على مدار الساعة

وزارة الزراعة والسيادة الغذائية.. دلالات التسمية

22 أغسطس, 2024 - 17:04
الهيبة سيد الخير - المهندس الزراعي

حملت التشكيلة الحكومية المعلن عنها مؤخرا، تغييرا في اسم حقيبة وزارة الزراعة، أضاف لها بعد جديدا وهو السيادة الغذائية، لم يفاجئني الأمر كثيرا لأن البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية حمل دلالات واضحة حول الأهمية التي ستسند لهذا القطاع وعن حجم الورشات المزمع بناؤها والتي من ضمنها الإصلاح العقاري.

 

كتبت هذا المقال استجابة لطلب العديد من الاخوة والزملاء للتعليق على الموضوع، وتبيان دلالات وتجليات إسناد السيادة الغذائية لوزارة الزراعة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا التكليف اعتراف بنتائج تحققت في الآونة الأخيرة، ولا شك أن تثبيت طاقم الوزارة يأتي في ذات السياق.

 

ماذا تعني السيادة الغذائية؟

يمكن اعتبار هذا المصطلح هو الجيل الثالث من المقاربات المتعلقة بتوفير الغذاء، خصوصا للدول التي تعاني من نقص مزمن فيه، فقد سبقه في عقد السبعينات من القرن الماضي مصطلح الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ثم تلاه في عقد الثمانينيات مصطلح الأمن الغذائي، ليحل محله في عقد التسعينات مصطلح السيادة الغذائية، بينما ما زال الجيل الرابع في مرحلة المخاض ويٌعني بالمرونة الغذائية.

 

تم إطلاق هذا المصطلح لأول مرة من قبل حركة طريق الفلاح الدولية  la Via Campesinaويقصد به "حق الشعب في كل بلد في تقرير سياسته الغذائية، وحقه في تحديد سياسات واستراتيجيات إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه المستدام، مع احترام ثقافاته ونظمه الخاصة في إدارة موارده الطبيعية ومناطقه الريفية، وهو حق يعتبر شرطاً مسبقاً لتحقيق الأمن الغذائي".

 

تستند السيادة الغذائية لاستراتيجية بديلة للنهج الليبرالي تركز على دور صغار المنتجين والاستدامة البيئية وإعطاء الأسواق الوطنية والمحلية الدور الأكبر والحد من تأثير الأسوق الدولية، والشركات الكبرى على الاقتصاديات الوطنية المرتبطة بالغذاء.

 

ما الفرق بين الأمن الغذائي والسيادة الغذائية؟

يكمن الفرق في المفاهيم والنهج المتبع لتحقيق الاكتفاء الغذائي، فالأمن الغذائي يشير إلى قدرة الأفراد على الحصول على الغذاء الكافي والصحي في جميع الأوقات لضمان بقاء الإنسان وصحته، حيث يركز على توفر الغذاء وإمكانية الوصول إليه واستقراره واستخدامه بشكل مناسب، باختصار، يتعلق بالحق في الحصول على الغذاء دون النظر إلى من أين يأتي هذا الغذاء أو كيفية إنتاجه، ولفهم الأمر بشكل أوضح فيكفي أن نستحضر مفوضية الأمن الغذائي.

 

بالمقابل تركز السيادة الغذائية على الاستقلالية والسيطرة المحلية على الموارد الغذائية، وتحد من اعتماد البلد على الاستيراد أو السياسات الغذائية التي تفرضها الدول الأخرى، باختصار، الأمن الغذائي يتعلق بتوفير الغذاء للجميع، بينما السيادة الغذائية تركز على من يملك القرار بشأن طريقة إنتاج الغذاء وكيفية توزيعه.

 

في ظل مقاربة الأمن الغذائي نقول إن بلادنا تكتفي ذاتيا من اللحوم الحمراء، وهذا صحيح، لكن في ظل المقاربة الجيدة سيكون الأمر ناقصا لأننا نعتمد بشكل كبير على الأعلاف المستوردة، ومن الواضح هنا أن السياسات ستسعى لتلافي هذا الخلل.

