر مباشر وكبير، كما تم توضيح ذلك بشكل مفصل في الطلبات المكتوبة التي سنتقدم بها باسم اللفيف في هذا الملف.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من وراءه جهنم ويسقي من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن وراءه عذاب غليظ}. صدق الله العلي العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين.
اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا بنعمتك تتم الصالحات نسألك اللهم فرجا قريبا فإنك لم تزل مجيبا ونسألك العافية من جميع البلايا والسلامة من طريق الرزايا
اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما وتفرقنا تفرقا معصوما ولا تجعل فينا ولا معنا ولا منا شقيا ولا محروما
اللهم لا تردنا بالفاقة إلى غيرك ولا تحرمنا سعة خيرك ولا حقيقة التوكل عليك ولا خالص الرغبة في ما لديك واملأ قلوبنا، منك الغنى واكس وجوهنا منك الحياء.
اللهم إنا نسألك حسن الإقبال عليك والإصغاء إليك والفهم منك والمبادرة في أمرك والنفاذ في طاعتك وحسن الأدب في معاملتك والتسليم لك والرضا بك والإنصات إليك.
اللهم سر بنا إلى مدارج ومعارج {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
اللهم فصل وسلم منا عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم فإنا لا نقدر قدره العظيم ولا ندرك ما يليق به من الاحترام والتعظيم.
اللهم أنه سرك الجامع لكل الأسرار ونورك الواسع لجميع الأنوار ودليلك الدال بك عليك وقائد ركب عوالمك إليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك فلا يصل واصل إلا إلى حضرته المانعة ولا يهتدي حائر إلا بأنواره اللامعة.
اللهم ألحقنا بنسبه الروحي وحققنا بحسبه السبوحي وعرفنا إياه معرفة نشهد بها محياه ونصير بها مجلاه كما يحبه ويرضاه ونسلم بها من ورود موارد الجهل بعوارفه ونكرع بها من موارد الفضل بمعارفه واحملنا على نجائب لطفك وركائب حنانك واقذف بنا على الباطل بأنواعه في جميع بقاعه فندمغه بالحق على الوجه الأحق وصل اللهم على آله شموس سماء العلى وأصحابه والتابعين ومن تلى.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
صرح المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، دون خجل ولا وجل، أمامكم غير مكره وبكل وضوح أن ما تحصل عليه من أموال خارجة عن دخله المشروع وبالتحديد ما استودعه لدى التاجرين سلمان إبراهيم وإبراهيم الملقب بهاي محمد سالم غده كانت، من بين أمور أخرى، من أصل هدايا أهديت إليه دون أن يحدد هوية الجهة السخية المانحة.
صرح بهذا، ظنا، منه أن الأمر يجوز شرعا وقانونا وأنه بكل بساطة، جهلا منه للأصول، يشكل مخرجا وطريقا للنجاة من المساءلة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. والله يقضي بالحق والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هُمُ أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ذلك بأنهم كنت تاتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب} صدق الله العلي العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين.
{ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب} صدق الله العلي العظيم.
والسؤال الذي يجب استدراكه وطرحه هنا هو بما أتانا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه؟
جاء في الصحيحين عن ابن حميد عبد الرحمان ابن السعد الساعدي الخزرجي الأنصاري، يقول" استعمل النبي رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية، عبد الله ليجمع الزكوات من القرى ومن البوادي من أهل المواشي وأهل الزروع، لما قدم رجع إلى النبي ليدفع له ما جمع فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتي تأتيه هديته إن كان صادقا، وآلله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه فقال اللهم هل بلغت."
إن مما عمت به البلوي وشاعت به الفوضى، وخاصة، في زمننا هذا وفي بلدنا هذا، تسلط حب المال على قلوب الكثير منا حتى صار شغلهم الشاغل وهمهم الأوحد.
والمال من أعظم الفتن على البشرية كما قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} صدق الله العظيم.
وفي هذا المنحى يقول الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه "إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال".
وقال صلوات الله عليه وسلامه "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أمن حرام".
ومما تساهل به بعض الناس، مما يتعلق بالأموال والحقوق الغلول وهو الاستيلاء على أموال الناس وخاصة أموال الدولة التي يمتلكها كافة الشعب، وهو من كبائر الذنوب والعصيان.
وكلمة الشعب هنا جامعة يندرج تحتها اليتيم والأرملة والمريض والفقير وكبار السن من ذوي الحاجات.
يقول الله سبحانه وتعالي {وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} صدق الله العظيم.
وكما وضح الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه يأتي الغال يوم القيامة حاملا ما غل به على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله ومرعوبا بصوته وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد.
وتنكيلا بالغال وعقوبة له يقول الرسول الكريم عليه أزكى الصلوات والسلام "إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه".
ومن عقوبة الغال أيضا ما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال: "خرجنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع، فأهدى رجل من بني النضيب يقال له رفاعة ابن زيد لرسول الله عليه أزكى الصلوات والسلام عليه غلاما يقال له مدعم فوجهه الرسول إلى وادي القرى، حتى إذا كان بوادي القرى بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله إذا سهم غائر فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا..".
ومن عقوبات الغال عدم الصلاة عليه من طرف الإمام إذا هو صار جنازة كما ورد في الحديث عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب النبي توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صلوا على صاحبكم"، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله"، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين.
وللغلول صور متعددة نذكر منها الهدايا التي تعطى للمسؤولين والرؤساء وكافة الجهات الحكومية لأنهم خانوا في ولايتهم وأمانتهم.
أما إذا كان الأمر يتعلق بالرئيس، القائم على حقوق البلاد والعباد أو ممن هو في حكمه، فيكون عندئذ الأمر أخطر وأدهى وأمر ولا مناص من تغليظ المحاسبة في حقه {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} صدق الله العظيم.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
صرح المتهم الرئيسي، محمد ولد عبد العزيز، دون خجل ولا وجل، أمام محكمتكم الموقرة، غير مكره وبكل وضوح أن ما تحصل عليه من أموال خارجة عن دخله المشروع وبالتحديد ما استودعه لدى التاجرين إبراهيم الملقب بهاي محمد سالم غدة، وسلمان إبراهيم، كان أيضا مما تبقى من فائض تمويل حملاته الانتخابية المتوالية طيلة مأموريته العشرية وحملة الرئيس الحالي.
هل نسي المتهم الرئيسي أنه سنة 2006 صادق المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، وهو عضو بارز منه ومتنفذ فيه، على الأمر القانوني المتعلق بتمويل الحملات الانتخابية والذي يحدد في مادته الثانية بكل وضوح وحصرية المصادر المشروعة لتمويل الحملات الانتخابية في:
- مشاركات أشخاص عاديين أو شخصيات اعتبارية خاضعة للقانون الخاص،
- مشاركة المترشح أو أعضاء اللائحة المترشحة،
- أموال المترشح الخاصة،
- المساعدات المالية الاستثنائية للدولة.
وفي جميع الحالات فإن هذه المشاركات يجب أن يتم التصريح بها لدى وزارة الداخلية في أجل شهر من دفعها، وعلى هذا التصريح أن يحدد هويات المانحين وطبيعة وقيمة المشاركات كما لا يجوز أن تتعدي المشاركات سقف عشرة في المائة من المبلغ المحدد بالمرسوم الصادر عن مجلس الوزراء باقتراح من وزيري الداخلية والمالية والقاضي بتحديد السقف المالي المسموح به في الحملات الانتخابية، سعيا وراء الشفافية اللازمة في الموضوع.
وتنص المادة السادسة من الأمر القانوني على وجوب تعيين وكيل مالي في غضون ستة أشهر قبل يوم الاقتراع كما لا يجوز استلام أو تلقي هذه المشاركات إلا بواسطة الوكيل المالي الذي يجب على المترشح التصريح كتابة باسمه وصفته لدى حاكم المقاطعة المختص.
