عملية التعيين في المناصب العامة واحدة من أهم المهام التي تقع على عاتق أي نظام حكم، حيث تعكس هذه العملية مدى اهتمام القيادة بالكفاءات وتوازنها في تحقيق المصلحة العامة.
وفي موريتانيا، تحت قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يبدو أن عملية التعيين تسير وفق معايير دقيقة تتضمن التوازن بين الكفاءات المتاحة، مما يعكس حرص القيادة على تحقيق التوازن والعدالة في التعيينات؛ لكن هذه المعادلة لا تخلو في بعض الأحيان من انكسار فتختل مخرجات التعيين على ذلك الأساس.
الكفاءات والتوازنات
أثبت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني غالبا قدرته على تحديد الكفاءات المناسبة للتعيين في المناصب العامة، لكن يقول مراقبون إن سياساته في هذا المجال يطغى عليها أحيانا سعيه لتحقيق التوازن بين مختلف القوى والمصالح، على حساب المعلومات الدقيقة والشاملة عن الأشخاص والجهات.
هذا النهج مهما كان عَورُه يمكن أن يكون له مزايا كبيرة؛ حيث يساعد في توزيع المناصب بشكل يتوافق مع التوازنات السياسية والاجتماعية في البلاد، ويعزز الاستقرار في إدارة الشأن العام.
ومع ذلك، فإن التوازنات قد لا تكون دائمًا في صالح الكفاءات المتميزة، مما قد يؤدي إلى حرمان بعض الأفراد من فرص التعيين رغم استحقاقهم لها في بعض الحالات، بل يمكن أن تؤدي مراعاة تلك التوازنات إلى وضع أشخاص في مناصب لا تتناسب مع كفاءاتهم، مما ينعكس سلبًا على فعالية الأداء في تلك المناصب، خصوصا الفنية منها.
وضمن تطبيق هذه الاستراتيجية آنفة الذكر تثور تساؤلات حول مدى تأثيرها على التعيينات وبالتالي الأداء الوظيفي، فيحدث أن يتم تعيين أفراد ليسوا بالضرورة الأكثر كفاءة، ولكنهم يملكون القدرة على تحقيق توازن سياسي أو اجتماعي، وهذا يقود أحيانا إلى تناقضات في توزيع المناصب بناءً على الكفاءة الفعلية.
وهنا نؤكد أنه من الأهمية بمكان أن تكون المناصب الفنية والتقنية بعيدًا عن التوازنات السياسية؛ فهذه المناصب تتطلب خبرات ومهارات متخصصة لا ينبغي أن تُستخدم كوسيلة لتحقيق التوازنات السياسية، حيث أن وضع أشخاص غير مؤهلين في مناصب فنية قد يؤثر بشكل كبير على الأداء العام للمؤسسات، مما يستدعي ضرورة فصل القضايا التقنية عن التوازنات السياسية لضمان تحقيق الأداء الأمثل.
التعيين تكليف وتشريف
يجب أن يُفهم التعيين في المناصب العامة على أنه تكليف وتشريف في آن واحد لا يمكن فصلهما، فالشخص الذي يُعين في منصب معين يُعطى فرصة لخدمة الوطن والمجتمع، ويُتوقع منه أن يتسم بالأخلاق الحميدة والنزاهة، لذا يجب أن يكون التعيين فرصة لإظهار الالتزام بالأخلاقيات والمسؤولية وليس مجرد منصب للتمتع بالامتيازات.
التعيين ليس مجرد شغل وظيفة، أو انتقالا من واحدة إلى أخرى، بل هو مسؤولية كبيرة تتطلب من الشخص المُعين أن يُثبت جدارته من خلال الأداء المتميز والالتزام بالقيم والمبادئ، ومن هذا المنطلق، فإن التكليف يجب أن يُنظر إليه كفرصة للتشريف، وتكليف بخدمة الوطن، وليس كوسيلة لتحقيق المصالح الشخصية.
الإنصاف في التعيينات
الإنصاف هو حجر الزاوية في أي نظام إداري عادل؛ وهو شعار رفعه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وأطلقه على الحزب الحاكم لتأكيد أهميته لديه، وعليه فلا ينبغي أن ينتظر صناع القرار سعي الأفراد للحصول على المناصب، بل يجب عليها أن تبحث عن الأشخاص الأنسب لكل موقع.
ذلك أن كثيرين "يتورعون" عن السعي إلى المناصب رغم أحقيتهم وتمتعهم بالكفاءة المطلوبة، وخوفا من صدهم بالمبدأ المعروف في الحديث الصحيح: "إنا لا نولي هذا الأمر أحدا طلبه"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فهي مقولة تعكس فلسفة إدارية تقوم على اختيار الأشخاص المناسبين بناءً على مؤهلاتهم وقدرتهم على أداء المهام الموكلة إليهم، وليس بناءً على رغباتهم أو مطالبهم.
السعي للمناصب مشروع أيضا
في المقابل، يجب على الأفراد الذين يرون في أنفسهم القدرة على تولي المناصب أن يسعوا لتحقيق ذلك كما سعى النبي يوسف عليه السلام إلى توليته على خزائن الأرض؛ فيوسف عليه السلام قدم نموذجاً خالداً للأمانة والقوة، حيث أثبت بجدارة أنه الأقدر على تحمل المسؤوليات الكبيرة بفضل قدراته وكفاءاته.
ومعلوم أن يوسف عليه السلام لم يكن يتطلع إلى المناصب لمجرد المنفعة الشخصية، بل كان يهدف إلى خدمة المجتمع وتلبية احتياجاته، مقدما معيارين أساسيين، هما: القوة والأمانة، وهذا النموذج يجب أن يكون مثالاً يحتذى به في التعيينات، حيث يُفترض أن يسعى الأفراد الطموحون لتحقيق النجاح والتميز في المجالات التي يملكون فيها قدرات حقيقية، بدلاً من الاعتماد على وسائل غير مباشرة للحصول على المناصب.
إن التعيين في موريتانيا تحت قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يعكس سعيًا لتحقيق التوازن والعدالة، ولكنه يواجه تحديات تتعلق بالاستفادة القصوى من الكفاءات المتاحة.
وعليه ينبغي أن تُفصل المناصب الفنية والتقنية عن التوازنات السياسية لضمان الأداء الفعال، كما يجب أن يُفهم التعيين كتكليف وتشريف يتطلب الالتزام بالقيم الأخلاقية، وعلى الأفراد الذين يرون في أنفسهم القدرة السعي إلى التعيين في المناصب بما يتماشى مع معايير الكفاءة والأمانة، على أن الإنصاف والعدل في التعيينات يبقيان هما الأساس لضمان تقديم أفضل الخدمات وتحقيق التنمية المستدامة، التي يهدِف رئيس الجهورية إلى إرسائها.