كلمة الإصلاح كانت قد قرأت في هذه الأيام (ولا سيما أيام هيجان) أهل السياسة عندما تؤزهم الشياطين أزا أثـناء الحملات الانتخابية والمهرجانات الخطابية ـ فقد قرأت كلمات مكتوبة وسمعت خطابات لا شك أن أهلها مسلمين لأنهم قد يسـتـشهدون بالآيات القرآنية والأحاديث أو على الأقـل يصيغون جملهم من معنى الآيات والأحاديث طلبا لحسن التركيب وعمق المعنى.
ولا شك كذلك أنهم مقـتدرون على إيصال الكلمة المعبرة عن المراد قوله بأحسن عبارة وأسرعها إلى مكان التأثـير من السامع وأعمقها قي اللغة المعبر بها ـ وفي نفس الوقت ليس أكثرهم علمانيا يفرق بين ما يقوله المرأ في السياسة وما يقوله في عبادته.
فكلماتهم المعبرة توحي بأنهم يدركون معنى قوله تعالى {وما تكون في شأن وما تـتـلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تـفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء} إلى آخر الآية.
فهم يعرفون أن كلمة الشأن نـكرة تدل على أي شيء يقوم به الإنسان أي كل ما يصدر عنه في أي شأن وكذلك "عمل" في الآية نكرة أيضا تعني كل عمل يصدر من الإنسان، وكذلك فإن هذا الإنسان سواء كان مواليا أو معارضا فإن هذه الصفة لا تـغـير شيئا من مسؤوليته الأخروية فحسابه الأخروي يدور إيجابا أو سلبا عن ما يصدر منه.
وخصوصا فإن الكلام هو أكثر ما يكب الناس على مناخرهم في النار يوم القيامة بنص الحديث المتفق عليه والمفسر لقيمة الكلمات الصادرة من الإنسان كما قال تعالى {ألم تروا كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتى أكلها كل حين بإذن ربها} وفي آخر الآيـــة {ومثـل كلمة خبيثـة كشجرة خبـيثة اجتـثت من فوق الأرض ما لها من قرار} بمعنى أنه ليس القول الذي يكب صاحبه في النار هو أي قول وسواء كان قائله مواليا أو معارضا ـ فالخبث هنا كل ما نهي الله الإنسان عن قوله لأخيه الإنسان، فهذه الآيات تـفسر بها المعاني الموجودة في الأحاديث عن قضية التأثير الأخروي في مصير الإنسان المتـكلم في أعراض الناس في أي شـكل أو موضوع.
فمن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنزل إليه الذكر ليـبـين للناس ما نزل إليهم والرسول صلى الله عليه وسلم بـين قيمة الكلمة الطيـبة والكلمة الخبـيثة بالحديث، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتـكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا تهوي به سبعين خريفا في جهنم.."، ونفس الشيء تـفعل له الكلمة الطيبة التي لا يلقى لها بالا لكنها تبلغه من رضى الله ما لا يخطر منه على بال.
وهذا الكلم الطيب أو الخبـيث سواء كان مدحا أو ذما وسواء كان مركبا تركيبا قويا جرس حروفه تخرق السمع مباشرة إلى القـلب معنى وفكرا ولغة ويستحسنه السامع الذي في قـلبه مرض إذا كان مع الكاتب أو الخطيـب الذي قـلبه مريض مثـله سياسيا ومرض القلب السياسي هنا يعنى القلب الذي لا يحجزه إيمانه عن عيب خصمه سياسيا أو الإعجاب بمواليه سياسيا.
أما يعلم كل من المادح أو الذام أن المدح أو الذم الذي يصدر منه يذهب معهما ما عنده من خلق الكرام لأن المدح لا يقع إلا عن خوف أو طمع وهما مذمومان في خلق المسلم، والذم لا يقع إلا من ناقص العقيدة.
ومن هنا نعود إلى الآيات لتـفسر لنا قيمة الكلم الخبيث الرزين المحكم جمله الشـديـد جرسـه يقـول تعالى {ومن الناس يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قـلبه} إلى آخر الآية، وإن أفزع وعيد وأبلـغ عبارة توجه للمتـكلم مريض القـلب في الدنيا هي قوله تعالى {وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسـندة}.
