على مدار الساعة

ما العمل؟

19 يوليو, 2024 - 19:01
د. معمر محمد سالم

هذا العنوان استعرته من كتاب المفكر الكبير د. قسطنطين زريق، العنون بـ"ما العمل؟ حديث للأجيال العربية الطالعة" كمساهمة في نقاش الوضع السياسي، الذي أعقب انتخابات 29 يونيو 2024.

 

حول الفارق في التوقيت

هناك فرقان جوهريان بين الدول الغربية ودول العالم الثالث، كلاهما مرتبط بسوء تقدير اللحظة المناسبة، فالحوار في الغرب يسبق الانتخابات ليضع قواعد اللعبة قبل إجرائها ولضمان جودة شروط المنافسة، أما الحوار عندنا فيرتبط الحديث عنه بما بعد الانتخابات لترشيد ردود فعل المترشحين الخاسرين!

 

وذاك فرق جوهري بين التخطيط الاستراتيجي البعيد ومحاولات العبور بالمسكنات ذات الأثر المؤقت.

 

أما فارق التوقيت الثاني، فهو أن الرؤساء والوزراء في الغرب لا يهتمون بجمع المال إلا بعد تقاعدهم من خلال ريع كتبهم ومحاضراتهم، بينما ينتهز أغلب المسؤولين في الجنوب فترة الخدمة لجمع المال من خلال ريع المركز!

 

الحوار هو الحل

هناك طريقتان لإدارة الاختلاف، إحداهما عنيفة وغير مأمونة - لا يسلكها السياسيون عادة - والثانية حضارية وهي الحوار، وبذلك يتحول الحوار من غاية إلى وسيلة لحل معضلات الأسس والتحول الديمقراطي الآمن وبناء مؤسسات صلبة..

 

ويقتضي التحضير الجيد للحوار البدء في تحضير معنوي ونفسي لإعادة التلاقي، تمهيدا للشروع في ممارسة فضيلة الحوار.

 

وينبغي أن تكون انشغالات البلد الكبرى، خصوصا الوحدة الوطنية وتنمية قيم المواطنة ومحاربة الفساد والانفتاح السياسي والحكامة الجيدة، أولويات الحوار الجاد والهادئ، الذي لا يستثني أحدا ويتخذ من ثوابت البلد قاعدة له.

 

ويتعين أن يكون استقرار البلد وتماسك مكوناته أحد مكاسب الحوار، فلا ينبغي أن نكون أمام زبون مطعم يطلب سمكة ثمنها جزء من قيمة اللؤلؤة التي سيجدها في جوف السمكة!

 

والحوار الذي ندعو إليه ليس حوار المجردات (الثقافات، الحضارات، الأديان..) وإنما حوارا بين القوى السياسية يوصلها إلى منطقة التلاقي على أرضية الثوابت.

 

ومن خلال الانخراط في حوار بهدف التوافق، يكون الشخص قد نزع إلى ممارسة فضيلة عرفانية للحياد العاطفي تجاه الاختلافات المتبادلة على حد تعبير "يوغن هابرماس".

 

والحوار لا يفرض إذابة اختلافات المتحاورين، وإنما يقيم بينهم خط انسجام أفقي أو ما يصطلح عليه في الموسيقي بـ"الهارموني".

 

يتواصل..