وتلزم المادة السابعة من هذا الأمر القانوني الوكيل المالي بفتح حساب مصرفي يبين كافة العمليات المالية والإدلاء بهويته وأنه يتصرف باسم المترشح.
كما يجب على الوكيل المالي طبقا لنفس النص، عند نهاية الانتخابات، أن يقدم للمترشح موازنة بحسابه الختامي، وفي حالة ما إذا كان هذا الحساب الختامي إيجابيا فإنه يجب على المترشح أن يهب بقرار موثق منه، المبالغ المتبقية لحزب سياسي يختاره أو منظمة او منظمات ذات نفع عام
وكما هو بديهي، فإن القانون المذكور يمنع تملك هذه الأموال من طرف المترشح، فما بالك بالمتاجرة بها؟!
والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المقام والتي تبين مدى الفساد المالي والاخلاقي هي:
- هل التزم محمد ولد عبد العزيز يوما بترتيبات هذا الأمر القانوني الصريح؟
- هل صرح يوما محمد ولد عبد العزيز بلائحة المانحين والمشاركين في تمويل حملاته الانتخابية؟
- هل عين يوما وكيلا ماليا لهذه الحملات الانتخابية؟
- هل وهب حزبا سياسيا أو منظمة خيرية ما تبقى من فائض حملاته الانتخابية؟
الجواب على كافة هذه التساؤلات أمر واضح وضوح الشمس في كبد السماء مما يظهر جليا للشعب الموريتاني مدى الفساد والإثراء غير المشروع.
على الأصح بدل احترام القانون أبى المتهم الرئيسي، كعادته، إلا أن يدخر لنفسه هذه الأموال الطائلة، خارقا بذلك القانون وغالا غلولا عظيما.
أما من الناحية القانونية فيكفي إثبات حصول الفاعل على المال نتيجة لسلوك مخالف لنص قانوني عقابي حتى يتحقق العنصر المادي لجريمة الإثراء غير المشروع، وفي هذا الإطار، فإن المادة الرابعة عشر من الأمر القانوني رقم: 0035 الصادر يوم 02 نوفمبر 2006 والمتعلق بتمويل الحملات الانتخابية تجرم وتعاقب كافة الأفعال المقترفة من طرف المتهم محمد ولد عبد العزيز.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السيدات والسادة،
الإثراء غير المشروع عبارة ملطفة بدل السرقة والاختلاس والرشوة والخيانة والغلول، وهو وجه من أوجه الفساد الإداري والمالي يتحقق بزيادة كبيرة غير مبررة لموجودات وممتلكات الوكيل العام أو أحد أفراد أسرته بشكل لا يتناسب وحجم الدخل والمرتبات التي يتقاضاها عن الوظيفة بالإضافة إلى عجزه عن تبرير أصول هذه الموجودات والممتلكات ومصادرها.
ومن خلال هذا التعريف الميسر يتضح أن أركان هذه الجريمة ثلاث
- الوكيل العام وهو العنصر المفترض في هذه الجريمة التي لا ترتكب إلا ممن يحمل هذه الصفة،
- الزيادة في الموجودات التي تشارف التراكم ولا تتناسب وحجم الدخل للوكيل العام،
- العجز عن التبرير الموثق سلفا بالمستندات الحقيقية والأصيلة،
وبصفة عامة يقصد بالإثبات في المواد الجنائية إقامة الدليل على وقوع الجريمة وإسنادها للمتهم، وفي هذا الصدد يختلف دور القاضي المدني عن القاضي الجنائي، ففي حين يقتصر دور القاضي المدني على مجرد تقدير الأدلة التي قدمها الخصوم وترجيح بعضها على البعض، يقوم القاضي الجنائي بدور إيجابي مفاده البحث عن الحقيقة بأي طريق مشروع، لذلك فإن له أن يأمر ولو من تلقاء نفسه، أثناء النظر في الدعوي، بتقديم أي دليل يراه لازما لظهور الحقيقة. فالأصل إذن هو حرية الإثبات إلا ما استثني بنص خاص.
والصعيد العقدي الذي ينطلق منه إثبات الجرائم هو براءة المتهم إلى أن يثبت عكس ذلك بموجب حكم قضائي نهائي وتحميل النيابة العامة عبء إثبات الجريمة. لكن أتت المادة: 16 من قانون مكافحة الفساد لتقول "يعاقب كل موظف عمومي لا يمكنه تقديم تبرير الزيادة التي طرأت في ذمته المالية مقارنة بمداخيله المشروعة".
وبهذه العبارات الواضحة يكون المشرع الموريتاني قد حمل المتهم في جريمة الإثراء غير المشروع عبء إثبات مشروعية الزيادة المعتبرة في ذمته المالية، خروجا عن القواعد العامة التي كانت تملي على النيابة العامة عبء إثبات عدم مشروعية الأموال التي يمتلكها المتهم.
ومن الجفاف العلمي وعدم النزاهة الفكرية أن تثار أمامكم ترتيبات قانون عام مثل قانون الإجراءات الجنائية في وجود قانون خاص ينظم المسألة، لأن القانون الخاص يقيد كما هو معلوم القانون العام ويسبق، على الأصح، في تطبيقه ولا يلجأ له إلا في حالة صمته وهذا مسلم به عند أهل القانون.
وسمي العبء عبئا لثقله لأن من كلف به قد لا يكون مالكا للوسائل التي يتمكن بها من إقناع القاضي بصدق ما يدعيه، وعليه واستنتاجا يكون المشرع الموريتاني قد أخذ في جريمة الإثراء غير المشروع بقرينة الإدانة بدل قرينة البراءة، استثناء، بإثبات ما يفترض بأنه ثابت أصلا وهو البراءة، أي أنه على المتهم أن يثبت أنه ما زال بريئا وذلك بإثبات أن الأموال التي جمعها وهو في المنصب، هي أموال مشروعة وليست ناتجة عن استغلال الوظيفة، ولكن يبقى على النيابة والضحية عبء إثبات القرينة التي تشير إلى عدم البراءة وهي في هذا المجال تقديم الدليل على وجود زيادة غير معقولة في دخل المتهم لا تتناسب مع الدخل الذي حصل من الوظيفة.
ومما لا جدال فيه عند أهل القانون أن البراءة ما هي إلا قرينة مستمدة من نص قانوني لكنها ليست قاطعة، بل قرينة بسيطة ومؤقتة وهي تقبل إثبات عكسها، وكما يقال النص بالنص يلغى.
ونحن اليوم، وفي قضيتنا المعروضة أمام افتراضين:
الأول: يتلخص بقدرة المتهم على إثبات أن زيادة ثروته الملاحظة هي غير قذرة ومن مصدر مشروع ولا يتأتى ذلك بمجرد الإدعاء اللفظي فقط بل بالمستندات الرسمية والأدلة القطعية كما في التصريح أمام لجنة الشفافية وقياسا عليه.
أما الثاني، فيتلخص في عجز المتهم عن إثبات مشروعية مصدر الزيادة وعندها تثبت في حقه جريمة استغلال الوظيفة ومن ثم الإثراء غير المشروع.
وإذا أردت الإيجاز، فإنني أقول إن جريمة الإثراء غير المشروع جريمة خاصة وحديثة جدا وهي بطبيعتها القانونية تنتهك قرينة البراءة وتعكس عبء الإثبات وتحرم المتهم من حق الصمت ومن تفسير الشك لصالحه وتوسع دائرة أطراف الاتهام لتشمل، مع النيابة العامة الطرف المدني بوصفه طرفا أصيلا في الخصومة تنضاف جهوده للنيابة العامة تقديرا لحرمة المال العام وتنكيلا بالمتهم.
