على مدار الساعة

خبير: الشركاء الغربيون يوجهون قطاع الصحة مقابل دعم لا يتجاوز 17% (فيديو)

7 يونيو, 2024 - 20:11

 

الأخبار (نواكشوط) ـ وصف أخصائي أمراض المخ و الأعصاب سامي محمد الأمين داداه قطاع الصحة بأنه يعاني من التبعية جراء تحكم الشركاء الأجانب الغربيين وفرضهم للسياسات الصحية.

 

وأضاف خلال حديثه ضمن برنامج "رأي الخبير" الذي تبثه وكالة الأخبار، أن هذا التحكم يتم مقابل دعم لا يتجاوز 17%، وفي وقت يصل التمويل الجكومي لقطاع الصحة إلى 80%.

 

ودعا ولد داداه، الرئيس الذي سينتخب في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى العمل على تحقيق استقلالية القطاع، معتبرا أن ما يصفها التبعية تمثل إحدى التحديات التي يواجهها قطاع الصحة في البلاد.

 

وعدد من بين التحديات التي يواجهها قطاع الصحة تراكم الضغط على المستشفيات، واختلال المنظومة الصحية، وعدم الاستقرار، وإبعاد الأطباء عن رسم السياسات الصحية، إضافة إلى إشكالات وفيات الأمهات وانتشار السرطان والجلطات.

 

وعن مقترحات دعا الدكتور سامي إلى إقامة نظام للتكوين، ومشاركة الجمعيات الطبية والهيئات في رسم السياسات الصحية، وتحيين نظام التأمين دوريا، والتشجيع على الإبداع، وتوفير الأدوية غالية الأسعار، والفصل المؤسسي والقانوني بين القطاعين العام والخاص.

 

والدكتور سامي محمد الأمين داداه هو أخصائي في أمراض المخ والأعصاب، وهو خريج جامعة الشيخ آنتا جوب في العاصمة السنغالية داكار، ويشغل منصب الأمين العام للجمعية الموريتانية للأمراض العصبية.

 

 

وهذا نص الحلقة:

 

الحديث عن قطاع الصحة، حديث عن قطاع تقني ذي خصائص مائزة أبرزها:

- أنه قطاع علمي يتطلب النخبة العلمية في مجال الصحة والتخصص في مجال الاستشفاء

- أنه قطاع مهني، يتأسس على القيم المهنية، ويتمايز مع غيره من القطاعات بناء على ذلك

- أنه قطاع خدمي يمس يوميات حياة الأمة، وهي متأثرة بكل مفاصله، وكل تفاصليه.

 

 

وبشكل عام فإن النظام الصحي في كل بلد يتأسس على أركان مهمة هي:

- خارطة التغطية الصحية: وهي في بلادنا ليست سيئة مقارنة مع دول الجيران، حيث لا تغطي المراكز والنقاط الصحية أغلب مناطق الوطن تقريبا، لكن التساؤل ضروري عن تأثير هذه الخارطة في تقديم الخدمات الصحية، وهل تقدم هذه التغطية الصحية التوازن المطلوب، وهنا يظهر الاختلال أن ولايتي نواكشوط الجنوبية وهي أكثر مناطق العاصمة سكانا تضم مستشفى واحدا هو مستشفى الصداقة، فيما تضم الشمالية مستشفى واحدا، هو مستشفى الشيخ زايد، أما الغربية وهي أقل الولايات سكانا فتمتع بما يقارب سبع مستشفيات.

وهو أيضا في الداخل، يوجد مستشفى واحد، وهو مستشفى لعيون الموجه لقرابة 300 ألف من السكان، مع أن قدراته الاستشفائية محدودة للغاية.

ولذلك فإن التناسب المطلوب ينبغي أن يراعي بشكل نوعي عدد السكان، بحيث تكون التغطية عادلة وقادرة على تقديم الخدمات بشكل نوعي.