 

ماذا يفترض أن يترتب على تطبيق مفهوم السيادة الغذائية؟

- بما أن الغذاء يشمل ثلاثة قطاعات هي الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد، فيفترض أن تصبح الوزارة المعنية وزارة دولة لتسهيل تنسيق السياسات وتكامل الجهود لتحقيق الهدف المنشود، أو إيجاد صيغة للتنسيق في انتظار التعديل؛

 

- تحيين ومراجعة الاستراتيجيات والسياسات لتنسجم مع بُعد السيادة الغذائية، فالنصوص الحالية غير متوائمة مع هذا البعد، فيجب أن ينتج الغذاء محليا وبأدوات وقرارات محلية بغض النظر عن كلفة ذلك؛

 

- إجراء إصلاح عقاري، بما يضمن الولوج للأرض الزراعية بشكل عادل ومنصف؛

 

- اختفاء المشاريع والبرامج في القطاع الممولة من الجهات المانحة كالبنك الدولي والممولين المرتبطين به لأن السيادة الغذائية تعني في جوهرها الاستقلالية في السياسات المرتبطة بالغذاء وعدم الخضوع للشروط والمقاربات المفروضة من المانحين؛

 

- تغيير اسم مفوضية الأمن الغذائي وإظهار بٌعد اللوجستيك والإمداد بالمدخلات في اسمها الجديد، وضمها لقطاع السيادة الغذائية؛

 

- إعطاء العناية للبحث العلمي والابتكار لمساعدة نظم الإنتاج الوطنية؛

 

- إعطاء العناية للاستدامة البيئية؛

 

- التركيز على زراعة الأعلاف في أعالي ووسط الضفة لتقليل اعتماد الماشية على الأعلاف المستوردة، وخلق حوض إنتاج ألبان كفيل بإنتاج حاجيات البلاد من الحليب؛

 

- استغلال منجم بوفال لإنتاج الفوسفات؛

 

- التركيز علي الصيد التقليدي والقاري وإلغاء رخص الموكا، والحد من تغول الصيد الصناعي.

 

هل تملك البلاد الموارد الكفيلة بتحقيق السيادة الغذائية؟

تحتاج البلاد لإيجاد الموارد المالية الكافية لتحقيق السيادة الغذائية، خصوصا في ظل التراجع المتوقع لتمويلات المانحين بسبب عدم إمكانية تبني مقارباتهم وسياستهم، وهنا يمكن التعويل على أمرين:

- حشد الموارد على المستوي الوطني: وذلك عن طريق ريوع الصناعات الاستخراجية كموارد صندوق الأجيال والعوائد المختلفة للشق الصناعي والتعدين الأهلي، وذلك لإعادة التوازنات الكبرى وتصحيح الخلل الناتج عن المرض الهولندي، وستكون هذه الخطوة نقلة نوعية تنضاف للخطوة السابقة المتعلقة بتعزيز المحتوي المحلي وعندها يكون هذا القطاع على طريق الاستدامة.

 

- حشد التمويلات العربية والإسلامية والتي لا تفرض شروطا مقيدة، وهنا يمكن أن تكون قمة نواكشوط الاقتصادية العربية التي تم تأجيلها بطلب من المملكة العربية السعودية فرصة مواتية لحشد التمويل.

 

أما فيما يخص الموارد الطبيعية، فلعل أهم ما يُعول عليه كثيرا في تحقيق السيادة الغذائية هو الماء، فموارد البلاد المائية المتجددة سواء السطحية أو الجوفية، تكفي لزراعة الأراضي الضرورية لتحقيق حاجات البلاد من المحاصيل الأساسية، وهذا ما دفع العديد من المستثمرين للاستثمار في زراعة محصول البطيخ.

 

تملك البلاد مناخا معتدلا في المنطقة الجنوبية من الواجهة البحرية، مما يعطي فرصة تنويع زراعي ضروري لإنتاج محاصيل الخضار والفاكهة ذات الأهمية القصوى لصحة المجتمع، كما يمكن استغلال جزء من هذه المنطقة لإنتاج القمح وذلك بتحمل الدولة لنصف أو كامل كلفة أنظمة الري المحوري الضرورية لزراعة هذا المحصول.

 

إن مواصلة النهج الحالي المتمثل في زيادة الاستصلاحات الزراعية المرتبطة بالأرز، سيضمن تحقيق فائض إنتاج يكون كفيلا بضمان حاجيات البلاد من هذا المحصول الحيوي حتى في السنوات المتقلبة.

 

ويبقي تحقيق السيادة الغذائية أي توفير حاجيات البلاد من الأغذية الرئيسية بشكل مستدام، وبوسائل وأدوات وسياسات وطنية مرهون باتخاذ قرارات هامة، من قبيل الإصلاح المؤسسي والعقاري وحشد التمويلات الوطنية، وفي انتظار اتخاذ تلك القرارات تبقي السيادة الغذائية بعيدة المنال.