وكنت قد أشرت إلى ذلك طيلة هذه المحاكمة، لكن بدون جدوى، فلا أحد بحث أو استفسر في هذا الأمر، ليرفض الكثير من المتهمين الجواب على الأسئلة حتى شارف صمتهم حد العدول عن الصدق واتخاذ التهكم وسيلة للوصول إلى الحقيقة والاستهزاء والازدراء بالمحكمة وحقوق الطرف المدني، جاهلين أو متجاهلين أن عدم الرد في هذا المقام ردُ، وأن الصمت فيه اعتراف يحسب في الخصومة عليهم.
وقد أجمعت السوابق القضائية العالمية وأغلبية أهل التمكين من فقهاء القانون، على أن دور النيابة العامة والطرف المدني سهل جدا في إثبات الزيادة المعتبرة أن كان المتهم قد التزم بالتصريح الواجب بممتلكاته، فما عليهم عندئذ إلا الإدلاء بنسخة من هذا التصريح المودع لدى لجنة الشفافية عند بداية الوظيفة أو العهدة الانتخابية طبقا للمواعيد المنصوص عليها قانونا ومقارنة مضمونها مع الزيادة التي طرأت على ذمة المتهم، ثم يطلب منه تبريرها بطريقة مشروعة وموثقة سلفا كحصوله على وصايا أو ميراث على سبيل المثال لا الحصر.
وفي هذا الإطار، فإن الرجوع إلى أمر الإحالة وبالتحديد فحوى الصفحات 16، و17 و18 و19 و20، و21 و22 و23 و24 و25، يظهر مما لا يدع مجالا للشك الزيادة الصاروخية التي طرأت على ذمة المتهم الرئيسي المالية بعد وصوله للسلطة، وجاء في استنتاج قضاة قطب التحقيق ما تلخيصه:
- كشف التحقيق امتلاك المتهم الرئيسي وأفراد أسرته الذين لم تكن لهم وظائف ولا نشاطات تجارية لثروة هائلة لا تجد تبريرها في مصادر دخلهم المشروعة،
- تمثلت هذه الثروة في أعداد كبيرة من العقارات والشركات والمصانع والحظائر التي تحوي عشرات السيارات من مختلف الأنواع والأحجام، بالإضافة إلى أرصدة بنكية وودائع بالمليارات وقطعان من الماشية وقائمة هذه الممتلكات موجودة في وثائق الملف،
- مقارنة ما تم الكشف عنه من ثروات هائلة لدى المتهم وأفراد أسرته المباشرة بما صرح به سنة 2010 في محضر التصريح أمام لجنة الشفافية عند توليه منصبه كرئيس للجمهورية، وبما صرح به في التصريح المماثل عند مغادرته للمنصب سنة 2019 يظهر بجلاء ووضوح أن المتهم أثري ثراء فاحشا غير مشروع خلال توليه للسلطة،
- كشف التحقيق القضائي اللاحق على البحث الابتدائي المزيد من الأموال لدى المتهم حيث بلغ عدد المنازل المكتشفة فقط في إطار التحقيق القضائي 17 منزلا، و468 قطعة أرضية، و9 شاحنات، و3 سيارات وجرار وخمسة مليارات أوقية قديمة، وكل هذا دون ما تم كشفه وحجزه في مرحلة البحث الابتدائي.
- مجموع راتب المتهم خلال مدة توليه للرئاسة هو 840.000.000 أوقية قديمة، وسبق أن صرح، علنا، في وسائل الإعلام بأنه لم يصرف منه أوقية واحدة وكان يسدد في حساب خاص بزوجته،
- شهادة أشخاص معروفين أمام قاض التحقيق أثبتوا أن المتهم كان يسلم الواحد منهم مبالغ كبيرة في وقت واحد كما هو الحال في شهادة كل من بهاي غده وسلمان إبراهيم، حيث سلم الأول ما يزيد على مليوني أورو ومبلغ وصل إلى خمسة مائة مليون أوقية قديمة، كما سلم الثاني مليون دولار دفعة واحدة،
- شهادة محمد امصبوع صهر المتهم الرئيسي بأنه سلمه مليوني أورو على وجه السلفة دون فائدة ليستعملها في تمويل مصنع السمك الذي أنشاه في مدينة نواذيبو، كما استلم منه مبلغ 240.000.000 أوقية قديمة ليستخدمها لشراء كميات من الذهب تم تهريبها للخارج من أجل بيعها،
- تصريح المتهم في بداية مأموريته أنه لا مال عنده وتصريحه بعد ذلك بأنه يملك ثروات كبيرة. أليست كل هذه المعطيات كافية ومقنعة لإدانته بما نسب إليه؟
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السيدات والسادة،
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}، صدق الله العلي العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين.
من الله سبحانه وتعالى على عبده المتهم محمد ولد عبد العزيز بنعم ظاهرة، فبدون سبب موضوعي ومن غير استحقاق أو تدريب داخلي أو خارجي أو شهادة تذكر تدرج في الرتب العسكرية وحظي بحماية وحنان وتكريم وثقة وعطف الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع ونال تقدير واحترام وخلة المغفور له بإذن الله الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله ليصبح بانقلابه عليه رئيسا للجمهورية.
وبالمناسبة تنامي هاجسه الغريزي وحلمه الحقيقي في تحصيل المال ليصبح أغنى رجل في محيطه مما أدى إلى خلافاته المشهورة مع رموز ذويه من التجار.
وخلال عشريته[mm1] أخذ من الوقت والتفكير ما يدبر به لوضع إستراتيجية كاملة ومحكمة لتحقيق هدفه الأوحد هذا. فمن بين أمور أخرى قامت هذه الإستراتيجية على المرتكزات التالية:
- ترسيخ وتخزين خطابه المزعوم والمشهور في عقلية وذاكرة الكثير من الموريتانيين بأنه بطل محاربة الفساد والمفسدين وكان ينام قرير العين والسجون ملأى بالمظلومين باسم هذا الشعار المزيف،
- تلميع شخصه بوصفه رئيسا للفقراء واتخاذ حوانيت أمل وبيع السمك الرخيص والفاسد، غالبا، وسيلة دعائية لذلك. وآلله يعلم أن رئيس الفقراء أفقرهم زيادة على ما كانوا فيه من الفاقة والحرمان،
- اختيار المغمورين من الموظفين غير المؤهلين أصلا في الوظائف الحكومية والإدارية ليكونوا مجرد مريدي خدمة سبيلهم الطاعة العمياء في تحقيق إرادته المتقلبة والملتوية والمتنوعة والارتجالية دائما، ولوكان ذلك على حساب القانون والمصالح العليا للشعب الموريتاني،
- إبعاد وإقصاء الموظفين من أهل الزهد والتقوى والكفاءة والمعرفة والتجربة السالفة والتشبث بالمبادئ الإدارية الأصيلة وذوي الشخصيات القوية،
- ارتداء قناع الصرامة والانفعال والارتجال وسيئ الكلام لتخويف الموظفين ورجال السياسة والأعمال من احتمال التنكيل والبطش والشطط في استعمال القوة الظالمة والقاهرة،
- تأهيل وتنظيم وتأطير طاقم سري من السماسرة البارعين في التستر والتمويه والإخفاء والتزوير في المحررات العامة والخاصة والمهربين للعملات وخبراء المتاجرة بالذهب البارزين. وقد أظهرت هذه المحاكمة وجوها من جماعة المافيا هذه وأساليبها السرية وتعاملها المشفر والمستعصي على أهل العقول النبهاء،
وبدون شك أتت هذه الاستراتيجية أكلها ناضجا سائغا للمتهم ودائرته الأسرية الضيقة. ففي وقت قصير جدا، تنامت ثروته وتراكمت لتصبح بحرا لجيا طغت قواربه لتنفجر منه مجاري زاخرة، عاصفة، طاغية، عاتية.