ينضاف إلى ذلك أننا نستخدم نمطين من التغطية الصحية، وهو الصحة القاعدية، والصحة الاستشفائية، بينما في دول الجوار وخصوصا السنغال وتونس والمغرب تستخدم ثلاث أنماط من التغطية وهي:

- الصحية القاعدية، بمستواها الابتدائي الذي يضم النقاط والمراكز الصحية، والمستوى الثانوي الذي يضم المستشفيات الولائية والجهوية، والمستوى الثالث، وهو المستشفيات التخصصية.

أما في موريتانيا فإن الصحة القاعدة والصحة الاستشفائية هي جزر منقطعة الاتصال فيما بينها، وهو ما يشكل اختلالا كبيرا سنعرض له لاحقا.

الموارد البشرية: وهو شهدت قفزة نوعية في الفترة الأخيرة ففي سنة 2014 كان المسجلون في السلك الوطني للأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة في حدود 640، أما الآن فإن لوائح السلك الوطني للأطباء فقط تزيد على 1200 دون احتساب أطباء الأسنان والصيادلة، وهو ما يعني مضاعفة قدرات الموارد البشرية في القطاع الصحي.

ومع ذلك فإن النقص ما زال شديدا، والحاجة مازالت ماسة، حيث يفترض أن يكون هنالك ممرض واحد لكل ألف مريض، وهو ما يعني حاجتنا تقريبا لحوالي 40 ألف ممرض، مع أن الموجود الآن في حدود 10 آلاف ممرض، وبعضهم له وظائف إدارية أخرى تحد من تفرغه لعمله.

ويضاف إلى ذلك أن هذا الطاقم في حاجة ماسة للتكوين، ولا توجد بالفعل سياسة تكوينية واضحة المعالم في هذا المجال، رغم ما قطع من مراحل مهمة بعد إنشاء مدارس الصحة العمومية في عدد من مناطق البلاد، وإنشاء كلية العلوم التمريضية، إلا أنه ما زال يحتاج إلى لفتة أكثر فعالية وجهود أكثر قدرات

ودون شك فإن إنشاء كلية الطب في موريتانيا فكان تحولا مهما للغاية في مسار التكوين، لكن ضآلة عدد المكونين يدفع هو الآخر إلى القلق تجاه جودة  التكوين، ففي سنة 2012، كان عندنا قرابة 300-400 طالب يتلقون التكوين الأكاديمي على يد على 100-110 مدرسين، إلا أن هذا العدد تناقص إلى قرابة النصف بسبب التقاعد، والوفاة، والتفرغ لوظائف إدارية أخرى، وهذا العدد القليل يواجه تمددا في أعداد الطلاب، الذين يقتربون من 1200 طالب في كلية الطب.

- توفير المستلزمات الطبية: وهو الركن الثالث في النظام الصحي، وتواجه موريتانيا عقبات كثيرة في هذا المجال، سواء تعلق الأمر بالأدوية، وخصوصا أدوية الأمراض المزمنة، أو الأدوية ذات السعر الغالي، والتي يتطلب استيرادها تذليل صعوبات كثيرة، إضافة إلى صعوبات صيانة الأجهزة ووسائل العمل المختلفة، التي تشترى على ميزانية الدولة بمبالغ مالية هائلة، ومع ذلك لا تجد الصيانة المناسبة، مما يجعلها عرضة للتلف قبل اكتمال أعمارها الافتراضية.

- إشكال التمويل: ونظام التمويل الصحي في موريتانيا يعتمد على ثلاثة أركان هي: ميزانية الدولة- مداخيل المؤسسات- العون الأجنبي

وهذا الأخير يقدمون مسارات دعم بحوالي 17% تقريبا لا أكثر، أما ميزانية الدولة فقد تضاعف بشكل كبير خصوصا مع أزمة كوفيد 19، إلا أن ذلك لم ينعكس على الخدمات الاستشفائية بشكل يلفت الانتباه، أو يحقق الأهداف المنشودة.

