على مدار الساعة

حمادي سيد المخطار.. المنقذ القادم من الداخل

25 يونيو, 2024 - 23:15
إبراهيم الدويري

 

يتميز المرشح العالِم زعيم المعارضة ومرشحها الرئيسي حمادي ولد سيدي المختار محمد عبدي عن باقي المنافسين له في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بميزات عديدة أبرزها جمعه بين وضوح الرؤية السياسية للنهوض بالبلد والقدرة على الإقناع بها، وبين التجربة السياسية الشخصية العملية المتراكمة والنزوع نحو الشورى والعمل المؤسسي التشاركي، وبين الثقة القيادية العفوية والتأثير الشعبوي المتزن.

 

 كما كشفت خطاباته الفصيحة ومقابلاته الإعلامية عن خبرة دقيقة بمشاكل الوطن في مختلف أنحائه وخصائص كل ولاية وسكانها على حدة، مع طمأنينة لا تخطئها الأذن في خطابه الإسلامي الحضاري المنبثق من تاريخ البلد وهويته الثقافية، وسرعة بديهة في إجابات الأسئلة التي يفاجئه بها الإعلاميون.  

 

 أقصد بالتجربة السياسية الشخصية العملية المتراكمة أن حمادي هو المرشح الوحيد الحالي الذي نما نموا سياسيا جغرافيا طبيعيا؛ بدأ بنضاله في أهم ولايات الوطن منسقا لتيار الإصلاحيين الوسطيين، ونائبا في البرلمان لفترتين عن مقاطعة داخلية، وفيدراليا لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" في ولاية لعصابه.

 

 قبل أن يحمله التناوب التواصلي إلى رئاسة الحزب باستحقاق، ثم إلى زعامة المعارضة الديمقراطية بجدارة، على أمل أن يوصله الناخبون الموريتانيون إلى كرسي الرئاسة يوم 29 يونيو 2024. في انتخابات يرى هو أن الفائز بها معني بالمواءمة بين استحقاقات التنمية والاستقرار محليا وبين مشاكل اهتزازات الإقليم المثقل بالإخفاقات الأمنية والتنموية ووأد المشاريع الإصلاحية الطموحة. 

 

 

النمو السياسي الطبيعي جدُّ مهم في تقييم المترشحين والمتصدين لقادة البلد لدلالته على صحة المقصد وسلامة الطريق السياسي علاوة على الخبرة والتجربة ومراكمتهما، كما يدل على أن سعي المرشح حمادي إلى إنقاذ البلد ورئاسته يسير وفق خطة سياسية ورؤية استراتيجية تتميزان بطول النفس واقتناص الفرص مع اهتمام شخصي وكفاءة قيادية مدعَّمة بحاضنة سياسية مؤسسية هي الأكثر تنوعا وديناميكية وتبادلا قياديا وتماسكا في البلد منذ انطلاق مساره السياسي الجاري منذ عام 2005. 

 

يأتي ترشح حمادي وهو شيخ المحظرة المعتز بإرث حركة المرابطين في القيادة وإدارة الشأن العام في ظل تحول إقليمي ودولي، سمته الرئيسية العودة إلى الذات والنقمة على الاستعمار الغربي ومواريثه التي أوصلت بلادنا والبلدان الإفريقية إلى مستويات كارثية من الضياع والتيه أحوجها إلى منقذين يمثلون الشعوب حقا، يأتون من خارج الأطر الحاكمة منذ عقود والتي يقارن المراقبون بين إخفاقاتهم وأيهم أقل شرا، وحسبك هذا من دواعي النقمة والملل منهم.

 

ولا يخفى أن الرئيس حمادي بخطابه المتزن وبرنامجه الشامل وواقعيته الطموحة هو الأجدر بذلك التمثيل، علاوة على أنه جرت الصيرورة التاريخية أن المنقذين ومؤسسي الدول الكبار في القديم والحديث يُكونون خبراتهم القيادية عادة في الأطراف ومدن الداخل قبل أن "يزحفوا انتخابيا" إلى العواصم لإنقاذها في المحطات التاريخية الحرجة.

 

 وهكذا الرئيس حمادي اليوم هو منقذ موريتانيا القادم إلى العاصمة من الداخل بخبرة وحرقة من عايش آلام المواطنين عن قرب، ومعاناتهم المتواصلة منذ عقود من رداءة الخدمات، وسوء الحكامة، وانتشار الزبونية، واستحكام الفساد، واستفحال الظلم، ولن يحارب الظلم وما ينشأ عنه حقا إلا من عضه وذاق مرارته.   

