نواصل بإذن الله تعالى في هذه الحلقة ما بدأناه في الحلقات الماضية، من التعريف بدين الشيعة الإمامية الإثني عشرية، فأقول مستعينا بالله:
كربلاء عندهم أفضل من مكة بل من الكعبة المشرفة:
جاء في بحار الأنوار (98/106) عن أبي عبد الله – هو جعفر بن محمد رحمهما الله - قال: إن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها أن كفي وقري ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري واستقري وكوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم.
وقد قال مرجعهم الطباطبائي في منظومة له:
ومن حديث كربلا والكعبه *** لكربلا بانَ علوّ الرتبه
المسجد الأقصا عندهم ليس في الأرض ولا مقدساً:
جاء في بحار الأنوار (97/405): "عن رجل عن أبي عبد الله قال: سألته عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفضل منه".
وجاء في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم لجعفر مرتضى العاملي (3/128): "إن المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله هو في السماء".
أهل "قُمّ" مبشرون بالجنة!!
جاء في بحار الأنوار (57/217): عن الصادق - جعفر بن محمد - (ع) قال: إنّ لعلى قمّ ملَكاً رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبّار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدّل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة.
وفيه (57 / 218) عنه أيضا قال: محشر الناس كلهم إلى بيت المقدس إلا بقعة بأرض الجبل يقال لها قم، فإنهم يحاسبون في حفرهم ويحشرون من حفرهم إلى الجنة. ثم قال: أهل قم مغفور لهم. قال: فوثب الرجل على رجليه وقال: يا ابن رسول الله هذا خاصة لأهل قم ؟ قال: نعم ومن يقول بمقالتهم.
وفيه (57/228): عن الرضا (ع) قال: للجنة ثمانية أبواب فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم ثم طوبى لهم.
بأي شريعة سيحكم صاحب الزمان؟!
بوب الكليني في الكافي (1/249) بابا في أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة، وأورد فيه عن أبي جعفر الباقر: إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة.
وعنه: "لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها".
وأن سائلاً سأله: "بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، تلقانا به روح القدس".
عقيدة الطينة:
قال الجزائري في الأنوار النّعمانيّة عن روايات الطينة: 1/267: "إنّ أصحابنا قد رووا هذه الأخبار بالأسانيد المتكثّرة في الأصول وغيرها، فلم يبق مجال في إنكارها، والحكم عليها بأنّها أخبار آحاد، بل صارت أخبارًا مستفيضة، بل متواترة".
وجاء في بحار الأنوار: 5/119 عن أبي إسحاق اللّيثي قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر - عليه السّلام -: يا ابن رسول الله، أخبرني عن المؤمن المستبصر - يعني الشيعي الإمامي - إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني؟ قال: اللهمّ لا، قلت: فيشرب الخمر؟ قال: لا، قلت: فيأتي بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش؟ قال: لا.
قلت: يا ابن رسول الله، إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر، ويقطع الطّريق، ويخيف السّبيل، ويزني، ويلوط، ويأكل الرّبا، ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصّلاة والصّيام، والزّكاة، ويقطع الرّحم، ويأتي الكبائر، فكيف هذا ولِمَ ذاك؟
فقال: يا إبراهيم، هل يختلج في صدرك شيء غير هذا؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله أخرى أعظم من ذلك، فقال: وما هو يا أبا إسحاق؟ قال: فقلت: يا ابن رسول الله، وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة والصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة، ويحرص على الجهاد، ويأثر - كذا - على البر، وعلى صلة الأرحام، ويقضي حقوق إخوانه، ويواسيهم من ماله، ويتجنب شرب الخمر والزنا، واللواط وسائر الفواحش، فما ذاك؟ ولِمَ ذاك؟ فسّره لي يا ابن رسول الله وبرهنه وبينه، فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي، وضاق ذرعي".
قال أبو جعفر: "يا إسحاق ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت: لا والله، جعلت فداك إلا أن تخبرني، فقال: يا إسحاق، إن الله - عز وجل - لما كان متفردًا بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شيء، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها، ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت، فلو أن طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم، ولا سرق، ولا لاط، ولا شرب المسكر ولا اكتسب شيئًا مما ذكرت، ولكن الله - عز وجل - أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها ثم نضب الماء عنها، ثم قبض قبضته وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون ، وهي طينة خبال، وهي طينة أعدائنا، فلو أن الله - عز وجل - ترك طينتهم كما أخذها لم تروهم في خلق الآدميين، ولم يُقرّوا بالشهادتين، ولم يصوموا ولم يصلوا، ولم يزكوا، ولم يحجوا البيت، ولم تروا أحدًا منهم بحسن خلق، ولكن الله - تبارك وتعالى - جمع الطينتين - طينتكم وطينتهم - فخلطهما وعركهما عرك الأديم، ومزجهما بالماءين فما رأيت من أخيك من شر لفظ، أو زنا، أو شيء مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، ليس من جوهريته وليس من إيمانه، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حسن وجه وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة، أو حج بيت، أو صدقة، أو معروف فليس من جوهريته، إنما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان اكتسبها وهو اكتساب مسحة الإيمان.
قلت: جعلت فداك فإذا كان يوم القيامة فَمَهْ؟ قال لي: يا إسحاق أيجمع الله الخير والشر في موضع واحد؟ إذا كان يوم القيامة نزع الله - عزّ وجلّ - مسحة الإيمان منهم فردّها إلى شيعتنا، ونزع مسحة النّاصب بجميع ما اكتسبوا من السّيّئات فردّها على أعدائنا، وعاد كلّ شيء إلى عنصره الأوّل.
قلت: جعلت فداك تُؤخذ حسناتهم فتردّ إلينا، وتُؤخذ سيّئاتنا فتردّ إليهم؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.