بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى شرعية في مشروع قانون النوع المدعو(كرامة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد..
فامتثالا لقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث تميم بن أوس الداريِّ رضي الله عنه: (الدينُ النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: للهِ، ولكتابِه، ولرسولِه، وأئمةِ المسلمينَ وعامَّتِهم) رواه مسلم.
واستجابة لما طلب مني من بيان الحكم الشرعي في مشروع قانون النوع المدعو (كرامة).
فإني بعد الاطلاع على النسخة الأخيرة المتداولة من مشروع هذا القانون، أتوجه إلى جميع المسلمين.. عامتهم وخاصتهم بهذه الفتوى المتضمنة لما يلي:
أولا:
أن مشروع هذا القانون، المدعو (كرامة)، ليس قانون كرامة، بل هو إهانة للمرأة، ومخالف للشريعة الإسلامية شكلا ومضمونا، ولا يرجع في أحكامه ولا توجيهاته إلى كتاب الله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا إجماع العلماء، ولا اجتهادهم واستنباطهم.
وهذه هي الأصول التي يجب أن يرجع إليها كل مسلم في تشريعه وتوجيهه؛ وكل حكم يرجع إلى غيرها فهو حكمٌ بغيرِ ما أنزلَ الله.
والله جل جلاله يقول: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 49].
ويقول تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45].﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47].
إن مشروع هذا القانون ليس صالحا للمسلمين، ولا يحتاجون إليه، وإنما هو قانونٌ لقيطٌ رَكِيكٌ في مَبناهُ ومَعناه، ولا يعالج أوضاع المجتمع المسلم، فقد صوَّر المرأة على أنها كائن غريب، لا تحظى بحنان الأم، ولا برحمة الأب، ولا حماية الأخ، ولا غيرة الزوج.
كما تضمن مشروع القانون هذا موادَّ تشجع على العقوق، والنشوز، وتُدخِلُ الجمعيات المشبوهة في شؤون الأسرة، وتهيِّئُ الظروفَ المغرية بلجوءِ النساء والفتيات إلى ملاجئَ ومحاضنَ غريبة لحمايتهن من آبائهن، وأزواجهن!!
ومن أخطر ما في مشروع القانون هذا أنه ينص على إلغاء كل ما خالفَه من القوانين السابقة، بما فيها أهم مدونتين قانونيتين شرعيتين في البلاد، وهما: مدونة الأحوال الشخصية، والقانون الجنائي!!
إن الأساس الذي يقوم عليه (قانون النوع) هذا، وما تفرَّعَ عنه من قوانين مشابهة، كفيلٌ بهدمها شرعا وطبعا؛ فهي تقوم على أساس عدم التفريق بين الرجل والمرأة من كل وجه، ودون تفصيل، بينما فرق الله تعالى بينهما في أشياءَ اقتضتها حكمتُه وعلمُه، وعدله، وطبيعةُ كلٍّ منهما، وما هيأه الله له، وفطرَه عليه، وإن كان الأصل في الشريعة التسوية بينهما في أصل الخطاب والتكليف.
ومن الأمور التي اقتضت حكمة الله تعالى التفريق فيها بين الرجل والمرأة، فجعلها الله بيد الرجل دون المرأة: الولاية الأبوية، والقوامة الزوجية، وحقوق التأديب الأسرية، وهي أمور يريد مشروع قانون النوع (كرامة) إسقاطها مع حقوق شرعية أخرى، بل ينص على تجريم، ومعاقبة من يمارس حقه في القيام بها!!
يقول الله عز وجل: {ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا} (النساء 34)
ومنها التفريق في بعض الواجبات، فقد فرض على الرجل ما لم يفرض على المرأة من النفقة عليها، وعلى الأسرة، والجهاد، والدية، وغير ذلك.
وهذا التفريق في الواجبات اقتضى تفريقا في بعض الحقوق، ففرض الله للرجل من الحق في الميراث ما يتناسب مع ما فرض عليه من الواجبات، فجعل له ضعف ما لها في الميراث مقابل ذلك، تشريعا من حكيم عليم.
قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 228].
قال المفسرون: فزيادة درجة الرجل بعقله وقوَّته على الإنفاق، وبالدية، والميراث، والجهاد.
ومما ميز الله به الرجل جواز الجمع بين أربع نساء، وذلك لحكمة بالغة اقتضت ذلك، فنسبة النساء أكثر من نسبة الرجال في المجتمعات المختلفة، وخاصة في أزمنة الحروب وبعدها، كما هو معروف.
يقول الله عز وجل: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا} (النساء3)
ثانيا:
إن مشروع هذا القانون - الرَّكيكَ في شكله ومضمونِه - نحن أغنياء عنه ولا نحتاج إليه؛ لأن عندنا من الكتاب والسنة وأقوال العلماء ما يغنينا عنه.
ولو فعلت النصوص الشرعية، والقوانين المستنبطة منها، لتحقق العدل، وارتفع الحيف، وأخذت المرأة والرجل حقوقهما كاملة.
ولو افترضت الحاجة إلى تشريع في هذا المجال، فلدينا من العلماء الأكْفَاء، والمصادرِ الشرعية الغنية، ما يمكننا من إعداد تشريع أصيلٍ غيرِ لقيطٍ ولا دخيل، نرجع فيه إلى الكتاب والسنة وإجماع العلماء واجتهادهم، فيغنينا عن التطفل على فضلات موائد اليهود والنصارى، وأعداء الإسلام.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وأوصافه العلى أن يوفق أئمتنا وولاة أمورنا للحكم بما أنزل الله، وأن يلهمهم الرشاد في نبذ هذا القانون، فإنهم إن فعلوا ذلك أسدوا معروفا كبيرا إلى هذا البلد ونالوا رضا ربهم إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
القاضي أحمد الحسن ولد الشيخ محمد حامد
الرئيس السابق للمجلس الأعلى للفتوى والمظالم
بتاريخ: 21 جمادى الأولى 1445 هـ
الموافق 05 / 12/ 2023 م