 

شخصيا -رغم احتفاظي بصفة مراقب سياسي منذ سنوات- فإني تحمست لدعم المرشح حمادي سيدي المخطار لأنه أقنعني ببرنامجه الشامل، وخطابه الناصع، وثقته القيادية، وتجربته السياسية المتصاعدة بانضباط مؤسسي، وبانحيازه للمستضعفين خلال تجربته البرلمانية الثرية.

 

 ففي خطابه الافتتاحي وما أعقبه من خطابات في مناطق الداخل أبان مرشح "أمل وطن" عن قائد سياسي فذٍّ أنضجته التجارب، وأطلعته همته وخبرته على مشاكل الوطن والمواطنين، وعن قائد جماهري مفوه أطلق آيُ الذكر الحكيم لسانَه فكانت خطاباته وكلماته بلسما لأدواء الوطن وهموم الناس. 

 

في برنامج الرئيس حمادي الانتخابي "أمل وطن" تُظهر الآية التي اختيرت مفتتحا للبرنامج مركزية الهوية الإسلامية عند ولد سيد المخطار، وهي قوله تعالى {وَالَّذِينَ ‌يُمَسِّكُونَ ‌بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}، ومقتضيات هذه الآية برزت بقوة في خطاباته حول تطبيق الشريعة، ومحور "تعزيز الهوية الإسلامية" في البرنامج، وشكلت حالة وطنية متصاعدة ومتعطشة لقائد يعبر عن همومها، ويوازن بين قضايا هويتها ومشاكل تدبيرها. 

 

وعلاقة المرشح نفسه بإقامة الصلاة والإصلاح، وبالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتمسكا وتمسيكا وحفظا وتحفيظا تؤهله لتحقيق ما يصبو له في جزئية الهوية التي احتلت مكانة بارزة في الخطابات السياسية الإسلامية والغربية في العقدين الأخيرين، وأعطتها أصداء عملية طوفان الأقصى والتوحش الصهيوني في غزة دفعا قويا في جانبها الإسلامي والإنساني الفطري حسب التقارير الغربية عن الأنشطة الداعمة لفلسطين في الغرب تضامنا وانبهارا بعظمة أهلها .  

 

لا يقتصر برنامج الرئيس حمادي على الهوية فقط ولا دغدغة مشاعر الجماهير؛ فللتدبير الاقتصادي وخطط الرفاهية جل البرنامج الشامل الذي حدَّد مداخل كبرى للإصلاح، وهي ثمانية على عدد أبواب الجنان، تبدأ بتعزيز الهوية الإسلامية وتثني بصيانة الوحدة الوطنية، وتشمل إصلاحات في القانون والمالية ومحاربة الفساد، والحفاظ على التضامن الأسري، وتختم بجعل الجيش والأمن في خدمة النظام الجمهوري، وإعادة بناء دبلوماسية تخدم التنمية، وتقف مع القضايا العادلة كما كانت دبلوماسية المؤسسين الأوائل للجمهورية. 

 

ويأتي البرنامج كله في مقدمة سياقية مع أبواب سبعة ستنقذ البلد من السبع العجاف المتتالية عليه منذ التورط المباشر للمؤسسة العسكرية في الحكم عام 2008، وخلاصة توجهات برنامج حمادي الكبرى ما جاء في خاتمة المقدمة السياقية المشرحة لمعضلة "الديمقراطية الشكلية والتناوب الفعلي" في بلادنا، وهي قوله -نصره الله- :

 

"إن الإصلاح الشامل الذي يرسخ الهوية السياسية للبلد، ويجذر الممارسة الديمقراطية، ويقوي اللحمة الوطنية، ويعزز التعايش بين المكونات الاجتماعية، ويسترجع السيادة الوطنية، ويحقق العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية في إطار من الاستشراف والتقويم، وعلى أساس من المحافظة على السلم الاجتماعي، والأمن الاستراتيجي، هي السمات الأبرز، والمعالم الأوضح لتوجهاتنا الكبرى في حكم البلاد مستقبلا". 

 

فالرئيس حمادي جدير بحكم البلاد لأنه من الناس وإليهم لم يؤت به من فوق لحماية مصالح المتنفذين وتلبية مطامح الغربيين، ولا أتت به الشرائح ورهاناتها التقسيمية، بل من عمق الشعب حاملا همومه، مدافعا عن مصالح المواطنين وهوية البلاد، سيضع الأمور في نصابها الدستوري المحدد حقيقة لا مجازا، وفعلا لا قولا فقط، فانتخبوه يُفلح وطنكم وتحمدوا غِبَّ سيركم نحو الخلاص من الفساد والتردي.