 

 

سبع تحديات

يمكنني تحديد سبع إشكالات أو تحديات أساسية في وجه المنظومة الصحية الموريتانية وهي:

مشكلة الثقة- أزمة الضغط- اختلال المنظومة الصحية- مشكل التبعية- الإشكالات الصحة الكبرى- التغيير وعدم الاستقرار.

وفي مجال الثقة: فإن التحسن المستمر للنظام الصحي الموريتاني لم يجلب ثقة المواطن بعد، فبعض المواطنين، وخصوصا القادرين على الاستشفاء خارج البلد، يفضلون الأنظمة الصحية الخارجية، وبعض المواطنين، يفضل المعاناة الصحية على الذهاب إلى المستشفيات، وبعضهم يأتي إلى المستشفيات بعد تأخر شديد وتمدد للمرض، ورغم ذلك فإن الثقة تتحسن بشكل متصاعد، ولكنه بطيئ

- مشكل الضغط: وسببه ضعف التنسيق بين نظام الصحة القاعدية والصحة الاستشفائية، والوضعية الآن أن مرتادي الصحة، يذهبون تلقائيا إلى المستشفيات، فتجد الطابور يجمع مريض الذبحة الصدرية، بمصاب بنزلة بردية، بينما كان يفترض أن تكون الصحة القاعدية مختصة في الحالات والأمراض العادية والعارضة، وأن تختص المستشفيات بالأمراض الخطيرة، بعد المرور بالمراكز الصحية، وهو ما يراكم الضغط على المستشفيات، ويؤخر علاج الحالات المهمة في أحيان كثيرة.

- اختلال المنظومة الصحية: بعد بناء المستشفيات والأجهزة، واكتتاب وتكوين الطاقم الصحي، ماذا بقي..لقد بقي الكثير، الاستيراتيجية الصحية، النظم والقوانين المؤطرة للحدود والصلاحيات بين الممرض والطبيب والأخصائي وبين النقطة والمركز والمستشفى، وهذه الصلاحيات والحدود والتمفصلات هي روح النظام الصحي، وما زالت الحاجة فيه بالغة الأهمية.

- التبعية: رغم أن بلادنا تمول 80% من نظامها الصحي، فإن الشركاء الأجانب الذين لا يتجاوز دعمهم 17% هم من يفرض السياسات الصحية، وهو ما يعني أننا ننمول للغربيين تحكمهم في بيئتنا وقرارنا واستقلاليتنا الصحية.

- الإشكالات الصحية الكبرى: مثل وفيات الأمهات والأطفال، انتشار السرطان، الجلطات، ومن المؤسف أنه لا يمكن لحد الآن التكفل بالجلطات في بلادنا.

- التغييب: وهو سياسة إبعاد الأطباء عن رسم السياسات الصحية، وشغلهم بشكل دائم في يوميات العمل الصحي، فيما تتولى السياسات ورسم الخريطة الصحية، أشخاص آخرون لا يملكون القدرة والتخصص المناسب

- عدم الاستقرار: ويعني أن المؤسسات الصحية تتغير سياساتها الصحية، بتغير مديرها، ومع مدير جديد يأتي بسياسة ونظام جديد، يطول عمره أو يقصر حسب فترة إقامة المدير المذكور في منصبه، بينما يفترض أن تكون هنالك سياسة ثابتة محددة الأركان والبنود، وتكون التغييرات أو البصمات الخاصة لهذا المدير أو ذاك في سياق التفاصيل والتحسينات وليس في أركان سياسة المؤسسة بنفسها.

