على مدار الساعة

خبير: طفرة الأرقام تخفي اختلالات هيكلية بالقطاع المصرفي الموريتاني  (فيديو)

22 يونيو, 2024 - 17:11

الأخبار (نواكشوط) ـ قال الخبير المختار محمذن باباه إن القطاع المصرفي بموريتانيا شهد حركية في الأموال خلال السنوات الخمس الماضية، لافتا إلى أن الطفرة في الأرقام تخفي ما وصفها «عوائق واختلالات هيكيلية».

 

واستعرض ولد باباه في حديثه ضمن برنامج «رأي الخبير» مقارنة بالأرقام تظهر أن الودائع ارتفعت من 640 مليار إلى 1173 مليار أوقية قديمة، وأن الميزانية التجميعية ارتفعت هي الأخرى من 1040 إلى 1690 مليار أوقية قديمة.

 

كما تظهر المقارنة أن مجموع القروض ارتفع من 610  إلى 977 مليار أوقية قديمة وأن عدد الفروع البنكية ارتفع من 280 إلى 330 فرعا، بينما تضاعف عدد الحسابات البنكية ثلاث مرات تقريبا.

 

وتعليقا على المقارنة أوضح أن هذه الأرقام «بعيدة من المتوسط في شبه المنطقة»، لافتا إلى «عدد الحسابات البنكية يحتاج تنخيلا وغربلة، لأن بعض المواطنين يفتح أكثر من حساب في بنوك متعددة».

 

ووصف الخبير ولد باباه الشمول المصرفي في موريتانيا بأنه «ضعيف جدا، ووصل السنة الماضية حوالي 30% بينما في المغرب وصل العام الماضي إلى 54%».

 

كما تحدث عن تحديات عديدة من بينها عقبة الودائع التي أشار أن وضعيتها لدى البنوك الموريتانية «مشوهة» حيث تطغى الودائع تحت الطلب على الودائع الاستثمارية «وهو ما يشل حركة البنوك»، وفق تعبيره.

 

وضمن مقترحاته لمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية دعا الخبير ولد باباه إلى تطبيق القانون الصادر عن البنك المركزي بشأن الحوكمة شكلا وروحا، بالإضافة إلى تشجيع الادخار ومحاربة الاكتناز والتشبيك، وتوزيع الودائع الحكومية بطريقة صحيحة وعادلة.

 

والمختار محمذن باباه حاصل على شهادة الماستر في المالية، وشغل عدة مناصب في البنوك الوطنية، من بينها منها تسيير المخاطر ومدير تسيير السيولة، ويشغل حاليا مدير مركز الإتقان للدراسات والتكوين.

 

وهذا نص الحلقة:

 

أشكر الأخبار على هذه الفرصة المهمة، لأتقاسم مع قراء هذا الموقع المحترم، وضعية النظام المصرفي الموريتاني، بشكل عام، ودوره في التنمية التي لا تستقر بدونه.

وبشكل عام فإن القطاع المصرفي حديث النشأة، قد بدأ عموميا وحكوميا منذ الاستقلال، قبل أن يبدأ مسار الخوصصة منذ منتصف الثمانينيات، مع الإصلاحات الهيكلة للنظام المالي والاقتصادي الموريتاني، لتخرج الدولة بشكل نهائي، ويصبح القطاع الخاص الأجنبي والوطني هو المالك الفعلي والوحيد للمصارف.

وقطاع البنوك بشكل عام قطاع حساس جدا، بفعل ما يسمى بخاصية خلق النقود، وخاصية استقبال الودائع، حيث أن مالك البنك لا يسير ممتلكاته الخاصة، بل ممتلكات المودعين الذي يتوزعون بين فقراء ومتوسطين وأثرياء كبار.

وبشكل عام وبصورة رقمية يمكن أن نختصر وضعية القطاع المصرفي في موريتانيا خلال السنوات الخمس المنصرمة في الأرقام التالية التي تظهر قفزة نوعية في الوعاء والمؤسسات.

حيث توجد في موريتانيا اليوم

17 مصرفا عاملا

30 مؤسسة تمويل أصغر

18 مؤسسة تأمين

7 مؤسسات لتحويل الأموال

 

أما من حيث حركية الأموال، فقد شهد القطاع قفزة كبيرة منها على سبيل المثال ارتفاع:

-   الودائع من 640 مليار إلى 1173 مليار أوقية قديمة، وهو زيادة تقترب من نصف تريليون خلال خمس سنوات

-        الميزانية التجميعية من 1040 إلى 1690 مليار قديمة

-        مجموع القروض ارتفع من 610 مليار  إلى 977 مليار قديمة

-        صافي دخل البنوك ارتفع منة 54 قديمة إلى 640 مليار قديمة

-        فيما ارتفع عدد الفروع البنكية من 280 إلى 330 فرعا

-        عدد الحسابات ارتفع من 447000 إلى 1695000 حساب بنكي

 

عوائق واختلالات متعددة

إن هذه الأرقام وإن أظهرت طفرة كبيرة في حركية المصارف، فإنها تخفي عوائق واختلالات هيكيلية يعيشها النظام المصرفي ويمكن أن نوجزها في المعطيات التالية.

