على مدار الساعة

مسلسل الحرمان

21 يونيو, 2024 - 10:50
الحاج عبد الله محمد سالم

لاتزال مدينة معطى مولانا تئن تحت وطئة الحرمان الخدمي والوظيفي رغم كمّها السكاني الذي بوّأها الصدارة الديمغرافية في محيطها الجغرافي، فهي أكثر التجمعات سكانا في بلدية برينه، إن لم تكن الأكثر في مقاطعة الركيز بعد عاصمة المقاطعة.

 

 هذا الكم السكاني الهائل يصاحبه ثراء اجتماعي ومعرفي وتربوي فريد من نوعه، حيث تعتبر معطى مولانا صورة مصغرة لموريتانيا بتنوعها العرقي والقبلي، فبين كثبانها الرملية الساحرة تتناثر 800 وحدة سكنية تمثل المجتمع الموريتاني بنسيجه الاجتماعي، حيث أحصى  الجهاز التنظيمي للمدينة (المنسقية) ما يزيد على 100 قبيلة، ممثلة في المدينة التربوية معطى مولانا.

 

 هذا التنوع والثراء كان من المفترض أن يكون محل تشجيع ودعم من لدن الجهات الحكومية في البلد، وهو ما لم يحصل للأسف، فلم يحظ ساكنة هذه البقعة العلمية والروحية، بأبسط مقومات الحياة  كالماء والكهرباء اللذين وفرهما سكان المدينة بجهودهم وعلاقاتهم الخاصة.

 

 أما البنية الخدمية الأخرى فحدث ولا حرج، فالصحة تكاد تكون معدومة، إذا ما استثنينا مستوصفا لا يتسع لأكثر من سريرين، وماذا يمثل ذلك لمدينة يسكنها آلاف البشر وقبلة للوافدين من الداخل والخارج، أما التعليم بشقيه الأصلي والعصري وهو ما نجحت المدينة التربوية، بنظامها الفريد، وجهود القائمين عليها بقيادة الشيخ الحاج عبد الله المشري حفظه الله ورعاه، من مزاوجتهما بشكل غير مسبوق، فلا يتخرج التلميذ من المرحلة الابتدائية إلا وأكمل حفظ القرآن الكريم، ليتزود في المرحلة الثانوية بما استطاع من علوم القرآن والفقه واللغة، هذا النموذج التربوي الرائد كان دافعا للكثير من الأسر إلى ترك مواطنهم الأصلية والتوجه صوب معطى مولانا لينهلوا من هذا المعين الزلال، رغم مشقة الطريق الرملية المؤدية إلى المدينة التربوية.

 

وفي الجانب الوظيفي فالحال ليس بأفضل مما سبق، ويبدو أن ساسة البلد لا يقيمون أي وزن لسكان مدينتنا التربوية ولا يقدرون مكانتها العلمية، فمعطى مولانا التي خرجت العشرات من حملة الشهادات العليا في الهندسة والطب والقانون والاقتصاد والآداب والفنون، لم يستفد أحد من أبنائها من أي تكليف أو تعيين يخدم من خلاله الوطن ويبرز المكانة اللائقة بالمدينة التربوية معطى مولانا التي خدمت العباد والبلاد، وتجاوز صيتها حدود وطن حرمت فيه من أبسط الحقوق، وفي خضم هذا المعترك السياسي ننتهز الفرصة لنجدد دعوتنا ومطالبتنا لساسة البلد بالالتفات إلى قرية معطى مولانا والاعتذار لها ولساكنتها عن عقود من الحرمان الخدمي والوظيفي.