 

مقترحات وحلول

أقترح على من سينال ثقة الشعب في الانتخابات القادمة، أن يعيد بناء المنظومة الصحية بشكل عام وفق التاءات السبع الآتية وهي:

- التكوين: ويعني إقامة نظام تكوين لإسناد المهنية المميزة لقطاع الصحة، سواء تعلق الأمر بمهنيي الصحة القاعدية، أو الطب الاستشفائي، ويبنغي أن يراعى في هذا التكوين الكم الكبير والكيف النوعي من أجل الحصول على درجات عالية من الجودة، ودون شك يتطلب الأمر تكوينا واسعا، وتكوين عموديا، وآخر تخصصيا، خصوصا أنه لا يوجد الآن تخصص إلا ويضم مجموعة من التخصصات الداخلية، وفي كل يوم بعد آخر تظهر وسائل وتقنيات جديدة، وهو ما يتطلب نظام ابتعاث نوعي لمواصلة ومواكبة التطور المستمر في وسائل الصحة.

- التسيير: ينبغي أن تكون الجمعيات الطبية والهيئات مشركة في رسم السياسات الصحية، وطنيا ومؤسسيا

- التأمين: وهو إشكالية مزمنة، وقد قطعت فيها بشمل إيجابي خطوات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، مع مؤسسة اكنام، وأخيرا مع مؤسسة اكناس، لكن التأمين يواجه إشكالية أخرى، فلا ينبغي أن تكون مؤسسات التأمين وسيلة لامتصاص قدرات المستشفيات، ولا ينبغي أن تكون المؤسسات الصحية، عالة على مؤسسات التأمين، مما يتطلب تحيين نظام التأمين كل فترة

- تطوير المنظومة: اكتساب التجهيزات الجديدة، وفتح الشراكة مع مختبرات عالمية، وإنشاء شركة لصناعة الأدوية، خصوصا أننا وللأسف الشديد لا نصنع أدنى درجة من أبسط الأدوية، فكل ما نستخدم من أدوية وتجهيزات مستورد تماما، رغم أن تكلفتها الصناعية ضيئلة جدا، وستشكل نقلة نوعية، وتخفف العبء على المؤسسات الصحية، ومؤسسات استيراد الأدوية

- التشجيع على الإبداع: إذا غاب التشجيع والاعتراف بالجميل، فلا يمكن بحال من الأحوال الحديث عن تطور في الصحة، خصوصا أنه لا يوجد أي نظام للتمييز بين المصلح والمفسد، وبين من يبذل الجهد ويكون نفسه ويطور قدراته، ويرفد العملية الصحية، وبين من لا يتمتع بأي صفة من تلك أو يأتي بنتائج عكسية، وكذلك لا يوجد نظام لتنقيط المؤسسات الصحية، وفق معايير التسيير الجاد والجودة، وتحسين الخدمات، فالحاجة إذا ماسة الآن لنظام تشجيع للأفراد والمؤسسات التي استطاعت تطوير خدماتها.

- توفير الأدوية الغالية الأسعار: حيث توجد أدوية لا يمكن للمواطنين شراؤها بحال من الأحوال، وهنا أضرب المثل بمستشفى الإنكلوجيا، حيث تتكفل الدولة بالأدوية، وهو ما سمح بعلاج أعداد هائلة من المواطنين، إلا أن هذه الأدوية الصعبة توجد الحاجة الماسة إليها في تخصصات أخرى، ومرضاها يعانون في سبيل الحصول عليها.

- تهيئة الفصل: بين القطاع الخاص والعام، وهما جناحان غير متنافسين، بل هما جناحان لمنظومة صحية واحدة، لكن الأمر يحتاج إلى تهيئة للفصل مؤسسيا وقانونيا، وفي دول الجوار فإن الطبيب المقدم على التخصص، يعرف عند بداية التكوين الجهة التي سينتقل إليها، وهل ستكون القطاع الخاص أم القطاع العمومي، وعليه فإن الحاجة إلى تهيئة الفصل بين القطاعين حماية لكل منهما، وتنظيما لعقود العمل، هي ضرورة للغاية.