ولكن قبل الحديث عن هذه المجاري أرى أنه من الضروري أن أشير إلى الروافد الجهنمية والإجرامية التي نتجت عنها هذه الثروة الهائلة.
أولا: إن أول رافد إجرامي لهذه الثروة هو تبديد الممتلكات العقارية للدولة،
كان الشيخ الرضا دائنا للسيدة الأولى سابقا بما يناهز سبعة مليارات أوقية قديمة وأصبح عاجزا عن واجباته اتجاه دائنيه الملحين. لهذا السبب دبر وفكر مع رجل الأعمال محيي الدين فوجدا أنه لا بد من التدخل المباشر من طرف المتهم الرئيسي بعد إقناعه بضرورة بناء مطار جديد تتولي شركة النجاح، دون علنية مسبقة أو منافسة مستحقة، بناءه مقابل تنازل الدولة عن أراضي المطار القديم وجزء كبير من أراضي تفرغ زين، وناهز إجمالي هذه المساحات أربعة مائة وواحد وخمسين هكتارا من أراضي الدولة وفي تجاوز سافر لترتيبات قانون الصفقات العمومية خسرت الدولة ، وإلى الأبد ، بالإضافة إلى بناء مسجد نواكشوط الكبير ومبنى من تسعة طوابق وساحة عمومية كانت من ضمن التزامات شركة النجاح.
خلت أيضا هذه الاتفاقية من أي جدول زمني لتنفيذ المشروع ومن أي تقويم موضوعي لثمن وقيمة هذه الأراضي، ومن أي عقوبة في حالة عدم التزام شركة النجاح بالقيام بواجباتها التعاقدية.
ولعل الأدهى والأمر من كل ذلك إقحام شركة اسنيم كطرف ثالث في الاتفاقية بدون ملحق بعد التعثر في تنفيذ المشروع استمر ثلاث سنوات وإلزامها بتسديد خمسة عشر مليار أوقية قديمة كسلفة لشركة النجاح تستعين بها في تنفيذ التزاماتها، وكأن شركة اسنيم أصبحت مصرفا تجاريا أو وكالة عقارية. ولم يكن ذلك ليحصل لولا التدخل الصارم والمباشر للمتهم الرئيسي وخوف القائمين على شركة اسنيم على مصالحهم الشخصية. ومن المعلوم أن السلطات المختصة، آنذاك، لم تقم بأي إعادة تصنيف لهذه الأراضي مما يؤكد التجاوزات القانونية والاستعجال غير المبرر في هذه القضية. والحقيقة أن البحث القضائي لم يتناول بما فيه الكفاية العديد من جوانب الموضوع مما يجعلني أتساءل اليوم عن الدوافع الشخصية للمتهم بهذا الخصوص:
- هل انبني الأمر مثلا على عمولة محققة أو محتملة؟
- ما سر امتياز شركة النجاح دون غيرها من أهل المقاولة والتشييد العمراني؟
حقا، هذا النوع من الجرائم لا يرتكب إلا في الظلام وتحت السرية المانعة ويصعب تعقبه والحمد لله الذي وفق المشرع لينتبه إلى أن قرينة الإدانة أحق أن تتبع في الموضوع بدل قرينة البراءة.
بدا جليا للمتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، سنة 2011 أن مدينة نواكشوط قد اتسعت كثيرا لتأخذ المراكز التجارية والمرافق العمومية مواقعها مع صيرورة الزمن، وليس من الممكن إعادة التاريخ إلى الوراء، ولم يبق من المتاح من الأراضي القابلة للاستثمار إلا ما يوجد في الأطراف النائية من المدينة، مما لا ينفع الملهوف ولا يغني من جوع الشره {وخلق الإنسان هلوعا}.
وأمام الأمر الواقع، قرر هدم ما يسمى "بالبلوكات الحمر" وبيعها بغض النظر عما تشكله هذه البنايات بالنسبة للكثير من الموريتانيين من رمزية تاريخية وعمرانية.
وتم هدم هذه المباني في خرق للمادة الثالثة من القانون الصادر سنة 2008 المتعلق بالعمران، كما أن سلطة تنظيم الصفقات العمومية لم تجز إلى حد الساعة التصرف فيها ولا نقل ملكيتها، كما تنص على ذلك المادة الخامسة من المرسوم المنظم لها، وبأمر من المتهم تم تشكيل لجنة لبيع هذه المباني بالمزاد العلني كما شهد بذلك الوزير الأول السابق مولاي محمد لقظف أمام اللجنة البرلمانية، وسواء تعلق الأمر بالطريقة الملتوية لعمليات البيع أو بتحديد الأسعار المقترحة، فإن عموم هذه القضية تم بتحضير مقاولين مقربين من المتهم الرئيسي وهم دون غيرهم من استفاد من هذه الأراضي الثمينة بحكم موقعها على شارع جمال عبد الناصر، كما أحب أن أسميه.
ومن أجل التمويه أقحمت شركة اسنيم مرة أخرى بأمر من المتهم لتشارك في هذا المزاد الخارج جملة وتفصيلا عن الترتيبات القانونية المعمول بها.
وقد استفاد من هذا البيع الصوري بعض التجار المقربين من المتهم الرئيسي، وشكل بيع ''البلوكات'' سابقة من أجل جس النبض والتحضير للهجوم على ما هو أغلا وأنفس.
يقع الملعب الأولمبي في قلب مدينة نواكشوط وهو بطبيعته يثير لعاب أي تاجر لا حياء له ولا ينظر إلا بعيون الربح، لكن الوصول إليه أمر مستحيل عقلا ومنطقا من جميع النواحي سواء كانت أخلاقية أو قانونية أو اجتماعية، فتغيير تصنيفه لا يجرؤ عليه إلا أولو العزم من الملوك الأباطرة أو الرؤساء الذين لا يتقيدون بأي مبدأ.
وحسب شهادة المدير العام لأملاك الدولة العقارية فإن المتهم الرئيسي هو دون غيره من أشرف على تقسيم القطع الأرضية وإفرازها للبيع، وقد احتفظ لنفسه، حتى تكون قسمة أسد، بالقطعة رقم واحد واثنين مع الزيادة المعتبرة في مساحة هاتين القطعتين بالمقارنة مع باقي القطع الأرضية الأخرى.
وقد آلت فيما بعد هذه القطع للمتهم الرئيسي بعد أن انبرى المتهم محمد لمين بوبات ليقوم بدوره بالتمويه والتستر والتزوير.
كان المدير العام للأمن الوطني، أحمد بن بكرن غارقا في واجباته الإدارية فإذا بالهاتف الثلاثي يرن وكان في الطرف الآخر المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، وقتها رئيسا للجمهورية ليبلغه أنه قد قرر بيع الجزء المقابل لشارع المغفور له بإذن الله المختار ولد داداه وعليه أن يستقبل أفرادا من إدارة أملاك الدولة مصحوبين بأبرز مشتر لمعظم القطع التي يبلغ إجماليها خمسة عشر قطعة.
وتبين فيما بعد أن المتهم محمد لمين بوبات هو من اشترى بالمزاد العلني الصوري القطع الخمسة المتواصلة بعضها بالبعض بما يزيد على ثلاثين مليون أوقية قديمة للواحدة. كما أعترف نفسه على نفسه بأنه تنازل لاحقا لصالح المغفور له أحمدو ولد عبد العزيز عن هذه القطع بثمن مليون أوقية قديمة للقطعة الواحدة بعدما أسس فيها عمارات ضخمة مما يؤكد جليا أن ما قام به محمد لمين بوبات ليس إلا تمويها يهدف الى إخفاء عائدات جرمية وتستر على الثراء غير المشروع.