-   أن هذه الأرقام بعيدة من المتوسط في شبه المنطقة، حيث يصل متوسط عدد الأفراد في الفرع البنك في المملكة المغربية حوالي 4500 حساب، فيما يصل عندنا إلى 15500 مواطن

-   عدد الحسابات البنكية يحتاج تنخيلا وغربلة، لأن بعض المواطنين يفتح أكثر من حساب في بنوك متعددة، وهو ما يعني ان الحسابات العاملة سوف تنخفض بعد الغربلة

-   الشمول المصرفي ضعيف جدا، ووصل السنة الماضية حوالي 30% بينما في المغرب وصل العام الماضي إلى 54%

وإضافة إلى ذلك فإن مشكلات القطاع متعددة، منها مشاكل ذاتية، وأخرى متعلق بالمحيط الذي تتحرك فيه البنوك ومن أبرزها:

-   مشكل الحكامة: وقد لاحظ تقرير البنك الدولي بشأن الوضعية المالية في موريتانيا أن المصارف الوطنية تفتقر إلى نمط حكامة حديث ومستقر، حيث يعتقد ملاك البنوك غالبا أنهم يسيرون حوانيت مملوكة لهم، وهنالك ضعف شديد في الفصل بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، رغم أن القانون ينص على هذا الفصل بشكل دقيق، بفعل القانون الذي أصدره البنك المركزي السنة الماضية، إلا أن ما تم هو تطبيق شكلي للقانون، بعيدا عن روحه ومضامينه

-        أزمة الموارد: تعتمد البنوك على موارد أساسية هي:

                 الموارد الذاتية: وهي رأس المال، وقد أكدت تقرير البنك الدولي أن مستوى الموارد الذاتية ضعيف جدا، مقارنة بالشمول المالي المطلوب، وقد نص قانون البنك المركزي الصادر قبل أشهر على ضرورة إكمال رؤوس الأموال ورفع الموارد الذاتية بشكل تام.

-        عقبة الودائع: وهي عقبة شديدة، حيث أن الودائع تنقسم إلى:

-        ودائع تحت الطلب – ودائع ادخارية- ودائع استثمارية- ودائع تحت الطلب

وبشكل عام فإن وضعية الودائع لدى بنوكنا مشوهة، ففي تونس على سبيل المثال تمثل الودائع تحت الطلب والودائع الاستثمارية ما يصل إلى 50-55% .

أما في بلادنا فتطغى الودائع تحت الطلب، وهو ما يشل حركة البنوك، ويمنعها من أداء مهامها، حيث أن مهمة  الأصلية البنوك هي تسيير الأموال المستثمرة.

وطبعا توجد أسباب ثقافية واقتصادية تجعل الناس تحجم عن إيداع أموالهم في البنوك التقليدية، لكن البنوك الإسلامية أيضا لم تنجح بعد في استقطاب هذه الودائع، وهو ما يعني حرمان الدورة الاقتصادية من أموال هائلة كبيرة، ينضاف إلى ذلك أن 90% من الودائع تحت الطلب هي ودائع حكومية.

-   الخطوط الائتمانية: وهي المورد الثالث والأهم وما تزال الدولة غير مساهمة في دعم البنوك للحصول عليها، ويتم الحصول عليها الآن بجهود فردية وعلاقات خاصة للبنوك، وما يزال هذا المورد يعاني شحا شديدا.

2- عائق القروض: يفترض أن تمتص البنوك المدخرات، وتقدم القروض، وما تزال قدرة البنوك على استرداد القروض ضعيفة جدا، كما أن طبيعة ضمانات المخاطر، جعلت البنوك تركز على الضمانات العقارية، وهكذا فإن لا يملك سندا عقاريا لا يمكن أن يستفيد من القروض.

ونظرا أيضا لضعف قدرات البنوك، وضعف تكوين موظفيها، فإن تركيزها أساسا على الضمانات وليس على جدوائية المشروع.

3- ضعف الشمول المالي: ضعيفة جدا، وهي بشكل عام متقدمة على منطقة غرب إفريقيا حيث تظل في حدود 23% أما بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا فنحن متأخرون جدا، حيث تصل إلى 50-70% في تونس والمغرب

4- نظام التكوين: غير المتلائم مع حركية البنوك، ورفع مستويات التأطير لدى العاملين عليها

5- تحديات المحافظ الإلكترونية: ورغم أهميتها بما فتحته من الاستفادة من الخدمات المصرفية لعدد كبير من المواطنين والمؤسسات، فإنها تطرح تحديات أمنية متعددة، في مجال  مكافحة غسيل الأموال، فجل البنوك الموريتانية لا يمكن أن تتعامل مثلا مع البنوك الأمريكية، بفعل مكافحة غسيل الأموال والإرهاب.

