تعتبر خطوة فصل قطاع المعادن عن قطاع الطاقة والبترول بمثابة تطور محوري يعيد التوازن والاهتمام لأحد أهم القطاعات الاقتصادية في موريتانيا، بعد أن أصبح لفترة طويلة قطاعاً هامشياً بسبب التركيز الكبير على الغاز والهيدروجين الأخضر وقضايا تزويد الكهرباء.
جاء إنشاء وزارة جديدة متخصصة في قطاع المعادن كتأكيد على أهمية هذا القطاع واستعداده للعب دور رئيسي في التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل.
يعتبر هذا القرار نقلة نوعية من شأنها تعزيز الاهتمام بالمعادن، التي تملك إمكانيات كبيرة لدعم برامج الحكومة الموجهة نحو تمكين الشباب، وذلك من خلال توفير فرص تشغيل متعددة في قطاع يعد من أكثر القطاعات قدرة على خلق الفرص، بل ويتميز كذلك بارتفاع الرواتب فيه مقارنة بقطاعات أخرى. الأمر الذي يعزز من فرص جذب الكفاءات الوطنية والشباب إلى هذا القطاع الحيوي.
المهمة الرئيسية التي تنتظر الوزير الجديد تتلخص في الإسراع بتحويل مشاريع التنقيب الحالية إلى مشاريع إنتاج واستخراج فعلية. الهدف هو تحويل ثلاثة أو أربعة من هذه المشاريع إلى مراحل الإنتاج قبل نهاية مأموريته، أي خلال السنة أو السنتين المقبلتين. نجاح هذه الخطوة سيساهم في خلق ما بين 15 إلى 20 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما سيؤثر إيجاباً على سوق العمل ويساهم في تحسين مستوى المعيشة لآلاف الأسر.
إضافة إلى ذلك، يقع على عاتق الوزير الجديد مسؤولية فرض احترام القوانين على أصحاب رخص البحث، وضمان اكتتاب جيولوجيين بعقود عمل دائمة. هذه الخطوة قد تساهم في استعادة مئات فرص العمل الضائعة التي ينص عليها القانون، وبالتالي تعزيز القطاع بمهنيين مؤهلين لقيادة مشاريع التعدين نحو النجاح.
من المعروف أن قطاع التعدين يشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الموريتاني، حيث يساهم بنسبة تصل إلى 24% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن صادرات الخام تشكل ثلثي إجمالي الصادرات الوطنية، مما يوضح الدور الكبير الذي يلعبه القطاع في تعزيز التجارة الخارجية للبلاد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي ثلث الإيرادات العامة تأتي من أنشطة التعدين، ما يجعل القطاع عنصراً أساسياً في استقرار المالية العامة.
ومع ذلك، يواجه القطاع تحديات كبيرة تتطلب إرادة سياسية قوية وقرارات حاسمة لجذب الاستثمارات الجديدة، بعد عشر سنوات من الركود. فإذا استمر هذا الوضع، قد تجد موريتانيا نفسها خارج خريطة الوجهات المحتملة للشركات العالمية الباحثة عن مصادر جديدة للمواد الأولية، وخاصة مع تزايد الطلب العالمي على المعادن اللازمة لصناعات الطاقة النظيفة.
تحتوي الأراضي الموريتانية على أكثر من 900 مؤشر معدني، بما في ذلك الليثيوم والنحاس والكوبالت والتربة النادرة، وهي مواد تستخدم بشكل كبير في صناعة البطاريات ونقل الطاقات المتجددة. مع تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة النظيفة، يمكن لموريتانيا أن تستفيد من هذه الموارد غير المستغلة لتصبح لاعباً رئيسياً في هذه السوق المتنامية.
في حال نجح الوزير الجديد في تحقيق أهدافه وتحويل القطاع إلى قوة اقتصادية كبيرة، سيساهم ذلك بشكل مباشر في تحقيق أهداف رئيس الجمهورية المتمثلة في تمكين الشباب وخلق فرص العمل. هذا، إلى جانب ثروة معدنية هائلة غير مستكشفة وأخرى مستكشفة ولكن لم يتم استغلالها بعد، يجعل قطاع المعادن في موريتانيا من أكثر القطاعات الواعدة في المستقبل القريب.