وبالنظر إلى جوانب هذه القضية يتضح أن البيع بالمزاد العلني إنما أريد به أصلا تملك المتهم وأفراد أسرته لهذه الأراضي وكفى بذلك دليلا دامغا آخر على سوء استعمال السلطة والنفوذ.
وفي سياق متصل ألزم المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز، وزيره الأول السابق يحي ولد حدمين بالقيام بزيارة ميدانية للمدارس الابتدائية التالية:
- المدرسة المقابلة لفندق اطفيلة الواقعة على شارع ديجول
- المدرسة قرب سوق العاصمة
- المدرسة رقم: 7
- المدرسة المسماة بمدرسة العدالة.
وبعد هذه المعاينة أمره أيضا بأن يمرر قراره إلى وزيري التعليم والمالية ببيع هذه المدارس بالمزاد العلني.
وتطبيقا للتعليمات الرئاسية وجه وزير التعليم رسالة إلى وزير المالية تتضمن إزالة هذه المدارس من الخريطة المدرسية لتتولى مصالح وزارة المالية إجراءات البيع.
تمت عملية البيع على أربع مراحل لتؤول ملكية هذه المدارس في النهاية إلى تسعة أفراد من المقربين من المتهم الرئيسي شاركوا في المزاد العلني الصوري هذا.
وكما هو الحال بالنسبة للملعب الأولمبي فإن هذه المدارس من اختصاص البلديات ولا يجوز التصرف فيها الا بأمر من المجالس البلدية المختصة وبعد إعادة تصنيفها.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
يتضح بجلاء من وثائق هذا الملف أن بيوعات عقارات نواكشوط كانت كلها من أجل ثراء المتهم الرئيسي محمد ولد عبد العزيز وأفراد أسرته المباشرة بغير وجه حق.
ومن الواضح أيضا أن تكلفة مطار أم التونسي كانت باهظة الثمن تربح منها كثيرا هو وعائلته.
ومما هو معروف اليوم أن مسطرة البيوع العقارية شابتها عيوب كثيرة، جعلت منها محض أفعال إجرامية: تبديد ممتلكات الدولة العقارية عبر استغلال النفوذ والحصول على مزايا غير مستحقة والتدخل في أعمال تجارية تنافي الصفة الوظيفة لرئيس الجمهورية وأخذ وتلقي فوائد من عقود ومزادات ومنح امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية وإساءة استغلال الوظيفة والإثراء غير المشروع وإخفاء العائدات الإجرامية وغسل الأموال. ومن المسلم به أن كل هذه العقارات ملكية للدولة ولا يجوز التصرف فيها، وهي في الأصل، منحت للمدارس والجهات الرسمية العمومية بوثائق ومراسيم وقرارات لا يمكن بأي وجه تخطيها والتغاضي عنها، أما بيعها فيخضع لمساطر إزالة التصنيف الواجبة في التصرف في العقارات العمومية، بل لا بد من مراسيم تحدد إجراءات وشروط البيع والثمن، غاب كل هذا، جملة وتفصيلا، مما يجعل هذه المساطير المتبعة تمت كعمل إجرامي بعيدا عن القانون وأضرت بالمصالح العليا للشعب الموريتاني، حتى إن بعض لجان البيع، كما في حالة المدرسة رقم سبعة ومقر سرايا المرافقات وحي الشرطة، شكلت بأوامر شفوية من المتهم الرئيسي.
ومن المؤكد أن كل هذه الإجراءات لم تتخذ عبر دراسة معايير الجدوائية وتحقيق المنفعة العامة ولم تأت باقتراح من الجهات المختصة، كلها كانت تأتي ارتجالا من طرف المتهم الرئيسي. وهي في الواقع ليست إلا مجرد عمليات أراد بها المتهم الرئيسي التكسب، ليبني ويشيد ويعلي فيها قطارا يمتد رأي العين على طول شارع المرحوم المختار ولد داداه كما هو حاصل في أراضي مدرسة الشرطة.
كما أمتلك وحاز المتهم الرئيسي أكبر قطعة أرضية ليشيد عليها مصحة سماها باسم ابنته ليلى ولصالح ابنته القاصرة كهدية بعد تخرجها المحتمل من الدراسة، كلفت مليار وثلاثة مائـــــة وأربعة وثلاثين مليون أوقية قديمة كما جاء في شهادة بهاي غدة ومحمد لمين بوبات وهي المصحة التي يشرف على بناءها محمد عبد الله محمد باب شروك. وفي نفس المنحى الإجرامي نال محمد امصبوع، صهر المتهم الرئيسي قطعة أرضية كبيرة من بيع أرض التلفزة الوطنية اشتراها بمائتي مليون أوقية قديمة. وتحصلت زوجته أسماء عبد العزيز من عملية المطار على قطعتين بجانب المسجد المسمى بمسجد الشيخ الرضا يقدر ثمن الواحدة منها بمائة مليون أوقية قديمة. كما قام المتهم يعقوب ولد العتيق بإخفاء عائدات متحصل عليها من جريمة المتهم الرئيسي ولصالح زوجته وابنتيه فأخفى منازل وقطعا أرضية تعود لأسرة المتهم في حي الصحراوي وقطعة أرضية في حي "صانتر امتير" وباع لصالحهم وأهدى الكثير من المنازل والأراضي.
وقد أدلى المتهم يعقوب ولد العتيق بتصريح يفيد أن ليلى محمد عبد العزيز سجلت باسمه سبع قطع أرضية في منطقة الربط "اف نور" لكصر وأمرته بعد ذلك ببيعها فباعها غالية.
وجميع ما حصل عليه المتهم الرئيسي وزوجته وابنتاه وصهره من بيوع عقارات نواكشط[mm2] يقدر بستة مليارات وثمان مائة وستين مليون أوقية قديمة. وبإضافة ما تم تبديده من الممتلكات العقارية العامة في نواكشوط الذي يصل إلى مبلغ ثلاثة عشر مليار أوقية قديمة.
كما قدرت شركة النجاح تكاليف مطار أم التونسي كما هو ثابت من خلال مكاتب دراستها بأربعة مائه مليون دولار أمريكي مما يعني في أرفع أسعار الدولار مقابل الأوقية 148 مليار أوقية قديمة في حين كلف مطار أم التونسي من أموال عقارات الدولة 179 مليار.
وعلى أقل تقدير تكون الأموال المبددة والمختلسة من طرف المتهم الرئيسي من العقارات هي 60 مليار ومائتين وواحد وخمسين مليون أوقية قديمة.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
يدخل في الغلول اغتصاب الأراضي والعقارات بغير حق، جاء في الحديث الصحيح والمتفق عليه الذي رواه أحمد عن ابن مسعود أنه قال قلت يا رسول الله أي ظلم أعظم فقال ذراع من الأرض ينتقصها المرء من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها أحد إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الله عز وجل الذي خلقها.
وقال رسول الله عليه أزكى الصلوات من اقتطع شبرا من الأرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين.
وإذا كان الله يضاعف الحسنات ولا يضاعف السيئات فإنه في حالة اغتصاب الأراضي تضاعف السيئة إلى سبع أمثالها ويطوق الظالم بها يوم القيامة، استثناء، ليفضحه على رؤوس الأشهاد ليكون الغلول الأعظم هو الغلول في الأراضي.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
لم تخلق هيئة الرحمة من توليد ذاتي ولا من رحم الهواء، والسماء كما يقال لا تمطر ذهبا، ويتحتم علينا جميعا أن نجتهد حتى نعرف من هم المسؤولون الإداريون لها وفي غياب تلك الوجوه، علينا أن نجتهد ثم نجتهد لنتعرف على المسؤولين الفعليين لها.