وهنا أعبد القارئ إلى المنظر الذي نـشاهد دائما والمادح يمدح بالكذب والذام يـذم بالكذب وهو يـلبس أحسن ثيابه وفي حالة معتدلة نضير الوجه نضارة أهل الدنيا التي بعدها النظر إلى هذه الوجوه المخالفة لأمر الله مسودة وليس فيها مدغة من لحم من جراء المدح أو الذم سواء كان بالحق أو الكذب.
فعندما تـنظر إلى هذا الموالي أو المعارض وهو يقوم أمام الشاشة بما يغضب الله من المدح أو الذم لغيره فيخـيل لك بالرغم من حسن هندامه ورونق لونه يخيل إليك أنه عريان وسوآته تتراءى لكل ناظر وسامع حتى تـود أن تـقول له تـبا لك ما أحقـرك عـند نفسك لأنها هي التي كانت تحدثه بما اتفقت عليه هي وقرينه الشيطاني من الوسوسة والوحي إليه بإعجاب نفسه وبشدة رضى ممدوحه عنه وشدة غضب مذمه عليه من الألفاظ الصادرة من تـلك النفس.
وهنا أتحاشى أن أسمي أي مادح ولا ذام موال أو معارض بل أنا أقول هنا على غرار الحديث: ما بال أقوام، لأن تعيـين مثـل ذلك هو الذي تحذر منه كلمة الإصلاح، ولكن لا شك أن الناس ولا سيما من يقرأ ويسمع يكاد أن يـلتـفت إلى محدثه قائلا له هذه الكلمة تعنى فلان وفلان من الموالاة والمعارضة وليست فلان هنا تعني واحدا ولكنهم الفلانيون والفلانيات بالجمع المذكر والمؤنث السالم والتـكسير.
وأضيف هنا مع سقوط أهل المدح والذم أهل التزوير وأصرح أولا أني لا أعني بالضرورة والواقع ما وقع من تزوير انتخابات التعديلات، فالقصد ليس منصبا على ذلك ولكنه منصب على عدم ملاحظة المسلم العاقـل وربما العالم أو على الأقـل عالم بما يضره وما ينفعه أخرويا ومع ذلك تذهب عنه هذه الأوصاف عندما يريد أن يمدح أو يذم أو يزور سواء كان المدح أو الذم أو التزوير يعنى هذه السلطة أو صادر عنها فالجميع معروف لدى الكل ذمه في الإسلام لخطورة عقوبته في الآخرة.
فالمدح إن كان حقا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجه صاحبه ونصرح له أنه قطع عنق صاحبه، أما إن كان المدح بالكذب فهو النفاق وأهل النفاق يشكـلون يوم القيامة حزبا خاصا بهم يسمى حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون.
وهنا أذكر باستـنتاجات الرجل الموريتاني الحسني عندما قال له خصمه (وإذا الكريم بسبه قد رامنا) فقال زميل لمن يعنيه البيت (الرجل يقول إنك لئيم) فقال له المذموم الشاعر قال: وإذا الكريم بسبه قد رامنا فأجابه الرجل: الكريم لا يسـب فمعنى ذلك أنه قائلا إنك لئيم.
أما ذم الشخص واتهامه فإن كان غائبا فهو الغيـبة ومعروف أنها كبيرة سواء كان الذام أو المذموم رئيسا أو مرؤوسا لأن توجـيه هؤلاء جميعا يكون بالنصح فيما بـينهم، والغيـبة معروف طول ألسنة أهلها في الآخرة فهم يفـترشون ألسنـتـهم، وإن كان ما قال كذبا فهو البهتان والإفك والكتاب والخطباء ولا سيما في السياسة يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
أما التزوير وأنواعه ومسؤوليته فإني أحيل القارئ الكريم إلى سماع برنامج الأستاذ الفاضل محمد محمود بن أحمد يوره في إذاعة القرآن الموريتانية ليعرف ما أعده الله للمزورين في أي شكـل من أشكال التزوير سواء كان سياسيا أو اجتماعيا، فالله يقول {يوم تجـد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بـينها وبـينه أمدا بعـيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد}.