ولذلك تضطر البنوك الموريتانية إلى المرور عبر البنوك الأوربية من أجل التعامل مع البنوك الأمريكية، وهو ما سيزيد الكلفة بشكل كبير على الطرف الضعيف وهو البنوك الموريتانية، وهو ما يتطلب من سلطة الوصاية نقاش هذه الوضعية مع المستثمرين والبنوك، لتبديد هذه المخاوف، وضمان انسيابية أكثر للمواطنين

وأذكر هنا أن تصنيف بلادنا في مجال مناخ الأعمال ما زال بعيدا للغاية من المؤشرات الإيجابية حيث نوجد في الرتبة 134 من أصل 180 دولة.

هذا فيما يتعلق بالمشاكل الذاتية، أما ما يتعلق بالمحيط، فنحن أمام إشكال تحدي سلطة الوصاية، وبشكل عام فإنه يوجد تطور جديد وملموس في أداء إدارات الرقابة والتفتيش في البنك المركزي، وهذا ما يؤكده تقرير صندوق النقد الدولي الذي دعا بشكل كبير إلى استقلالية متزايدة للبنك المركزي.

إضافة إلى أن البنوك تتعامل مع إدارة العقارات، وعمليا فإن هذه الإدارة أصبحت تتحكم في ممتلكات الموريتانيين، وهي الآن تتحكم في حدود 40 ألف سند عقاري، ففي نواكشوط على سبيل المثال قرابة 600 ألف قطعة أرضية، أما المحفظ منها فهو في حدود 40 ألف كما أسلفت لا أكثر، وبتطوير التحفيظ وتخفيف تكاليفه أمام الفئات الهشة، يمكن للعقار أن يطور الدورة المصرفية، بما يحققه من ضمانات تسهل عملية الاقتراض وتحريك الدورة الاقتصادية بشكل كبير، وعليه فإن استمرار وضعية إدارة العقارات بشكلها الحالي لا يمكن أن يخدم التطوير المصرفي في البلاد.

وهنالك أيضا تحد آخر يتعلق بالنظام القضائي، وقبل أربع سنوات أقر البرلمان نظاما قضائيا للتحصيل القضائي للقروض، لكن هذا النظام ما زال متعثرا بفعل النظام القضائي السائد الذي تتحكم فيه معوقات متعددة، منها الذاتي والمؤسسي.

مقترحاتي لمن سيفوز

-   تطبيق القانون الصادر عن البنك المركزي بشأن الحوكمة شكلا وروحا، وبدون حوكمة جيدة لا سبيل إلى نهوض مصرفي واقتصاد.

-   تطبيق القرار الصادر عن البنك المركزي باستكمال الموارد الذاتية ورساميل البنوك.

-   التعاطي مع حجم البنوك: حيث تتحكم 3 بنوك في حدود 60% من الودائع، ولا يمكن في هذه الحالة المساواة بين البنوك المتفاوتة في قدراتها، مما يتطلب تطبيقا على سلم متدرج

-   تشجيع الادخار: من خلال محاربة سوق العقارات التي لم يعد لها أي ضابط، رغم الخطوة الخجولة التي قامت بها وزارة المالية، من خلال السماح للمواطن بما بين عقار إلى ثلاثة عقارات صالحة للاستثمار، مع فرض ضرائب على العقارات الاستثمارية.

-   محاربة الاكتناز والتشبيك: وهي ضرورة من أجل إعادة الادخار إلى حالتها الطبيعية.

-   توزيع الودائع الحكومية: بطريقة صحيحة وعادلة، وليس عبر السائد من معاملات بنكية.

-   سياسة اقتراض واضحة: تساير التوجهات التنموية للحكومة، سواء تعلق الأمر بتشجيع السكن، من خلال توفير قروض للمؤسسات الإنشائية، أو للمصانع أو لغيرها، ففي سبيل المثال، في عهد الرئيس السابق تم وضع مقترح للحصول على خط ائتمان بقيمة 200 مليون دولار

ويمكن في هذا المجال اعتماد 100 سلعة لتحصيل الاكتفاء الذاتي فيها، وهو ما سيمكن خلال سنوات قليلة من تحقيق اكتفاء ونهوض اقتصادي وتوازن بين سياسة الإقراض والسياسة التنموية.

-   سياسة إسكان: حيث تملك البنوك في مختلف أنحاء العالم خطوط ائتمان نوعية للموظفين والفئات الهشة، لكن هذه السياسة مرتبطة بخفض كلفة البناء، لأن كلفة البناء عندنا مازالت مرتفعة جدا للأسف.

-   سياسة إقراض موجهة للشباب: بحيث تغير سياسة الإقراض التقليدية، بحيث تكون البنوك الأكثر جرأة، وتظهر الإحصاءات بأن الفئات الهشة هي الأكثر قدرة على تحصيل القروض، حيث تصل استرداد القروض إلى حوالي 90% بالنسبة للمؤسسات التمويل الأصغر، فيما تصل إلى 50-60% في البنوك، وفي سبيل ذلك ينبغي إيجاد سياسة نوعية للإقراض للشباب والفئات الهشة، حتى لا يظل الأمر دولة بين الأغنياء

وبمختلف هذه المقترحات يمكن دون شك أن نقدم نهضة مصرفية، وتوازنا اقتصاديا مهما، وتناغما بين القطاع المصرفي الخاص والمرتكزات التنموية للحكومة