بدون شك، كان المرحوم أحمدو ولد عبد العزيز هو القائم عليها في الظاهر أما في الباطن فهي من الإنتاج الفكري للمتهم الرئيسي فهو من أسس لها ومن أرسى الأوردة المغذية لها، وبالنظر إلى ذمتها المالية المبهرة فإنه يكون سهلا تصور القوة والقدرة والإرادة الخلاقة التي ترعاها بلطف وحنان وغيرة.
وعندئذ يتضح لكل عاقل أن أحمدو ولد عبد العزيز رحمه الله ما كان إلا مجرد غطاء بحكم حداثة سنه ولم تكن له أي وظيفة تجارية أو عمومية أو ذمة مالية معروفة سلفا، يتكشف من وثائق الملف أنه بعد وفاة المرحوم أحمدو قرر المتهم الرئيسي تولى أخاه بدر إدارة هذه الهيئة لكن عندما سئل بدر محمد عبد العزيز قال بأن المسؤول الفعلي والأمر بالصرف فيها هو والده المتهم الرئيسي. ويكون هذا الأمر موضوعيا ومقبولا لعدة أوجه منها، نفوذه واستفادته المباشرة من أموالها.
أليس قصر ألف ليلة وليلة الذي يملكه المتهم الرئيسي والمعروف بسعته وجماله وأناقة مفروشاته الجاثم في تفرغ زين مبنيا أصلا من أموالها؟
أم أن سوق خديجة الذي أمر المتهم بشرائه بمبلغ مائتي مليون أوقية قديمة من أموال الجمعية الخيرية لصالح ابنته أسماء محمد عبد العزيز كان من أموال أخرى غير أموال الرحمة؟
وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون غسل الأموال فإن جريمة غسل الأموال تثبت في حق أي متهم اكتسب أو حاز أو استخدم الأموال المتحصلة من جريمة أصلية، والجريمة الأصلية هنا هي إساءة استغلال الوظيفة.
وبالنظر إلى ما سبق ذكره فإن جريمة غسل الأموال تمر بثلاث مراحل ليكتمل عنصراها، المادي والمعنوي.
- إن أول مرحلة هي الإيداع ويعني في لغة أهل القانون، بعد الأموال عن الارتباط المباشر مع المتهم والجريمة، والدليل على ذلك الودائع التي ذكرنا سابقا لدى التجار وحمى تنويع الاستثمار[mm3] ، والشراء المطرد للأملاك العقارية والمنقولات من غير حاجة ضرورية.
- الإدماج: وهو إتاحة الأموال للمجرم من مصدر يبدو أنه مشروع، فلا بد لهذه الأموال القذرة أن تمر بمسارات أخرى لترجع للفاعل الأصلي وكأنها نظيفة،
- التمويه وسنذكره في حينه.
وفي الحقيقة، فإن هيئة الرحمة ما كانت إلا مصنعا متجددا لغسل الأموال حيث بين البحث القضائي أن المتهم الرئيسي كان يقوم بإخفاء المصادر غير المشروعة. وفي هذا الإطار بالتحديد قام المتهم الرئيسي من خلال أحد أبنائه بإنشاء جمعية غير ربحية لاستخدامها كغطاء لغسل الأموال سماها جمعية الرحمة. ومن خلال كشوف حسابات هذه الجمعية تبين أن أحد حساباتها مر عبره مبلغ يزيد على عشرين مليار أوقية قديمة.
من أين لجمعية الرحمة كل هذه الاموال؟ أليست ملزمة قانونيا بكشف حساباتها المصرفية والإدلاء بأسماء المانحين والممولين لها؟ من المسؤول عن جمعية الرحمة؟
في بداية هذه المحاكمة، وعند سؤال رئيس المحكمة عن المسؤول عن جمعية الرحمة انبرى أمامنا جميعا المتهم الرئيسي ليرفع يده مشيرا بدون شك وبدون استحياء أنه المسؤول الفعلي لهذه الهيئة، ليتراجع، فينقلب على عقبيه بعد ما أشار له دفاعه بضرورة ذلك. وما كنت أظن شخصيا أن سياسة النعامة تليق برئيس سابق للجمهورية.. ولكن علينا أن نخبت ونركن أمام الهدي القرآني إذ جاء في محكم التنزيل {إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا}، ويشكل هذا التراجع[mm4] والإنكار أقوى دليل على نية القصد الإجرامي واستمرارية المتهم الرئيسي في التمويه. والتمويه هو المرحلة الثالثة التي تمر بها جريمة غسل الأموال والذي يمكن من التستر على حقيقة هذه الأموال، ومسارها والعمل على تضليل ملاحقيها.
ثانيا: إن ثاني رافد اجرامي لهذه الثروة الهائلة هو الصفقات العمومية الملتوية:
كما يقول أحد الخبراء في مجال الطاقة، فإن المليارات الكثيرة التي صرفت من أجل حل مشاكل الطاقة في البلد خلال عشرية حكم المتهم الرئيسي، كانت كمن يشتري مائة سيارة من أجل توصيل ابنه الوحيد إلى المدرسة!، ورغم دقة هذا التوصيف، فإنه لا يكفي حسب رأيي للتعبير بشكل دقيق عن حجم الفساد والنهب الذي تعرضت له موارد الدولة بذريعة حلحلة مشاكل الطاقة في البلاد، وما الوضعية الصعبة الحالية التي تتخبط فيها شركة صوملك إلا دليلا آخر على ذلك. فقد واظب المتهم الرئيسي منذ استلامه للسلطة على منح الامتيازات غير المستحقة في مجال الطاقة للمقربين منه على حساب المصلحة العامة للبلد مما شكل رافدا آخر مهما من روافد ثروته المهولة المعلومة، والمجهولة، فقد أثبتت وثائق الملف وشهادة الشهود بشكل قاطع أن المتهم الرئيسي تدخل بصفة مباشرة من أجل منح صفقة خط الجهد العالي بين نواكشوط ونواذيبو، للشركة الهندية ''كالباتارو'' بعد أن دخل في مفاوضات مباشرة مع ممثليها في القصر الرئاسي بواسطة صهره المتهم محمد ولد امصبوع،
كما ثبت من خلال الملف أيضا أنه تدخل بصفة شخصية لدى شركة صوملك ووزارة النفط للتواصل مع شركة جوي صولار الصينية سنة 2013، وسنة 2016، بعد أن استقدمها قبل ذلك للسوق الموريتانية بشكل سري لإنارة القصر الرئاسي.
وبالفعل فقد تم منحها أهم صفقات الإنارة بالطاقة الشمسية في البلاد رغم عدم مطابقة منتجاتها للمعايير الفنية الضرورية، وما ذاك إلا محاباة لصهره ، بعد وفاة ابنه المرحوم أحمدو، من أجل كسب مزيد من المال على حساب شركة الكهرباء التي أرغم المسيرون فيها في أكثر من مرة على الخضوع لرغبات هذه الشركة المجهرية الصينية، سواء فيما يتعلق بمنحها مبالغ مالية بشكل مسبق مخالف لكل الإجراءات المعروفة حتى ولو اقتضى الأمر تدخل مجلس الوزراء بأوامر مباشرة من المتهم الرئيسي لتغيير المرسوم المنظم للصفقات العمومية تذليلا لجميع الصعاب أمام هذه الشركة من أجل استنزاف موارد شركة صوملك، أو فيما يتعلق بالتلاعب بالإجراءات المصرفية من أجل إلغاء عمليات التحويل المصرفي لحساب هذه الشركة الصينية، وتحويل المبالغ المالية، بدلا من ذلك لحساب شخصي لمواطن صيني آخر بناء على تعليمات مسيري شركة صوملك ساعتها، مما يؤكد مرة أخرى انغماس المتهم الرئيسي في وحل الفساد بجميع صوره وأشكاله من استغلال للوظيفة ومنح امتيازات غير مستحقة وتبييض للأموال..
