على مدار الساعة

شكرا قطر، شكرا الأمير تميم

2 أغسطس, 2024 - 13:27
د. الشيخ أحمد ولد البان - كاتب وشاعر

هنيئا لدوحة العز هذا المقام العلي، وسقيا ورعيا لأميرها النبيل، فمطاولة المجد همةٌ لا يحملها إلا الأصلاء، أما الدخلاء فأنى لهم التناوش من مكان بعيد، أي مقام أعلى من الذي تبوأته قطر اليوم، وهي تجعل من تشييع جثمان الشهيد القائد أبي العبد قضية عالمية.

 

كانت لقطر مندوحة في أن يودع جثمان الشهيد مقابر طهران، وهي المدينة التي فاضت فيها روحه، لكن المجد يأرز حيث أهله، وأهل قطر لهم عرق أصيل في الضنِّ بالعلق النفيس، ألم ينتفض الشاعر التميمي حين سأله ملك الروم فرسه الأصيلة سَكَاب فقال:

 

أبيت اللعن إن سَكَابِ عِلْقٌ *** نفيسٌ لا تُعَارُ ولا تُبَاعُ

مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ علينا *** يُجَاعُ لَهَا الْعِيَالُ وَلَا تُجَاعُ

سليلةُ سَابِقَيْنِ تَنَاجَلَاهَا *** إِذا نُسِبَا يَضُمُّهُما الكُرَاع

 

ليس سهلا أن تنظم فعالية بهذا الحجم لأكبر أعداء إسرائيل، إن تشييع جثمان أبي العبد بهذا الالتحام وبهذا المستوى من التمثيل السياسي، وفي ظرفية حساسة مثل هذه الظرفية مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي أرادت باغتياله تغييبه عن الأنظار، فأعادته قطر بهذه الفعالية الكبيرة إلى واجهة الأحداث.

 

إنه من الشجاعة والنبل والشهامة أن يحضر أمير قطر المفدى الشيخ تميم حفظه الله، ويحضر الأمير الوالد حفظه الله، ويحضر الشيوخ والوزراء والنخبة القطرية السياسية والإعلامية لهذا التشييع، والأصعب من ذلك أن تقبل قطر بتداعي نخبة العالم الإسلامي من علماء ومفكرين ودعاة وقادة رأي وممثلي منظمات وجمعيات إلى الدوحة لحضور هذا التشييع، وكأنها تقول لإسرائيل وأمريكا وأذنابهما إنها هي القائدة لقاطرة الأمة المقاومة، وأن القضية الفلسطينية لا تدخل مقاربات السياسة وتنازلاتها.

 

من يرى مبالغة تغطية قناة الجزيرة لفعالية تشييع الجثمان يدرك أن هناك قصدا وإرادة وراء ذلك، ثلاثة مراسلين من عين المكان، وتغطية شاملة لتفاصيل الحدث، والعالم كله مرغم عبر هذه التغطية الشاملة والخاصة على أن يرى ويسمع ويفهم عن المقاومة ورجال المقاومة، مرغم على أن يرى ويسمع يفهم سوء وغدر إسرائيل وأعوانها، وكأن تشييع الجثمان مشهد آخر من مشاهد معركة التحرير الكبرى.

 

ليست فعالية تشييع الجثمان مجرد مواساة، إنها أكبر من ذلك، وقطر تعرف ذلك جيدا، إنها دعوة للشباب والأطفال والشيوخ وللأمة كلها أن تستلهم نموذج القيادة من الشهيد القائد إسماعيل هنية وإخوته في حماس وكتائبها المقاومة، إنها دعوة صريحة للالتحام مع الطوفان، بل هي دعوة لإطلاق طوفان آخر شعبي ورسمي، طوفان يغسل عار الصمت والخذلان العربي الرسمي والشعبي.

 

هنيئا لقطر قيادة وشعبا، وهنيئا لنا بقطر، أدام الله قادتها وجزيرتها وشعبها، فهي - بلا ريب - رأس قاطرة النهوض لأمتنا، وكعبة المضيوم منا.