الأخبار (نواكشوط)- تحتفظ العواصم في دول العالم غالبا بمعالم رئيسية يهتدي بها الناس، وتربطهم ببعضها ذكريات تجدد حنينهم كلما مروا بها، وقد تثير فيهم الشجا حين يعوجون فلا يجدون إلا بلقعا أو عمارة شيدت مكان ما عهدوا.
المتجول في العاصمة نواكشوط في الفترة الأخيرة يلاحظ أن ثمة كثيرا من المعالم التي عرفها سكان المدينة واصطلحوا على الاهتداء بها قد اختفت؛ ومن آخرها معلَم "ابّيتيك كسكس" بمقاطعة تفرغ زينة الذي تم هدمه مؤخرا.
معلم شعبي
فرغم أنه يقع في أحد أرقى أحياء العاصمة وأكثرها فخامة فإن "ابيتيك كسكس" الحانوت المحلي المعروف ببساطته في تفرغ زينه ظل هو المعلم الذي يهتدي به القادمون إلى أحيائها الرئيسية الأولى لكنهم اليوم باتوا يهتدون بأطلاله.
ولم يكن دور "ابيتيك كسكس" مقتصرا على هداية الناس بل إن وظيفته الرسمية التي نال بها شهرته وبها عرف، هي أنه مكان لتسويق الوجبات الشعبية المتنوعة من "كسكس" و"باسي" و"عيش"، إضافة إلى بضائع منوعة أخرى من بينها النعناع.
غير أن إحدى الوجبات التقليدية المعروضة أمامه وهي "كسكس"، حظيت بحمل المعلم الذي بقي أثرا بعد عين لاسمها، فيما يشبه انتصارًا على "العيش" في معركة بين الوجبتين حملت طابع الأدب وسال فيها المداد بنصوص لا تخلو من طرافة.
"بلوكات" تختفي
كان موظفو الحكومة الموريتانية الأوائل يفيئون إلى ظل ظليل في مساكن مدنية على شكل شقق حملت اسم "ابلوكات" لشكلها الحديث نسبيا بطوابقه العلوية، فكانوا متجاورين في العمل والسكن معا، وكانت موقعا استيراتيجيا لموظفي الدولة الناشئة.
في مباني بلوكات كانت تلتقي نخبة موريتانيا؛ ففي ظلها المسائي كان يجلس مؤرخ موريتانيا وكاتب موسوعة تاريخها الثقافي والسياسي العلامة المختار ولد حامد مع نظرائه وطلابه، وفي ابلوكات كان رئيس موريتانيا الأسبق معاوية يجلس هناك يتصفح المجلات والروايات بصمت –حسب الوزير والسفير ودادي- في كتابه "الوزير".
آلت "بلوكات" مسكنا لمجموعات من الموظفين والمتقاعدين ومعلما من معالم نواكشوط لكن موجة الهدم طالتها هي الأخرى ليستغل الشباب الموريتاني الرافض لهدم "بلوكات" ساحتها لإطلاق مظاهراته المطالبة برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز خلال العامين 2011 و2012.
ملك ساحة "ابلوكات" آل بعضه لشركات عمومية شيدت في الساحة عمارات تصدرها برج الشركة الوطنية للصناعة والمناجم SNIM الأعلى في العاصمة نواكشوط بواقع 15 طابقا.
المدارس للبيع
يتداول سكان العاصمة نكتة مفادها أن أحد المواطنين جاء يوم 5 في شهر أغسطس الجاري يحمل بطاقة ناخبه ليصوت بـ "نعم" لصالح مشروع التعديلات الدستورية المقترحة لكنه تفاجأ من أن مكتب التسجيل قد اختفى أثره.
تضيف الرواية المتداولة أن المواطن سأل صاحب الدكان المجاور عن المدرسة-المكتب فأجابه بالقول إن يد البيع قد طالتها.
كان ذلك حال عدة مدارس في قلب العاصمة نواكشوط اختفت بعد أن تم بيعها، من بينها مدرسة تفرغ زينه المقابلة لفندق اطفيله، والمدرسة رقم 2 شمال السوق المركزي، والمدرسة رقم 7 الواقعة على شارع الرزق.
معالم طواها النسيان
ثمت معالم أخرى طواها النسيان إلا عند مهتمين بمعالم نواكشوط مثل رئيس دار السنمائيين الموريتانيين السابق عبد الرحمن ولد أحمد سالم الذي أبدى تأثرا وهو يتذكر معالم كانت وجهة أهل نواكشوط في أيامها المجيدة.
يقول ولد أحمد سالم في حديثه للأخبار إن لكل مقاطعة من نواكشوط معالم تعرف بها، ويضيف أن بعض المعالم كان وجهة لجميع سكان العاصمة، وقد ذكر -بحسرة-من تلك المعالم دار ولد خيار وقلعة نواكشوط وسينما الأجواد ومنى و"صدراية همام" و"مطعم انصارى"...
ولد أحمد سالم ذكر أن ثمت معالم صدرت في حقها مراسم صنفتها كإرث تاريخي، لكن تلك المراسم لم تحمها من عبث الزمن ولا من يد العابثين، وقد ذكر من تلك المعالم، "قصر السكن" ومكان أول اجتماع لحكومة موريتانية، ومكتب الرئيس الأسبق المختار ولد داداه، ومكان أول برلمان موريتاني الذي تحول إلى المدرسة الأولى وهو أحسن تلك المعالم مآلا على الأقل.
محورية تلك المعالم تكمن في كونها ظلت أعلاما على المكان الذي ظل يحمل اسمها حتى بعد أن زال المعلم نفسه.. فهل ستحتفظ "ابلوكات" و"ابّيتيك كسكس" والمدارس الحكومية التي تم بيعها مؤخرا بالرمزية التي نالتها كمعالم بارزة طيلة عقود؟!