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة،
أيها السادة والسيدات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسني والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبيس المهاد} صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ما قال ربنا من الشاهدين.
إن أول مجرى لتصريف هذه الثروات المتراكمة للمتهم هو دون شك الولد العزيز والمتهم محمد امصبوع، تأبط هذا الشاب حظا عظيما بزواجه الميمون من أسماء محمد عبد العزيز فحظيا، معا، بموفور الحنان واللطف والتكريم الأبوي من طرف المتهم الرئيسي، وكان هذا الأب الحنون لا يدخر أي جهد ولا تفوته أية فرصة حتى يظهر للجميع مدى الارتباط العضوي بينهم، ولو على حساب الآداب ومتطلبات البروتوكول الجمهوري.
فكم من مناسبة رسمية اصطحبهما معه ليكونا في الواجهة وعلى المقاعد التي كان من المفترض أن تؤول لأصحابها من رجال الدولة. وكأن يقصد بهذه الحيل الإشهار النوعي والتمييز الإيجابي ليفهم الجميع أن لهما أيادي طويلة قد تساعد في اصطياد ما لذ وطاب من الفرص.
كان المتهم محمد امصبوع متسرعا لبناء مستقبله كما قال لمدير شركة اسنيم سابقا إبراهيم ولد أمبارك وشهد به هذا الأخير ليكون متهما أمام محكمتكم الموقرة بتهم ارتكاب جرائم استغلال النفوذ وإساءة استغلال الوظيفة، والإثراء غير المشروع، وإخفاء عائدات إجرامية، والمساهمة في التستر على ثراء غير مشروع.
وبالنظر إلى وثائق الملف، فإن هذا الاتهام مبرر بما في الكفاية، فبأمر من المتهم الرئيسي تم اكتتابه في شركة سنيم وحول فورا إلى باريس ليشغل وظيفة متميزة في الإدارة التجارية لهذه الشركة، واعترف بأن شركة اسنيم كانت تتولي تكاليف دراسة أبنائه في فرنسا، وأكد المتهم محمد عبد الله أوداعه والمدير السابق لشركة اسنيم أنه تلقى في هذا الموضوع أمرا من المتهم الرئيسي.
وتنسب للمتهم عدة أفعال إجرامية من أهمها:
- تهريب الممنوعات كالذهب والعملات الأجنبية ومساعدة المهربين بغطاء الحرس الجمهوري،
- تسهيل حصول شركة هندية على صفقة خط الجهد العالي من دون مناقصة واسترجاع مبلغ الضمان المالي الذي حجزته صوملك،
- الحصول على التخفيضات الجمركية مقابل الرشوة،
- الحصول على العشرات من القطع الأرضية بطرق غير مشروعة في نواذيبو،
- الحصول على مبالغ كثيرة من الأوقية والعملات الصعبة من طرف المتهم الرئيسي،
- زيادة ثروته الهائلة بعد مصاهرته للمتهم الرئيسي،
- الوساطة لصالح الشركات الأجنبية لدى القائمين على شركة اسنيم،
- امتلاك ثروة هائلة ومتراكمة لا يمكن لمن هو في سنه الحصول عليها، وتثبت تورطه في جريمة الإثراء غير المشروع، وقائمة هذه الثروة في الملف حيث تقدر بتسعة مليارات على أقل تقدير،
- استعمال أسماء الآخرين لشراء الأراضي وتسيير شركاته كشركة صحراء لوجستيك التي كانت باسم كل من أحمد بن عال لعبيدي وأحمد سمي،
- التستر على ثراء غير مشروع باستلامه لمبالغ معتبرة من طرف المتهم الرئيسي من أجل تبييضها،
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أذكر بعدالة عمر بن الخطاب لنفهم التباين القائم بين الذين يريدون الحياة الدنيا والذين يريدون ثواب الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أي سليم من أوساخ الدنيا وأدرانها.
خرج عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يوما إلى السوق فرأى إبلا سمانا فسأل: إبل من هذه؟ فقالوا إبل عبد الله بن عمر بن الخطاب، فانتفض وكأن القيامة قامت، وهو يكرر بخ ، بخ ، بخ يا ابن أمير المؤمنين ائتوني به فجاء عبد الله ووقف أمام عمر بن الخطاب، فقال أمير المؤمنين: يا عبد الله ما هذه الإبل؟ فأجاب عبد الله: هذه إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت هزيلة فأرسلت بها إلى المرعى لكي تكبر وتسمن لأتاجر فيها، وأبتغي ما يبتغيه المسلمون، فقال عمر بتهكم لاذع وقاس وإذا رآها الناس قالوا ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك، اذهب من وقتك هذا وبع هذه الإبل وخذ رأس مالك فقط ورد الربح لبيت مال المسلمين.
إن المجرى الثاني الذي طفحت فيه ثروة المتهم هو استثماره الداخلي والخارجي والمتنوع في جميع المجالات، فبالرجوع إلى قائمة ممتلكاته المحجوزة يتبن مدى الاستثمار الفاحش والمتنوع، فقد استثمر في أنواع وأحجام السيارات وفي الصهاريج والرافعات والجرافات والشاحنات ومصانع المياه، ومحطات توزيع البنزين وفي الزراعة وفي المنازل والشقق والعمارات والإبل والبقر والماعز والجاموس ومصانع الألومنيوم والخيل ومضخات الإسمنت والمنازل في اسطنبول وفي باريس.
وعند سؤال السيد رئيس المحكمة له، من أين لك هذه الثروة؟ أجاب بكل عفوية هدايا أهديت إلي، وما تبقي من فائض الحملات الانتخابية.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
قد يظن البعض أنني، بدوت قاسيا أثناء سير المحاكمة، وخلال مرافعتي هذه، ولكنني، والحق أقول أؤكد أن الدافع الحقيقي، العقدي والروحي هو تجريد الإخلاص لوجهه تعالى واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام في أوامره ونواهيه وانتهاج نهج صحابته الكرام من بعده والتأدب بآداب سلف الأمة الصالح.
كنت، والله على ما أقول شهيد[mm5] ، قد وضعت نصب عيني خلال هذه المحاكمة الموقف الذي حصل بين عمر ابن الخطاب وسلمان الفارسي رضي الله عنهما، عندما وزع عمر على المسلمين بعض الثياب التي جيء بها من اليمن، وكان حظ كل شخص ثوبا واحدا وأخذ عمر ثوبه، وبما أن عمر بن الخطاب كان طويل القامة لم يكفه ثوب واحد، فطلب من ابنه عبد الله بن عمر، أن يعطيه ثوبه ليخطب في المسلمين قبل يوم الجمعة فأعطاه ثوبه ولبسه فلما صعد المنبر قال: أيها الناس اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي من وسط المسجد وقال: والله لا نسمع ولا نطيع، فاضطرب المسجد، فقال عمر ما لك يا سلمان؟
قال سلمان تلبس ثوبين وتلبسنا واحدا، وتأمر بعد ذلك بالسمع والطاعة! قال عمر قم يا عبد الله فأجب سلمان، فقام متوسطا الجماعة وقال الثوب الإضافي الذي يلبسه أبي هو نصيبي من الثياب التي قسمت على المسلمين أعطيته إياه ليستر به ما يحب أن يستر، عندها بكى سلمان الفارسي ثم قال الآن: قل نسمع وامر نطع.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
أيها السادة والسيدات،
لقد ظل المحامي في منظومتنا القانونية القديمة، مجرد عون للقضاء، غير أن كفاح المحامين وسعيهم الدؤوب لتحسين دوره مكن من تغيير مركزه ليصبح بموجب القانون الجديد شريكا في إقامة العدل من خلال دوره المهم في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وبما أن القضاء هو، قبل كل شيء، صناعة تقوم على أساس المعرفة الدقيقة والأخلاق السامية كالنزاهة الفكرية والصرامة العلمية، مما يلزم المحامي بالوقوف عند حدود مقولة السلف الصالح من الأمة التي تقول: الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق.
ولن يفوتكم أن المنطلق الأساسي لهذه المقولة هو قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}، وقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} صدق الله العظيم، وكذلك ما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أو شك أن يعمهم الله بعقابه"، وقوله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".
من هنا يتبين بكل وضوح، وجوب إنكار المنكر بحسب الاستطاعة، وحرمة السكوت عليه التي تجعل المسلم شيطانا أخرس.
وبما أن إنكار الباطل واجب عام على عموم المسلمين، فإنه يجب على المحامي، بغض النظر عن مركزه في الخصومة، مدعيا كان أو مدعى عليه، أن يتوخى الصدق ويميل مع الحق حيث مال لقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}.
والشنآن في الآية الكريمة يقصد به بغض القوم لكم، ولكن هذا البغض لا يجب أن يكون مانعا لإقامة العدل بغض النظر عن العداوة أو الصداقة.
ودون أن أتحول إلى محامي دفاع بالمفهوم اليهودي، كما يحلو لبعضنا خلافا للهدي الرباني {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، فإنني أجدني عاجزا اليوم عن فهم الأساس القانوني لمتابعة الموظفين من المتهمين الذين لم يتهموا بجريمتي الإثراء غير المشروع أو تبييض الأموال.
ومساهمة مني في تبيان الحق، فإني أذكر بمقتضى المادة: 184 من القانون الجنائي التي تنص بالحرف الواحد على أنه (تبقى العقوبات المنصوص عليها بالمادتين: 182 و183 منطبقة على الموظفين أو المأمورين الذين تصرفوا بسبب أوامر رؤسائهم ما لم تكن هذه الأوامر صادرة من طرف رؤسائهم في موضوعات تتعلق باختصاصهم، وتجب الطاعة فيها حسب التسلسل الإداري، وفي هذه الحالة فإن العقوبات المنصوص عليها أعلاه لا تطبق إلا على رؤسائهم الذين هم أول من أعطى هذه الأوامر).
{إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة
من الحكم المأثورة:
إذا بلغ الرأي المشــــورة فاستعـــــــن *** بـــــــرأي نصيح أو مشورة حـــازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة *** فـــــإن الخوافـــــي قوة للقــــــوادم
والاستشارة القانونية، وما يترتب عليها من مؤازرة يجب أن يرتاد لها من الناحية الشرعية من قد اكتملت فيه خمس خصال:
- عقل كامل مع تجربة سالفة؛ فكثرة التجارب توضح الرؤية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا"، وفي أكثر الأحوال، تكشف لك التجربة عن الأسرار الكامنة.
- على المستشار أن يكون ذا دين وتقوى، فإن ذلك عماد كل صلاح وباب كل نجاح لأن من غلب عليه الدين فهو مأمون السريرة موفق العزيمة،
- على المستشار أن يكون ناصحا ودودا لأن النصح والمودة يصدقان الفكرة،
- على المستشار أن يكون سليم الفكر من أي هم قاطع أو غم شاغل، وذلك لأن من عارضت فكره شوائب الهموم، لا يسلم له رأي ولا يستقيم له خاطر،
- على المستشار ألا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، وذلك لأن الهوى صاد عن سبيل الله سبحانه وتعالى.
فإذا اكتملت هذه الخصال في المحامي، كان أهلا للمشورة ومعدنا للرأي. أما إذا كان من غير أهل لبصيرة فإن اللجوء إليه يكون ندامة.
ويقول أهل التمكين من المتصوفة: «من عمر ظاهره بالسنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال، لم تخطئ له بصيرة".
وفي جميع الأحوال، إذا أراد الله بعبد هلكة، كان أول ما يهلكه رأيه؛ وفي هذا المنحى يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "الرجال ثلاثة:
- رجل ترد عليه الأمور فيسددها برأيه
- رجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي
- رجل حائر، بائر، لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا".
بدل مراعاة هذه الصفات الواجبة شرعا في حق المستشار، اختار المتهم الرئيسي استجلاب محامية سافرة وتوكيل من لج عتوا في قبيح اكتساب مؤازرة من أساء إلى الرسول الكريم ظنا من المتهم أن الاعتماد على هؤلاء يشكل وسيلة للفلاح أو النجاة.
سلك دفاع المتهم الرئيسي خطا غريبا بالاحتجاج بالمادة 93 من الدستور وظل المتهم يتمسك بهذه الدعوى طيلة مراحل الاتهام والتحقيق والمحاكمة، دافعا بعدم اختصاص محكمتكم الموقرة.
سلك أيضا أعضاء دفاع المتهم طريق الافتراء والتضليل حتى أوهموا ضعفاء العقول أن الاستهداف السياسي هو السبب المباشر في متابعته، متجاهلين الوقائع الإجرامية الواضحة والدقيقة من سرقة واختلاس وغلول.. والمرء لا يعرف قدره ما لم تبن للناس أفعاله.
بانت جرائم المتهم الرئيسي ولم يعد في ذاكرة الموريتانيين والمنظمات الحقوقية، الوطنية منها والدولية، شك في صحة ما نسب إليه.. وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
كان أولى للمتهم أن تكون له أسوة حسنة في واقعة البرمكي لما حبس هو وولده فنظر إلية ولده وقال: "يا أبت، بعد العز صرنا في القيد والحبس" فأجاب البرمكي قائلا: "يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عز وجل عنها"؛ "وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلت".
وبدل الانزلاق في التبريرات المزيفة والعدول عن الحق كان على المتهم أن ينتبه إلى الجانب الإيماني لمسألته، ويجعل نصب عينه فحوى الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما، قال: "كنت خلف النبي صلى الله علية وسلم يوما، فقال يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف".
ولهذا الحديث سند قرآني في قوله تعال: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
كما تعلمون، فإن للمحكمة الجنائية سلطة واسعة منحها لها المشرع تمكنها من إعادة تكييف التهم المسندة إلى المحالين أمامها وفقا لما نصت عليه المادة: 322 من قانون الإجراءات الجنائية، وقد اعتبر الفقه القانوني أن إعادة التكييف حق للمحكمة وواجب عليها في نفس الوقت بشروط وضوابط صارمة تقوم في جوهرها على التطبيق السليم والعادل للقانون على الوقائع، وقد استمعتم بشكل مفصل خلال الأشهر المنصرمة من هذه المحاكمة إلى تصريحات المتهمين والشهود والنيابة العامة والدفاع والطرف المدني، وقد أثبت كل ذلك بشكل قاطع أنه ما كان للمتهم محمد ولد امصبوع ، على سبيل المثال ، أن ينجو من تهمة غسل الأموال التي كانت أظهر في حقه وأوضح من تهمة التستر على الثراء غير المشروع مما تسبب في النهاية في تضييع فرصة مهمة على الطرف المدني يمكنه أن يتمكن من خلالها من جبر الأضرار التي لحقت به.
وأنا هنا، ودون أتجاوز حدود مهمتي، واعتمادا على نفس الاعتبارات التي تم تفصيلها سابقا والمتعلقة بدورنا في إقامة العدل كمحامين أوكد على ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها بما يضمن مؤاخذة كل بجريمته دون زيادة أو نقصان.
السيد الرئيس،
السادة أعضاء المحكمة الموقرة،
تجنبا للإطالة، من غير ضرورة، فإنني أتمسك بطلبات لفيف الدفاع عن الطرف المدني التي سيتقدم بها مكتوبة أمام المحكمة الموقرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أشكركم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
ذ/ فضيلي محمد الرايس